أسامة خليل يكتب دولة الرئيس ودولة الوزير وبينهما الخطيب.. تحيا مصر

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

مخطئ من يظن أن ارتباط أي نظام سياسي بالكرة ونجومها، أو الرياضة وشعبيتها، سيزيد من اقتناع الناس أو ارتباطهم به أو حتى سيكون عاملا مرجحا لنجاحه، وقد أثبتت التجربة العملية صدق ما أقوله، فالرئيس مبارك، والذي حاول أن يربط نفسه في سنوات حكمه الأخيرة بإنجازات المنتخب الوطني وفوزه بثلاث بطولات لكأس الأمم الإفريقية وكان نجلاه (علاء وجمال) يشرفان بشكل مباشر على المنتخب الوطني، ويوجدان بشكل دائم في صور الفرحة، داخل غرف ملابس اللاعبين وفي حفلات التتويج، الرئيس وأبناؤه لم تشفع لهم الإنجازات الرياضية عند الناس، فالشعبية الحقيقية للنظام السياسي وقائده تأتي من قدرته على تحقيق مطالب القطاع الأكبر من شعبه في شئونه الحياتية ومنحه الأمل في مستقبل أفضل. 

ولكن ليس معنى أن يرفع النظام السياسي يده ويترفع عن أخطاء سابقه في ملاحقة إنجازات الكرة التي غالبا ما نحرزها بالصدفة، أن يترك الرياضة.. بل نجاحه الحقيقي الذي يحسب له -وهو يؤسس لدولة متحضرة- أن يضع النظام ويوفر الظروف والإمكانيات التي تفرز أبطالا يخرجون من عمل منظم وليس بيئة عشوائية، كما هو الحال الآن، وبدلا من أن يصوغ وزير الشباب والرياضة -والذي أوكل إليه الرئيس والحكومة ذلك- قانونا ولوائح تعدل المسار وتصلح الواقع وتضع تصور المستقبل بما يضمن لنا ممارسة حقيقية للرياضة وإفرازا منطقيا وعلميا لأبطال أوليمبيين، جاء القانون ولائحته الاسترشادية لتنظم العشوائية وتصبح هي الصيغة الحاكمة في الإدارة الرياضية.

وقبل أن أستفيض في كيف أن القانون ينظم العشوائية ولا يحقق طموح دولة تعيد بناء مؤسساتها وتنفض عن نفسها فساد سنوات في أغلب مناحي إداراتها، علينا أن نلتمس العذر للوزير لأنه مهما كانت إمكانياته وقدراته وذكاؤه فإنه وحده لا يقدر على وضع صياغة مستقبل الرياضة والشباب. لذا جاء القانون أو النظام يحمل وجهة نظر أحادية وشخصية بحتة، تحولت -عند التطبيق على الأرض- إلى صراع شخصي عقيم بين الوزير ومن ينتقد أو يعارض الأخطاء التي وردت في القانون، ثم يحول الوزير الخلاف مع منتقديه إلى خلاف مع الدولة وليس خلافا على أخطائه. 

أولا: لا يخفى على القاصي والداني أن المؤسسات الرياضية الأهلية (الأندية والاتحادات) ضعيفة وهشه وجميعها -باستثناء الأهلي والزمالك واتحاد الكرة- يعتمد بشكل شبه كامل على الدولة في مواردها المالية. فاتحاد السلة أو اليد أو الطائرة أو أي اتحاد آخر لا يملك أن يشارك في بطولة دولية أو قارية أو ودية دون الدعم المباشر من خزينة الدولة والتي من المفترض أنها تأتي من موارد هذا الشعب، والذي أوكل للسيد الرئيس والحكومة أن يصرفاها.

ولكن وزير الشباب والرياضة جاء ليتنازل عن هذا التفويض للجنة الأوليمبية المصرية، بمعنى أوضح أن الدولة تحولت إلى خزينة تسحب منها اللجنة الأوليمبية لتصرف "بمعرفتها" ووفقا لتصورها. وإذا عدنا إلى ما سبق من أن المؤسسة الأوليمبية هشة وضعيفة وتتحكم فيها الأهواء الشخصية والصراعات الانتخابية؛ فرئيس اللجنة أو أعضاؤها لن يتعاطفوا أو ينحازوا للعبة لم يصوت رئيسها لهم في الانتخابات حتى ولو كانت ستحقق ميدالية أوليمبية أو بطولة قارية، وظني أن الصراعات الكثيرة التي نسمع عنها اليومين الماضيين بين اللجنة الأوليمبية والأندية والاتحادات تكشف حجم الكارثة المقبلة عليها الرياضة، عندما تسلم وزارة الشباب والرياضة مفتاح الخزينة للجنة الأوليمبية.

ثانيا: من البديهي أن أي نظام لا يوجد به رقابة ومحاسبة وعقاب هو نظام مصيره إلى الفشل و(قانون عبد العزيز) أعطى الحرية الكاملة للجنة الأوليمبية للتصرف في شئون الرياضة واقتصادياتها وتوزيع الحصص المالية بين الاتحادات، ولم ينص على عقاب في حالة الفشل، ومن هنا فإن أموال الدولة ستهدر ولن نجد وزيرا أو مسئولا أو غفيرا نحاسبه. 

ثالثا: حتى تتخيلوا معي حجم المهزلة الرياضية والأزمة التي نعيشها فإن اللجنة الأوليمبية التي ألقي إليها قانون عبد العزيز المسئولية، أقرت لائحة استرشادية للأندية والاتحادات لا تعرف عنها اللجنة شيئا ولم تشارك في صياغتها.. وهذا ليس كلامي، بل كلام أربعة من أعضاء مجلس إدارة اللجنة الأوليمبية خرجوا -عندما اختلفوا مع رئيس اللجنة- ليعلنوا أن اللائحة المثار حولها الجدل جاءتهم من الوزير فأقروها بعد ساعة من وصولها.. فهل هكذا يصاغ مستقبل مصر الرياضي؟!

المضحك المبكي أن حمادة المصري، عضو اللجنة وأول من كشف الفضيحة، قرر رئيس اللجنة الأوليمبية إيقافه! ولماذا لا يفعل ذلك وقانون عبد العزيز أعطاه سلطة إدارية مطلقة وزاد عليها كارثة قانونية أخرى عندما أعطاه رئاسة لجنة تسوية المنازعات وحق تشكيلها.. تخيلوا! وهو أمر غريب لا يوجد في أي قانون وضعي أو إلهي أن يشكو المظلوم للظالم، ولكنه قانون عبد العزيز. 

رابعا: تسقط هيبة الدولة ونظامها السياسي عندما تضع رأسها برأس مؤسسة رياضية أو اقتصادية أو سياسية مهما كان حجمها ووزنها، فالنظام الناجح هو الذي يستوعب أدواته ومؤسساته ويدفعها للعمل.  

والوزير خالد عبد العزيز، وهو المسئول الأول عن الرياضة والشباب، قاده خلافه الشخصي إلى أن يضع مؤسسة الأهلي -أكبر مؤسسة رياضية في مصر والشرق الأوسط وإفريقيا- وجهًا لوجه مع الحكومة.. في أزمة أقل من أن توصف بأنها تافهة وبسيطة، وللأهلي فيها ألف حق قانوني وديمقراطي، ولكن غشاوة الغضب أعمت الوزير عن تقدير حجم المسئولية التي يتولاها والتكليف العظيم المكلف به من قبل النظام السياسي والتي كانت تقضي بأن يغلب المصلحة العامة على الخلاف الشخصي. 

وقبل يومين وقع برهان جديد يؤكد أن الوزير يدير معركة شخصية بحتة، حيث صرح رئيس اللجنة الأوليمبية بأن مجلس إدارة اللجنة أعطى للنادي الأهلي مهلة حتى نهاية أكتوبر للدعوة للانتخابات، وذلك حتى يعطي فرصة للجنة تسوية المنازعات للنظر في تظلم الأهلي، وهو ما يعني مد العملية الانتخابية إلى منتصف ديسمبر المقبل، أي بعد ١٥ يوما من المدة التي حددها القانون لتوفيق أوضاع المؤسسات الرياضية وإجراء الانتخابات. إلا أن هذا الكلام أفزع الوزير، والذي من المفترض -كما يدّعي- أنه ليس له ناقة ولا جمل، ولا يحق له التدخل وفقا للقانون الجديد. ولكنه خرج في برنامج إذاعي معلنا أن ١٥ أكتوبر هو الموعد النهائي لدعوة الأهلي إلى انتخاباته، وأنه لو لم يفعل ذلك فإنه يعتبر منحلا.. تخيلوا رئيس اللجنة الأوليمبية عندما فتح "نافذة" للتسوية خرج الوزير كي يغلقها، وهو ما يؤكد أن خلافه الشخصي طغى وأنه لا يجد بديلا عن الصدام. 

خامسا: أظن أن الوزير الذي قاد النظام السياسي والحكومة لهذا القانون الأعوج يسعى لأن يقحم الدولة في المعركة الانتخابية للنادي الأهلي، وهذا خطر أريد التنويه عنه، اللهم إلا إذا كانت الدولة تريد أن تغوص في هذا المستنقع الشائك (وهو أمر أراه من وجهة نظري مستبعدا) فالقصة لم تعد الآن خلافا على تطبيق لائحة أقرها ١٥ ألف عضو من الأهلي أو لائحة استرشادية وضعها الوزير، بل خطة وضعها الوزير للتدخل في انتخابات النادي عندما قدم محمود الخطيب، المرشح المحتمل لرئاسة الأهلي وأحد أقطاب النظام الرياضي القديم، لرئيس الجمهورية في مؤتمر الشباب بشرم الشيخ وكان هو النجم الوحيد والأوحد للمؤتمر، ثم عاد ليؤكد عليه باعتباره القدوة الشبابية في فيلم تسجيلي بمؤتمر الشباب بالإسكندرية. 

وأنا هنا لن أناقش: "لماذا اختيار الخطيب دون غيره ليكون القدوة وليس حسن شحاتة صاحب الإنجازات الكروية مع المنتخب؟ والخطيب ليس رمزا للشباب مثل محمد صلاح النجم اللامع في أوروبا والبطل الشعبي حاليا، فالخطيب بالفعل قدوة في أخلاقه وأدبه. ولكن هناك من شباب الرياضيين أصحاب أخلاق وأدب، بحيث يستحقون أن يقدموا في هذا الموضع دون إحراج النظام في مؤتمر للشباب.

ولكن السؤال: ما المعايير التي على أساسها نقدم القدوة للشباب؟ هل هي الموهبة وهي منحة خالصة من الله عز وجل ولا طاقة لأحد بالحصول عليها؟ أم الخلق والأدب؟ أم النجاح في مشروع وتحقيق إنجاز في ظروف صعبة؟ 

أذكر أنني وقتها تحدثت مع الوزير وسألته بشكل مباشر: "لماذا الخطيب دون الآخرين؟ وما المعايير؟ ولكن لم يأت بإجابة موضوعية... وإن كانت الذاكرة خانتني فأرجو أن يذكّرني... ولكني بتُّ الآن أجزم بأنه من اللحظة الأولى كان يريد أن يقدم محمود الخطيب خطوتين للدولة، حتى يكسب أرضا عند ترشحه لتدخل الدولة وأجهزتها طرفا... فكيف للقدوة أن تدخل انتخابات ناد وتخسر؟!

وعن نفسي لا أملك رفاهية الممانعة في أن تدخل الدولة أو الحكومة طرفا في تدعيم مرشح على حساب الآخر. فالرأي في النهاية للجمعية العمومية، فإن استجابت للضغوط فهذا شأنها، وهي من ستحاسب على فاتورة اختيارها، ولكن المؤسف والذي أراه أمرا غير عادل، أن يستخدم الوزير أدواته في تشويه الآخرين وأن يجند نفسه لمحاربة المهندس محمود طاهر، الذي تقول الحقيقة إن الله لم يمنحه موهبة كروية مثل التي منحها للخطيب، ولكنه عمل واجتهد بنزاهة وشرف ويدٍ نظيفة ونجح في أن يحقق للأهلي طفرة اقتصادية ومالية واستثمارية في وقت صعب وفي ظروف استثنائية تمر بها مصر.

وليس أدل على ذلك من أن الأهلي هو المؤسسة الرياضية الوحيدة التي سددت ضرائبها المتأخرة للدولة، ونجح في إدخال رأس مال عربي لرعاية النادي عندما انكمشت رؤوس الأموال المصرية، وبعد أن كان للأهلي فرعان صار له أربعة فروع من حر ماله ودون استثناء أو دعم من الدولة.. فهل تكون مكافأة الدولة لشخص يعمل متطوعا في مؤسسة أهلية وبيد نظيفة وطاهرة بعد سنوات من الفساد المالي والإداري أن يحاربه الوزير على هذا النحو؟! 

أخيرا: الوزير خالد عبد العزيز.. حسبنا الله ونعم الوكيل.

أرجوا أن تعودوا بالذاكرة إلى بطولة كأس الأمم الإفريقية عام ٢٠٠٦ أو بطولة كأس العالم للشباب عام ٢٠٠٩ وتتابعوا ما يحدث الآن في أزمة التذاكر. نفس التفاصيل الدقيقة والشكوى المريرة مع اختلاف في الأشخاص، فالنظام الكروي ما زال فاسدا والتذاكر سبوبة يتوارثها المسئولون الذين يقاومون ميكنة بيع التذاكر إلكترونيا، وهي نظام سهل وبسيط ويحقق العدالة وحسن التوزيع، بل إن فيه سيطرة أكبر على الجماهير التي تدخل المباراة حيث لا يحصل شخص على تذكرة إلا وقد وضع كل معلوماته الشخصية من واقع بطاقته الائتمانية، وبالتالي يكون لديك قاعدة بيانات بأسماء الحاضرين فردا فردا.

صدقوني.. مصر لن تتقدم طالما أن بقايا النظام القديم منتشرون في مؤسساتها ووزاراتها ويسحبونها للخلف كلما همت أن تتقدم للأمام.

إنها الدولة العميقة أو قل الدولة الفاسدة التي يراد لها أن تسود.

شارك الخبر على