لحم الخنزير والذكاء الخارق للرئيس بوتين

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

اهتمت وسائل الإعلام الروسية بشكل غير مسبوق بحادثة طريفة تبرز الذكاء الخارق وقوة الملاحظة غير العادية للرئيس فلاديمير بوتين. وعلى الفور تناولت وسائل الإعلام العربية هذه الحادثة، فنقلتها كما هي لتعكس أيضا معيارا مهما للإعلام العربي.

وسائل الإعلام الروسية روَّجت للحادثة باعتبارها دلالة كافية على قوة ملاحظة الرئيس الروسي ويقظته، وأنه لا يمرر أي شيء هكذا دون التفكير وإعمال العقل. ومن جهة أخرى، أبرزت عدم يقظة وزير الزراعة الروسي، وكيف أثار ابتسام، وربما سخرية، بقية الوزراء الذين شهدوا هذه الحادثة الطريفة.

وزير الزراعة الروسي ألكسندر تكاتشوف، كما جاء في الخبر، أثار ضحك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحكومة، وهو يشرح كيف تصدر ألمانيا لحم الخنزير إلى مجموعة من الدول. وذلك عندما أشار، خلال شرحه حول الزيادة المسجلة في إنتاج اللحوم، وخاصة لحم الخنزير في روسيا، إلى ضرورة تحفيز التصدير. وساق ألمانيا مثالا على هذا الصعيد، قائًلا: إنها "تصدر الخنزير إلى الصين وإندونيسيا واليابان!". إلا أن بوتين قاطع وزيره متسائلاً: يصدرون الخنزير إلى إندونيسيا وهي بلد مسلم؟ ثم ينفجر ضاحكًا، ليعود الوزير إلى قائمة الدول، ويعتذر قائلًا: عفوا، لقد أخطأت البلد.. إنهم يصدرون لكوريا الجنوبية، وليس لإندونيسيا!".

الصياغة ووضع علامات التعجب تظهران هذا التقدير الجبار لذكاء الرئيس الروسي ولماحيته وقوة ملاحظته. وتظهران تكاسل وتقاعس وسطحية الوزراء. المهم هنا أيضا أن وسائل الإعلام الروسية نشرت "فيديو" مرفقا مع الخبر للتأكيد على صحة وحقيقة الحادثة. وأظهر الفيديو أن الرئيس بوتين، بعد أن سمع كلمة إندونيسيا، مالَ على أذن رئيس الحكومة ديميتري ميدفيديف، وهمس له بشيء ما، ثم تبادل الاثنان كلمات قليلة. وعلى الفور أوقف الرئيس وزيره ليستفسر منه، كما جاء في الخبر المكتوب.

وبعيدا عن حالة الخلط والفوضى ولاانفصال عن الواقع التي تعيشها وسائل الإعلام الروسية. فمن حق أي إنسان أن يسأل ولو سؤالا بسيطا: هل كل سكان إندونيسيا مسلمون؟ ألا يوجد في إندونيسيا أحد يعتنق ديانات أخرى تسمح له بتناول ما يريد، حتى ولو كان لحم الخنزير؟

هذا السؤال البسيط، الذي يبدو ساذجا، لا يسعى للانتقاص من قدر أحد أو إثارة السخرية من أحد، بقدر ما يتوخى الحذر في التعامل مع الشعوب والديانات، والبشر بشكل عام. فهناك دول كثيرة تضم طوائف وديانات وقوميات وأعراقا مختلفة. وعندما نغرق في الحديث عما يجب أكله ولبسه وفقا للديانة، نكون بذلك قد تجاوزنا المعايير الإنسانية، ودخلنا في نفق مسدود ومظلم. وعندما نقيم الدول والشعوب على أساس الديانة، قد نجد أنفسنا قد وقعنا "بالصدفة" في فخ التمييز، أو بشكل أدق، في فخ الانقياد وراء النظرة الأحادية والإملاء، وتهميش بقية الأعراق والقوميات ومعتنقي الديانات الأخرى لصالح ديانة محددة أو طائفة محددة أو قومية بعينها.

نعم، إندونيسيا تستورد لحم الخنزير، بصرف النظر عن تراجع وزير الزراعة الروسي عن كلامه واعتذاره، وبصرف النظر عن قوة ملاحظة الرئيس الروسي ويقظته. هذا ببساطة، لأن إندونيسيا بها مواطنون يعتنقون ديانات أخرى غير الإسلام، ويرتادها ملايين السياح الذين يعتنقون الإسلام والديانات الأخرى، ولذلك، فهي ببساطة تنتج وتستورد لحم الخنزير.

وفي الحقيقة، فروسيا تنتج وتصدر لحم الخنزير على الرغم من أن بها عددا من الأقاليم التي تصنِّف نفسها بأنها أقاليم إسلامية ذات حكم ذاتي في إطار روسيا الاتحادية، مثل الشيشان وداجستان وأنجوشيا وتتارستان، إضافة لمواطنين روس يعتنقون الديانة الإسلامية في موسكو وسان بطرسبورج ومناطق سيبيريا الأخرى. فهل يمنع أحدٌ أحدًا في روسيا من إنتاج لحم الخنزير وتصديره؟ وهل المواطنون الروس من غير المسلمين، الذين يوجدون في الأقاليم الإسلامية، ممنوعون من تناول لحم الخنزير؟ وهل يمنع أحد الدولة من إرسال لحم الخنزير إلى هذه المناطق الإسلامية في روسيا؟ وهل يصادر أحد حق المواطنين الروس من معتنقي الديانة الإسلامية في عدم تناولهم لحم الخنزير؟

المسألة ببساطة لا تكمن في لحم الخنزير، بقدر ما تكمن في اقتصاد الدول وفي حرية العبادة، وفي عدم التمييز بكل أشكاله، وفي الابتعاد ولو قليلا عن تلك التفاصيل المثيرة فعلا للسخرية، والتي من شأنها وضع جدران وهمية بين الناس على أساس الدين أو العرق. فعندما ندقق في تلك التفاصيل، نكتشف الكارثة الأكبر التي تثير قلق الجميع ومخاوفهم ورعبهم من جهة، وإظهار أسوأ ما فيهم تجاه بعضهم البعض من جهة أخرى. 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على