العبسي في قداس في الربوة خاص بشبيبة ابرشية بيروت يسوع لم يأت ليقضي على الشر والألم بل ليشركنا في حياته الالهية

أكثر من سنة فى ن ن أ

وطنية - المتن - ترأس بطريرك  أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي  القداس الالهي الخاص بشبيبة الروم الملكيين الكاثوليك في ابرشية بيروت، في كنيسة القديسة حنة في المقر البطريركي الربوة، بمشاركة  المطران جورج بقعوني ولفيف من الكهنة وبحضور  السفير البابوي في لبنان بيترو بورجا وشبيبة الابرشية.

والقى العبسي بعد الانجيل المقدس عظة قال فيها : "طلبت إلى الرب ثلاث مرات أن تفارقني". بهذه الكلمات وبغيرها الكثير مما قاله يكشف لنا القديس بولس عن خبرته في الحياة مع المسيح،  يكشف عن خبرة ما كانت، على ما يبدو، هينة سهلة هادئة مريحة بل كانت مجبولة بالألم والوجع والتعب والكد والجهاد والدموع، على خلاف ما  قد يعتقده الكثيرون منا".

اضاف: "خبرة بولس مع يسوع، حياة بولس مع يسوع، كما يصورها هو، نستطيع أن نصفها بالقاسية، فيها معاناة ألم وقلق وخوف ويأس، حياة لا تشبه تلك الخبرات الحلوة الهنية التي تصورها بعض التعبدات والتخيلات الشعبية. وكم من مرة عبر عنها بولس في رسائله بأشكال متنوعة من مثل قوله: "أتمم في جسدي ما ينقص من آلام المسيح"، وقوله "إن الذين يريدون أن يحيوا بالتقوى يضطهدون". وفي الأصل يبدو أن الرب يسوع اختاره لمثل هذه الحياة الصعبة المتعبة إذ قال عنه للتلميذ حنانيا بعد الظهور له على طريق دمشق: "إن هذا لي إناء مصطفى (مختار) يحمل اسمي أمام الأمم والملوك وبني إسرائيل، وسوف أريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي" (أع 9: 15-16). هذا ما حصل بالفعل. وهذا ما أخبر به بولس أهل مدينة كورنثس، في سورة حماس ودفاع عن النفس أمام الذين كانوا "يهتونه" ويقللون من قيمة عمله، وما سمعنا منه شيئا في رسالة اليوم.
مما يقوله بولس عما عاناه من آلام يبدو أنه يفوق الآلام التي  عاناها الرب يسوع نفسه. المسيح جلد مرة واحدة أما بولس فجلد خمس مرات. المسيح ضرب على خده أما بولس فضرب بالعصي ثلاث مرات. المسيح تحمل اللكمات أما بولس فرجم. ما عدا الأخطار والأتعاب والأسفار والأصوام  والسجن والغرق والجوع والعطش والبرد والعري وغيرها . وانتهى به الأمر أن قتل بحد السيف، بقطع رأسه".

وتابع:" ما نستطيع أن نستخلصه من اعتراف بولس أن الحياة مع المسيح ليست حياة سهلة، أن اتباع المسيح، أن السير معه يتطلب جهدا بل جهادا كما يصفه بولس: "لقد جاهدت الجهاد الحسن وحفظت الإيمان". أن نكون مسيحيين ليس بالأمر الهين. وهنا يطرح السؤال الأساسي. السؤال الذي على كل واحد منا نحن الذين آمنا بيسوع وتبعناه أن يطرحه على نفسه: لماذا أنا مسيحي؟ لماذا اخترت أن أكون مسيحيا؟ لماذا أنا هنا الآن أصلي؟ لماذا أنا في الشبيبة المسيحية؟ قد يكون البعض منا كذلك، مسيحيا، في الشبيبة، يذهب إلى الكنيسة، لأننا نجد في المسيحية راحة، حلولا لمعضلات حياتنا، ترويحا عن أنفسنا، هروبا من مشاكل، مكانا للتسلية أو للتلاقي والتعارف... لكن هذا الخيار ليس الخيار الأصح لأننا عند أول صعوبة أو خيبة أو عثرة نترك يسوع ونترك الكنيسة وفي كثير من الأوقات بثورة وحقد ونقمة، لأننا عندما تقع الزلازل والفيضانات والحروب، عندما تقع الخيانات والبغضاء، نبدأ نسأل أين يسوع وأين الله وأين الكنيسة؟".

 واردف: "بولس، بالرغم من معرفته بيسوع، عندما واجه الألم واليأس والخوف، سأل هذا السؤال وسأله ثلاث مرات كما سمعنا في الرسالة، لكن جواب يسوع له كان سريعا مقتضبا وناشفا وشبه موبخ: "تكفيك نعمتي". يسوع ليس موزع أدوية وعلاجات ومسكنات وراشيتات. يسوع هو النعمة التي ننال بها الخلاص الأبدي والحياة الوافرة. "وقد أدرك بولس ذلك حين قال يوما: "لقد ظهرت نعمة الله المخلصة جميع الناس"، وعندما قال كذلك: "إني أحسب أن آلام هذا الدهر الحاضر لا تقاس بالمجد المزمع أن يتجلى لنا". جواب يسوع لبولس "تكفيك نعمتي" جعله يدرك معنى الحياة مع المسيح، المعنى الحقيقي، جعله يتجاوز ما هو أرضي إلى ما هو سماوي. أدرك بولس الهدف الأخير والأسمى من الحياة. إنه الحياة الأبدية مع الله. لم يأت يسوع ليخلصنا من آلام هذا الدهر، ولو أنه فعل ذلك ويفعل في بعض الأحيان بطريقة مباشرة عن يده  أو بطريقة غير مباشرة عن يد قديسيه. لقد تجسد يسوع لكي يشركنا في حياته الإلهية ويعطينا بذلك الخلود السعيد. هذا ما يشرحه لنا يوحنا الرسول في مطلع إنجيله الذي اخترتموه للقراءة في هذا اللقاء.
يقول يوحنا: "أما الذين قبلوه (=يسوع)، أولئك الذين يؤمنون باسمه، فقد أعطاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله، أبناء لم يولدوا  من دم، ولا من رغبة جسد، ولا من إرادة رجل، بل من الله [ولدوا]". يسوع لم يأت إلى أرضنا ليقضي على الألم والشر في الآن وهنا. لم يأت يسوع ليحل مشاكلنا (من جعلني قاضيا؟). جاء يسوع وتجسد لكي تكون لنا القدرة على أن نولد من الله، أي القدرة على أن نصير أبناء الله بالتبني وإخوة ليسوع. هذا هو الهدف الأبعد والأسمى والأنبل والذي لا يدرك والذي أراده الله لنا بتدبيره الإلهي الموضوع منذ الأزل بالمحبة، أن يجعل منا أبناء له نحيا معه، أبناء محبوبين إلى الأبد مرضي عنهم. هذه هي النعمة، التي "هي نعمة على نعمة" والتي جاءت على يد يسوع، كما سمعنا من يوحنا، النعمة التي تغني وتكفي. نعمة مثل هذه ننالها تكفي أجل وتساعدنا بلا شك على تخطي الصعوبات والآلام والمشاكل وعلى تحملها، مع السعي طبعا للعثور على حل بشري لها إن أمكن. مثل هذه النعمة هي التي جعلت بولس يقول في يوم من الأيام: "إن كنا نتألم معه (=يسوع) فلكي نتمجد معه. إني لأحسب أن آلام هذا الدهر الحاضر لا تقاس بالمجد المزمع أن يتجلى لنا" (روم 8: 18)".

وقال:" مثل هذه النعمة التي تكفي لا بد من أن تولد فينا الفرح في عمق تعبنا وبحر أوجاعنا وصحراء همومنا ومشاكلنا: "إني أفرح الآن في الآلام التي أقاسيها لأجلكم" (كول 1: 24). المسيحي هو إنسان الفرح. ميزة المسيحي هي الفرح. الفرح الذي يجمل الحياة ويطيب العلاقات ويطمئن القلوب. "افرحوا في الرب على الدوام وأقول أيضا افرحوا" (في 4: 4). هذا الفرح هو الذي قادكم إلى هنا. فرح يسوع الذي يتلألأ على وجوهكم. الفرح الذي أتيتم تتبادلونه فيما بينكم في هذه الليترجيا الإلهية التي هي ينبوع الفرح. لا تدعوا أحدا يطفئ فيكم أو ينتزع منكم هذا الفرح. لا تدعوا شيئا ولو كان ضمن الكنيسة أو أحدا ولو كان من الكنيسة يفصلكم عن محبة المسيح. ماذا يفصلني عن محبة المسيح؟"
 
وختم العبسي:" في هذا الأسبوع الحالي، من صباح الاثنين إلى مساء أمس الجمعة التأمت الجمعية القارية التحضيرية للسينودس الذي دعا قداسة البابا فرنسيس إلى عقده حول موضوع السينودسية في الكنيسة، حول كيف نسير معا في حياتنا الكنسية المسيحية نحن المسيحيون. البعض منكم قد يكون سمع عن هذا السينودس وقد يكون البعض شارك في المرحلة المحلية. اجتمعنا، بمشاركة البطاركة كلهم وعدد من المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين من كلا الجنسين، من البلاد العربية التي في الشرق الأوسط، من كل الفئات، وعشنا معا خبرة جميلة من التحاور والتشارك بالصلاة والتفكير من أجل أن نكتشف كلنا معا وجها جديدا للكنيسة يجعل كل فئاتها تسير معا لعيش الإنجيل  والشهادة على القائم من بين الأموات. نصلي من كل قلبنا أن يكون هذا اللقاء الذي يجمعنا الآن نقطة انطلاق لنسير معا على الدوام ونكتشف ونتذوق معا كم أن الحياة مع الله جميلة بالرغم من كل الصعوبات والعقبات والعثرات، متأملين في قول السيد الذي اتخذناه شعارا لهذا العام: "تكفيك نعمتي".

 

                            ============= ل.خ

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على