الإمبريالية في مرحلة تنظيف الشوارع من الجثث .. بقلم سلمى التجاني

أكثر من ٦ سنوات فى سودانايل

 
يوم الأربعاء الماضي أطلق بوريس جونسون وزير خارجية المملكة المتحدة تعليقاً خلط فيه بين الجدية والطرفة ، لكنه لم يكن كذلك ، بل كان حديثاً يخلو من الحساسية الانسانية والروح الدبلوماسية التي يقتضيها منصبه ، وعرضه لإنتقادات لاذعة من الإعلام والسياسيين البريطانيين . قال جونسون معلقاً على الأوضاع الإنسانية في مدينة سرت الليبية وعن خطط بريطانيا المستقبلية هناك ، أنه بإمكان المستثمرين البريطانيين أن يخلقوا من سرت دبي أخرى ( فقط على الليبين تنظيفها من الجثث الملقاة على الطرق ) . 
تعليق جونسون كشف عن عقلية إمبريالية لا ترى في سرت ، المدينة التي احتلتها داعش بعد سقوط ليبيا ، إلا موقعاً مناسباً للإستثمار ، استثمارٌ في فجيعة الليبين بعد تدمير بلادهم . كارولين لوكاس زعيمة حزب الخضر وصفت جونسون ب ( كرة الهدم ) ، الكرة الحديدية الضخمة التي تستخدم في هدم المباني ، وأنه لا يصلح للوزارة لأنه يجلب السمعة السيئة لبريطانيا . في الحقيقة إنه لم يفعل شيئ سوى الحديث بصراحةٍ شديدة خارج الأبواب المغلقة . رمزية مدينة سرت الليبية في المخيلة الإمبريالية العالمية تأتي من كونها رمز من رموز الدول القومية ، حيث بدأ القذافي مشروعه لإقامة دولة قومية متأثراً بالفكر الناصري ثم توجه لإفريقيا ، فسرت هي مسقط رأس الراحل معمر القذافي وآخر معاقل مقاومته حيث قُتل هناك ، وبسقوطها سقطت ليبيا في أيدي قوات حلف شمال الأطلسي والمقاتلين الليبيين .كذلك تأتي اهميتها السياسية من كونها شهدت إعلان الاتحاد الإفريقي في التاسع من سبتمبر ١٩٩٩ ، وانعقدت بها القمة العربية الثانية والعشرين ، وكانت مقراً لمركز واغادوغو للمؤتمرات وبها اعتاد القذافي على استقبال زعماء العالم . وتكمن اهميتها الإقتصادية كمدينة ساحلية تقع على البحر الأبيض المتوسط ، يلتقي عندها أنبوبي النهر الصناعي كأطول شبكة مصنوعة لنقل المياه في العالم ، وكذلك تعتبر أحد أهم مشاريع تطور استخراج النفط البحري في المنطقة والعالم .في العام ٢٠١٥ صدر كتاب ( الامبريالية في القرن الحادي والعشرين : تحديث لنظرية لينين بعد قرن ) باللغة الإنجليزية في مدينة سان فرانسيسكو الامريكية عن حزب الاشتراكية والتحرير ونشر الدكتور مسعد عربيد قراءة للكتاب بصحيفة الأخبار . يذهب مؤلفي الكتاب ، وفقاً لمسعد ، إلى ان الامبرياليين الامريكيين قد نظَّروا منذ تسعينات القرن الماضي ل ( القرن الامريكي الجديد ) لتحقيق مشروع الهيمنة الامريكية المطلقة عبر إختلاق ذرائع للحروب تبدو اكثر وطنية وانسانية ونبلاً ، مثل الامن القومي الامريكي والسلام العالمي والتدخل الانساني والاطاحة بالدكتاتوريات الشريرة والحرب على الإرهاب وغيرها ، وأن مفهوم الحرب الدائمة يحظى بموافقة الحزبين الامريكيين ، الجمهوري والديموقراطي . وفي سعي امريكا للقضاء على الدولة القومية في العالم العربي دمرت العراق وسوريا . في حالة السودان فإنه يُصنف ضمن رعاة الإرهاب والديكتاتوريات الشريرة ، لذلك بدأ التعامل معه منذ العام ١٩٩٣ تاريخ وضعه في قائمة الدول الراعية للإرهاب وفق معايير الخارجية الأمريكية ، تلى ذلك عدة قرارات من المؤسسات الدولية والأمريكية فرضت عليه عقوبات اقتصادية وتجارية وأخرى تتعلق بجرائم ضد الإنسانية . وفي بيان الخارجية الامريكية الذي صدر أول أمس معلناً الغاء العقوبات الإقتصادية ، كان تعاون السودان مع الولايات المتحدة الامريكية في معالجة الصراعات الاقليمية ومهددات الارهاب أحد أسباب امريكا لإلغاء العقوبات .في الدراسة التي قدمها مجلس الاطلسي في يوليو الماضي ( مؤسسة بحثية امريكية مرموقة في مجال العلاقات الخارجية ، تجد الاحترام من صانعي القرار الامريكي ) قدم المجلس تقييم للعلاقات الامريكية السودانية ، ونصائح يُلاحظ الآن أن الادارة الامريكية تستهدي بها في تعاملها مع السودان كدولة ذات موقع استراتيجي في المنطقتين الافريقية والعربية . أكدت الدراسة أن المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية لم تكن في صالح امريكا ، وأن لدى الادارة الامريكية الفرصة الآن للبناء على الانفتاح الوليد مع السودان بطريقة تخدم المصالح الامريكية . ونصحت الدراسة بتعيين سفير امريكي بالسودان ( لكن على امريكا ان توضح للسودان ان تعيين سفير لا يعني القبول بسياساتها ، لكنه لتسهيل حوار ثنائي مستمر ونشط لصالح أمريكا ) . خلاصات الدراسة تدور حول المكاسب التي ستحققها أمريكا من هذه العلاقة ، وتظهر قضايا السلام المستدام في السودان وحقوق الإنسان كأدوات لترفيع الحالة السودانية كحكومة تليق بالمعايير الأمريكية .السودان لدى الإدارة الأمريكية بمثابة ( سرت) في نظر بوريس جونسون ، منطقة استراتيجية للاستثمارات ، فقط على الحكومة تنظيف الشوارع من الجثث .
salma_122@hotmail.com

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على