شرب البول ليعيش وابنته ماتت وهي تطلب البيبسي.. «أكثم» معجزة زلزال ٩٢

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

أربعة أيام تنقب قوات الدفاع المدني ورجال الإسعاف في أنقاض عمارة هليوبوليس أو عمارة الموت، التي انهارت في زلزال 1992، كانت هذه الأيام الأربعة كفيلة بخروج الزلزال وخسائره من بؤرة تركيز المجتمع المصري، خاصة أن أغلب محافظات مصر لم تتأثر بالزلزال، وتحولت الجماهير المتابعة في كل مصر للتعلق بأمل خروج ناجين من أنقاض العمارة، ربما لتقول لنفسها إن الأمل باق رغم إحباطها، مما كشفه الزلزال من فساد وقصور في أجهزة الدولة ونظامها، أو ربما لتقول إنها كمجتمع وأمة قادرة على أن تخرج من جوف الموت حياة.

كل يوم يصعد رجال الحماية المدنية ثم يتم استدعاء رجال الإسعاف ويخرجون حاملين جثة إلى مشرحة المستشفى المواجه للعمارة. وفي اليوم الرابع وبعد أن مل الجميع مشهد استخراج الجثث ظهرت حركة غير عادية، وبالفعل كان الإعلان عن العثور على أحد السكان على قيد الحياة، وانفجرت الجموع التي أحاطت برجال الإنقاذ في فرحة ومشهد لا ينسى. فكما لخصت عمارة الموت مأساة قسوة الطبيعة وفساد البشر جسدت قصة أكثم سليمان صميم عقيدة المصري القديمة أن هناك إلها وربا قادرا لا تعجز قدرته بعد أن تعجز كل القوى.

كل من عاش هذا اليوم وما بعده لا ينسى اسم (أكثم السيد إسماعيل سليمان)، المهندس الشاب الذي كان آخر الناجين من ضحايا الزلزال، حيث تم إنقاذه في اليوم الرابع للزلزال، وبعد أن فقد الجميع الأمل في وجود أحياء، وفي أثناء عمل رجال الإنقاذ والحماية المدنية في رفع الأنقاض سمع أحد العمال صوت استغاثة خافتا ضعيفا وصوت طرقات مصدرها أسفل الأنقاض، فتوقفت الحفارات وتحرك فريق الإنقاذ ليحدد مكانه، ولم تكن هناك تلك الأجهزة الحديثة التي تصدر ذبذبات تحدد مصدر الصوت. وبعد ساعات من رفع الأنقاض في المكان الذي حدده رجال الإنقاذ فوجئوا بوجود شاب منهك على قيد الحياة وفي وعي وجانبه ترقد والدته وزوجته وابنته الطفلة جثثا هامدة.

خرج أكثم من تحت الأنقاض بعد أن أمضى 82 ساعة مدفونا تحت الأنقاض مع أمه وزوجته وابنته، ليتحدث من على أحد أسرة مستشفى هليوبوليس: "شعرت بالرعب كأني في قَبر، ظلام دامس وأتربة ولا صوت إلا أنين المصابين وصمت الموتى". هكذا جاوب على سؤال عن مشاعره تحت الأنقاض!

وحكى أكثم للتليفزيون المصري -لم يكن هناك غيره وقتها- سر نجاته وماذا حدث منذ لحظة الزلزال. وقال: "كنا على مائدة الغداء أنا وزوجتي "تنسيانا" وأمي وابنتي "سميرة"، وتقريبا انتهينا من الطعام وهممت بالذهاب لأحضر زجاجة البيبسي لابنتي التي طلبته مني، وفجأة سمعنا صوت طرقعة شديدة وهرولنا نختبئ تحت منضدة الطعام. ثم وجدنا أنفسنا نسقط كأننا في بئر عميقة. كنت أسمع أصوات الصراخ للجيران وأمي وزوجتي تصرخان واندفنا جميعا تحت الأنقاض".

الساعات التالية كما حكى أكثم شهدت كثيرا من أصوات الأنين والاستغاثة دون جدوى، وبالتدريج تناقصت هذه الأصوات. "كانت أمي أول من صمت وأسلمت روحها ثم ابنتي وبعدها زوجتي. حاولت أن أشجعهن للتماسك فقمت بتمزيق جزء من ملابسي، وكنت أبول على القماش وأعيد شرب البول، لكن أمي وزوجتي رفضتا أن تفعلا مثلي. ابنتي ظلت تطلب مني كوب البيبسي حتى فاضت روحها، كنت أنظر إليهن ولا أملك أن أفعل أي شيء".

أكثم كان يقطن شقة في الطابق السابع وكانت أخته تقطن في الطابق الثالث عشر وتم إنقاذها في أول أعمال الإنقاذ مع طفلها الرضيع. وظل أكثم تحت الأنقاض ثلاثة أيام دون طعام ولا ماء وكمية الأوكسجين قليلة جدا، فكان يقع في نوبات إغماء ثم يفيق ليستغيث بالموجودين فوق الأنقاض لا يعلمون عنه شيئا ولا يسمعون استغاثاته.

تحدث أكثم من داخل المستشفى وظهرت له نفس التصريحات في صحف متفرقة، فقد تحول دون إرادته إلى أيقونة تحمل إشارة سماوية لوجود المعجزات، أو ربما أحب المصريون أن يروه كذلك، لكنه لم يذهب معهم فيما رأوه. رفض أكثم بعد ذلك أية حوارات أو تصريحات لوسائل الإعلام، واعتقد الكثيرون أنها الصدمة لن تلبث أن تغادره ويعود لحياته ويتحدث أكثر.

وربما يصبح نجما سينمائيا أو اجتماعيا كما بدأ الترويج لأصحاب الفرص، بعد أن انهالت الدعوات عليه دون رد. أول وآخر ظهور لأكثم كان في المستشفى ثم اختفى وسط تكهنات بأن يأخذه الاكتئاب ليلحق بابنته وأمه وزوجته منتحرا، لكن ذلك أيضا لم يحدث. وظهرت تصريحات منسوبة لأكثم تزعم أنه سيهب نفسه لخدمة المساجد، ويترك الدنيا وحتى اليوم لم يظهر ذلك الدرويش.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على