خاص الانتخابات النيابية المقبلة بالطبيعتين الداخليّة والخارجيّة

أكثر من ٦ سنوات فى تيار

بقلم جورج عبيد - سيناريوهات كثيرة تحبك حول مسألة الانتخابات النيابية المرتقبة في إيار من سنة 2018، وكلّها وبالتحليلات المصاحبة لها والمحيطة بها أو المستقرئة لأجوائها تحتاج لكثير من النضوج والإنضاج الموضوعيّ المستوحى من طبيعة الصراع السياسيّ الداخليّ وارتكازه في الوقت عينه على نوعيّة الصراع في المنطقة وحولها وصولاً إلى آخر محطّة من الصراع وهو الاستفتاء الذي دعا إليه مسعود البارزاني في سبيل دولة كرديّة.
 
ينكبّ المحللون في تلك اللحظات على قراءة الانتخابات النيابيّة بطبيعتها الداخليّة، ومن دون مبالغات فإنّ ثمّة جانبًا داخليًا يبيت في حسابات متعلقة بالعلاقات بين الأقطاب والأطياف والأحزاب المزمعة على التحالف أو التواجه، وهو مبنيّ بدوره على صداقات وخصومات غالبًا ما تستجلبها النوازع الشخصيّة وغير مبنيّة على برامج براغماتية مدروسة تظهر الفحوى الحقيقيّ من التحالف، بتجلياته السياسيّة والاقتصادية، لم يتعوّد اللبنانيون ولا الأحزاب في لبنان على صراع برامجيّ ران إلى إصلاح الدولة من جوفها إلى شكلها، وإلى إنعاش المواطنين بحقوقهم وواجباتهم، علمًا بأنّ النسبيّة بفلسفتها تستجدي تنافسًا نوعيًّا من هذا القبيل. 
 
لكن لهذه الانتخابات طبيعة خارجيّة تتحرّك وتتمخّض ضمن أنظومة الصراع في سوريا والعراق وعليهما. في الأساس ما كان لبنان معصومًا عن أيّ صراع كان ينفجر في الخارج فيتشظّى الداخل به، ليبلغ التشظّي مبلغًا خطيرًا حينما يصيب العمود الفقري للدولة فيشلّها ويقيمها في التلاشي المقيت والعدميّ. وفي كلّ مطبّ تاريخيّ كانت تعيشه المنطقة وتلتهب بنيرانه أو تطوراته كانت الأرض اللبنانيّة ترتجّ بثقل الواقع المفروض والمعيش. فعلى سبيل المثال لا الحصر يتذكّر اللبنانيون كيف أنّ الصراع بين حلف بغداد والناصريّة في حقبة الخمسينيّات من القرن المنصرم تسلّل إلى الداخل اللبناني في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون وتفاعل بمفرداته، فانفجر الداخل به، وثار مناصرو الزعيم المصريّ جمال عبد الناصر على الرئيس كميل شمعون وطالبوه بالاستقالة، وبقي حتى آخر لحظة من عهده، وبعد عشر سنوات ونيّف من هذا التاريخ تحولّت عمّان إلى رماد بفعل أيلول الأسود، ودخل لبنان مطبًّا جديدًا من أزماته المتراكمة، وما إن تمّ توقيع اتفاق القاهرة في السنة عينها، حتّى حوّلت منظمة التحرير الفلسطينيّة بقيادة ياسر عرفات لبنان إلى منصّة لانطلاقة ثورتها. 
 
في الأزمة المتفشيّة في سوريا منذ سنة 2011 تحوّل لبنان إلى منصة صراع بين السعوديّة وتركيا وقطر من جهة وإيران من جهة أخرى ليؤول بعد إلى انقسامات مذهبيّة وعموديّة في الداخل اللبنانيّ تداخلت به عناوين سياسية عديدة. كانت العناوين تتوضّح صورتها أو تتشوّه حقيقتها طبقًا لتداعيات وقائع الميدان السوريّ وانسيابها في الداخل. كلّ الاستحقاقات التي جزناها تزاوجت فيها الطبيعتان الداخليّة والخارجيّة للأحداث وتماهت وما انفصلت البتّة، حتى إنّ الحسم الميدانيّ في الجرود الذي طهّر الأرض من رجس التكفيريين يبقى جزءًا من خطّة كاملة وشاملة عنوانها الاستراتيجيّ ربط الحدود ببعضها وبخاصّة الحدود اللبنانيّة-السوريّة بالحدود السوريّة العراقيّة. مع بلوغ تنظيم داعش مرحلة النهاية، تعود المنطقة من جديد ومن البوابة العراقية وفي العنوان الكرديّ نحو انشطار قد ينذر بحروب اهلية جديدة إذا ما بلغ السيل الزبى. لقد حذّر أمين عام حزب الله منها في ظلّ صراع بين مشروعين واحد تقسيميّ سبق وألقينا الأضواء على فحواه وآخر توحيديّ دولتيّ (والتسمية لجان عزيز). ما يهمّ من كلّ ذلك بأن إسرائيل تساندها السعودية تشاء الاستبقاء على الساحة المشرقيّة ساحة احتراب تجترّ الواحدة الأخرى بعناوين مختلفة، فالإسرائيليون بواسطة مسعود البرزاني باتوا على حدود العراق وسوريا وإيران، ليست القضية مرتبطة بالحقّ الإنسانيّ والدوليّ والقوميّ بوجود دولة كرديّة، القضية أن الأطروحة بحدّ ذاتها حجاب لإسرائيل، ولتحالف إسرائيليّ-سعوديّ يحاول فرض نفسه على المثلث السوريّ-العراقيّ-التركيّ، ومنه يتجه نحو روسيا وإيران. 
 
في هذا السياق تظهر دلائل عديدة بأن لبنان لن يكون بعيدًا عن هذا التطوّر الدراماتيكيّ. فهو يقف في وسط الصراع بين المشروعين المذكورين، كما وقف وسط صراعات وتبدلات أدّت إلى تغييرات جذرية في موازين القوى الداخليّة. من المفيد القول بأنّ الدول المعنية بالمسألة الكرديّة لن تقبل على الإطلاق بأن يكون البرزاني مستجلبًا إسرائيل على حدودها. والسعودية الخاسرة لورقتها التكفيريّة ترتضي تعويم حالها بالورقة الكرديّة، وبسبب من ذلك تحاول التموضع في لبنان بالإزائيّة عينها لتموضعها في إقليم كردستان، وتشير معلومات جديّة بأنّ دعوة السعودية لعدد من الشخصيات السياسيّة لزيارتها والتنسيق معها لا تنحصر فقط الرد على لقاء جبران باسيل ووليد المعلّم، بل تذهب إلى رسم سياسة جديدة هادفة إلى تطويق العهد والمقاومة وإسقاطهما في معركة الانتخابات المقبلة بتحالفات جديدة. وتشير المعلومات بأن المملكة رصدت حوالي المليار دولار ونيّف لتمويل حلفائها على الأصعدة كافّة من أجل ليّ ذراع العهد برئاسة العماد ميشال عون ليًّا كاملاً في ظلّ الانكباب على معركة في المنطقة تقرّر مصيرها ومسارّها وليست معركة نفوذ بين القوى ما بين سوريا والعراق. معركة الانتخابات النيابيّة المقبلة لن تكون على الإطلاق معصومة عن الدوافع الإقليميّة والدوليّة باستخدام الورقة الكردية واستهلاكها إسرائيليًّا وسعوديًّا.
ما هو ثابت حتى هذه اللحظة بأنّ التركيز في العامل الداخليّ أو الطبيعة الداخلية للانتخابات النيابيّة خلوًّا من العامل الخارجيّ المشار إليه ضرب من الخيال. لماذا، وكما يطرح أحدهم هذا السؤال، تتجه شخصيات سياسية لبنانية إلى السعوديّة وبأي هدف؟ وفي الوقت عينه، ما هو فحوى التحالفات السياسيّة بين الأحزاب، ما هو مصير ورقة إعلان النيات بين التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة ليس في تجلياتها المسيحيّة الداخليّة بل في المقاربات للحرب في سوريا؟ ما هو واقع التحالف بين التيار الوطنيّ الحرّ وتيار المستقبل ليس بأبعاده الميثاقيّة وبمكتسباته الداخليّة، بل بالمقاربات المرتبطة بسوريا وملفّ اللاجئين والعلاقات اللبنانيّة-السوريّة، وتطورات تلك العلاقة على ضوء التطورات على حدود العراق وسوريا وبإيقاعاتها المتواترة والمتسارعة؟
 
من الضروري أن تطرح تلك الأسئلة وبإيجابية تامّة في مسرى تراكم السلوكيات النافرة وفي لحظة قد تقود إلى تموضعات تنتج عنها مجموعة تداعيات. الانتخابات النيابيّة ليست منفصلة ومعصومة عن النتائج المتصاعدة من الخلف. التحذيرات التي وجّهها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، إلى إسرائيل تكشف بلا ريب بأن القراءة الإسرائيلية المتماهية مع الجوّ الإسرائيليّ "قد" تفضي إلى حرب على لبنان "إذا قدرت" وإلى اعتداءات على غزّة والفلسطينيين. ثمّة محوران يتواجدان ويتحركان من جديد، ويتداخلان في الحرب في سوريا وعليها، وهما: المحور اللبنانيّ من حدوده الجنوبيّة بعملية ما على لبنان، والمحور العراقيّ من إقليم كردستان حيث تتحرك إسرائيل بواسطة مسعود البرزاني، وسوريا وفلسطين ساحتان لكل التداعيات. إذا بلغنا نحو هذه التطورات فقد تبدو الانتخابات مهدّدة، وفي كل الأحوال، يبدو الواقع اللبنانيّ أمام أمرين:
 
1-إمّا يتم التطويق بواسطة الانتخابات النيابيّة،  تستعد السعودية لخوضها بقوّة وبتمويل جاهز، وتنظر إليها إسرائيل كمعطى جديد لاستخدام لبنان منصّة أو ساحة بالعنوان الانتخابيّ.
 
2-وإما لبنان أمام احتمال أن تقوم إسرائيل بشن حرب عليه، بهدف ربط النتائج بما تريد تحقيقه من نتائج في إقليم كردستان. 
 
ويبقى سؤالان مطروحان: ما هو موقف روسيا النهائيّ من استخدام لبنان، وما هو موقف عدد من القوى اللبنانية بحال تبيّن ذلك التماهي في الأهداف بين إسرائيل والسعودية بين لبنان والعراق، بحيث تظلّ سوريا ساحة لكلّ التجاذبات؟
 
حتى يظهر الجواب، الكلام في الانتخابات النيابية بتحالفاتها مبكر، ويفترض إجراء جوار سياسيّ عميق وجديّ من أجل إيجاد أجوبة على هواجس ومخاوف وأسئلة تطرح وتهدف إلى تحويل لبنان ساحة من أجل حروب الآخرين كما كان غسان تويني رحمه الله يقول، Des guerres pour les autres 
والأهم أنّ في لبنان رئيسًا استثنائيًّا قادرًا على قراءة المحطات في ذروة لحظاتها والعمل على احتوائها والخلوص إلى مقاومتها طالما في لبنان إرادة حرة بالبقاء والمقاومة وبناء الدولة الحرّة والعادلة.

شارك الخبر على