جدل حول أثر الموهبة والدراسة في براعة الممثل البحريني

أكثر من سنتين فى البلاد

ضمن فعاليات برنامج مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في نسخته الرابعة، احتضنت الليلة الرابعة من ليالي "مجلس المسرح الخليجي" مجموعة مميزة من المسرحيين البحرينيين في جلسة بعنوان "الممثل المسرحي البحريني بين الموهبة والشهادة"، تحدث فيها كل من كلثوم أمين، ويوسف الحمدان، وعلي سلمان، وعبدالله ملك، وأدار الجلسة وتحدث فيها أيضا الإعلامي والكاتب الصحافي أسامة الماجد، وتضمنت الجلسة محاور وتساؤلات عدة، منها أثر التحصيل الأكاديمي في مسيرة التمثيل المسرحي في البحرين، وهل من الضروري أن يكون الممثل المسرحي موهوبًا؟ وهل يرتبط الممثل الذي اكتسب مهاراته عبر الدراسة الأكاديمية بنوعٍ محدد من المسرح، مثل مسرح النخبة، أم يمكنه البروز في ما يعرف بالمسرح الجماهيري؟

استهل مقدم الجلسة الكاتب الصحافي أسامة الماجد رفع أسمى عبارات الشكر والعرفان إلى مقام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على دعمه السخي لكل المسرحيين في الخليج والوطن العربي، ثم تحدث من واقع خبرته الصحافية الممتدة لأكثر من 27 عامًا عن المسرح البحريني، والمراحل التي مر بها، والمرحلة الأهم كانت من وجهة نظره هي مرحلة التحول إلى إحياء ثقافة عالية لفنون المسرح، وإعداد الممثلين والعاملين به، ليس فقط عن حسن استعداد وموهبة، بل عن علم وثقافة، ومن هذه النقطة انتقل الحديث إلى الأستاذة كلثوم أمين، التي استهلت حديثها بتعريف وافٍ ومفصل عن الموهبة وتنوعها عند كل إنسان، قائلةً "إن الممثل المسرحي يعتمد على موهبته الفطرية أولًا، ثم بعد ذلك ينحو منحى التعليم والتحصيل الأكاديمي ليدعم موهبته بالدراسة"، ثم تحدثت أمين عن مراحل التمثيل عند الممثل البحريني، وأول مرحلة هي مرحلة التلقين، التي كانت هي البدايات بين الأستاذ والتلميذ في المدرسة الخليفية في أوائل القرن العشرين، وقد كانت مسرحية "القاضي بأمر الله" سنة 1925 هي اللبنة الأولى في المسرح البحريني، ثم بعد ذلك جاءت على ذكر مرحلة الموهبة، ودور الأندية الثقافية منذ أربعينيات القرن الماضي، التي اعتمدت على الممثل وقدراته البسيطة، ثم تطور الممثل بتطور الحركة المسرحية في البحرين، من خلال الفرق التمثيلية، وتحدثت أمين عن السبعينات وما حملته من تطور للفرق المسرحية نتيجة توافر حصيلة لا بأس بها من التجارب.
وتطرقت كلثوم إلى الظروف التي واجهت الممثل الموهوب غير الدارس، التي أبرزها عدم وجود مخرج أكاديمي دارس يدربه، وعدم اهتمام المسؤولين بتعليم الممثلين وتقديم ورش تدريبية لهم، لكن ترى كلثوم أنه في الوقت الحالي تضم الفرق المسرحية البحرينية العديد من الممثلين المؤهلين أكاديميًا، وتختتم كلثوم حديثها بأن الموهبة وحدها لا تكفي لخلق ممثل عبقري.
من جانبه، أكد الفنان عبدالله ملك أن الموهبة في التمثيل المسرحي هي الأساس الذي لا غنى عنه، ولا يمكن الانطلاق من الأكاديمية قبل الموهبة الفطرية، ومن وجهة نظره أن الدراسة الأكاديمية تثقل الموهبة، والتجربة والممارسة تنميها، وتطرق ملك إلى التفريق بين الممثلين الموهوبين غير الدارسين والممثلين الدارسين بلا موهبة، ووقف طويلًا عند هذه النقطة وأفرد مساحةً لا بأس بها بالتدليل على كلامه بذكر أسماء بحرينية كان لها باع طويل في التمثيل لم تكن مؤهلة أكاديميًا أو دارسة، منها عبدالله السعداوي رائد المسرح التجريبي، ومحمد عواد أحد رواد الحركة المسرحية في البحرين.
ثم تحدث ملك عن العصر الذهبي من وجهة نظره للمسرح البحريني في السبعينات، حيث كان الممثلون يقدمون أعمالهم المسرحية وهم غير دارسين في أكاديميات، فقد كان منطلقهم في ما يقدمون واقعهم الاجتماعي والثقافي والسياسي، ولم يكن مسرحهم مسرح نخبة، لكن بعد سفر الطلاب ودراستهم في معاهد الفنون وعودتهم بدأوا يقدمون عروضًا مسرحية قليل جدًا من يهتم بها، من وجهة نظره.
في نهاية حديثه نفى أن يكون كلامه ضد فكرة الدراسة والتحصيل العلمي، لكنه يؤكد على ضرورة ألا يتخلى المبدع المسرحي عن روحه الفطرية في تقديم أعماله.
ثم بعد ذلك انتقل الحديث إلى الكاتب والممثل والمخرج علي سلمان، مؤسس مسرح الريف في البحرين، وقد بدأ حديثه عن محاور الجلسة من خلال تجربته المسرحية، مؤكدًا أن الموهبة هي الأساس الذي يبنى عليه كل شيء، فقد كون مسرحًا ريفيًا صغيرًا العام 1975، ولم يكن هو ولا الذين معه على دراسة أكاديمية بالمسرح، ورغم ذلك عرضوا نصوصًا عربية حولوها كي تكون صالحة للمجتمع البحريني، وقد تفاعل معها الجمهور، لكن سلمان يؤكد ضرورة تلقي العلم والمثابرة والقراءة.
وقد ذكر سلمان في حديثه العديد من النماذج التي درست المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، منها الأستاذ جمال الصقر، وغيره، وعندما عاد هؤلاء أفادوا فرقة المسرح الريفي من خلال تطبيق ما درسوه في الكويت، وقد انبهر ممثلو الفرقة بهذه التجربة، ثم توالوا على الذهاب للدراسة وتحصيل العلم حبًا منهم في المسرح، ورغبة في تقديم تجارب مسرحية مدهشة.
وقد اختتم الناقد والكاتب يوسف الحمدان الجلسة بإثارته العديد من التساؤلات الجدلية المهمة، التي دارت حول مواضيع أبعد من محاور الجلسة، التي رآها الحمدان محاور لا تخلق جدلًا حقيقيًا، فلابد أن يذهب المبدع للتحصيل العلمي والأكاديمي لصقل موهبته، ويرى الحمدان أن الموهبة لتتطور لابد أن تقترن بالثقافة والوعي عموما، وهذا أمر بديهي من وجهة نظر الحمدان، وكل ذلك من أجل تشكيل الموهبة الخلاقة، وقد طرح الحمدان الكثير من التساؤلات حول آليات تدريس المواد التي تخص المسرح، وكيف يمكن أن تخرج هذه الأكاديميات طلابًا قادرين على الاشتغال في المسرح، ونقل هذه المفاهيم التي درسوها بشكل ديناميكي يخلق حركة مسرحية حقيقية ومتطورة، عكس ما يحدث من وجهة نظر الحمدان، فأغلب دارسي هذه التخصصات يتخرجون ويغيبون تمامًا عن الساحة، وذكر بالأمثلة طلاب قسم النقد المسرحي الذي يعج بمئات الطلبة، ولكن في الواقع لا تجد مشتغلين حقيقيين بالنقد من كل هؤلاء المئات سوى قليلين، يعدون على أصابع اليد الواحدة. ورغم ذلك وما تطرق إليه الحمدان من كلام جدلي فلسفي قائم على معرفة عميقة، ورؤى أصيلة، أكد الحمدان على مسألة الموهبة، ولم يقلل من أصحابها الذين أكملوا مشوارهم في المسرح البحريني دون أن يتحصلوا على أي شهادات علمية.

شارك الخبر على