الاتهامات الجديدة

أكثر من ٦ سنوات فى الشبيبة

إليزابيث دروعندما تناقلت وكالات الأنباء في الأسبوع الفائت الأخبار حول وثائق بعينها طلبها شخصيا روبرت مولر، المستشار الخاص الذي يتولى رئاسة التحقيق الفيدرالي في الدور الذي لعبته روسيا في انتخابات العام 2016 وما إذا كانت حملة دونالد ترامب تواطأت مع الكرملين، ارتعدت فرائص البيت الأبيض الذي يقطنه ترامب والذي كان عصبي المزاج بالفعل. تغطي الوثائق التي يُنتَظَر تسليمها بعض الأحداث المألوفة التي ربما تؤدي إلى اتهام ترامب بعرقلة سير العدالة، أو ربما تُظهِر أن حملته الانتخابية كانت، في أقل تقدير، مهتمة باللعب مع الروس.الواقع أن هذا الاتهام المحتمل، أو ربما حتى المرجح، سوف يكون مسوغا بفِعل الجهود العديدة التي يبذلها ترامب لعرقلة التحقيق. وبشكل خاص، طلب ترامب من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي أن يتحلى باللين والاعتدال في تحقيقاته في سلوك الجنرال المتقاعد مايكل فلين، مستشار الأمن القومي الاسبق الذي أقاله ترامب على مضض، ظاهريا لأنه كذب على نائب الرئيس مايك بِنس بشأن طبيعة مكالمات هاتفية دارت بعد الانتخابات مع السفير الروسي.وقد طمأن بِنس بعد ذلك البلاد مصرحا بأن فلين والسفير الروسي تبادلا ببساطة أحاديث خفيفة، مثل تهاني عيد الميلاد. والواقع أنهما ناقشا إمكانية قيام ترامب برفع العقوبات التي فرضها الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما على روسيا عقابا لها على تدخلها في الانتخابات. ومن المؤكد أن مولر يريد أن يعرف ما إذا كان ترامب على عِلم بمحادثات فلين أو وافق عليها.كما طلب ترامب من مسؤولين كبار في أجهزة الاستخبارات الأميركية أن يحاولوا إقناع كومي بالتساهل مع فلين. ومن الأمور الغامضة هنا لماذا كان ترامب حريصا إلى هذا الحد على حماية فلين. فهل يحمل فلين معلومات ربما تثير الشبهات حول الرئيس أو تعرضه للخطر؟ثم هناك القرار الذي اتخذه ترامب بإقالة كومي في مايو، وما أعقب ذلك من تصريحات مضللة من مساعدي البيت الأبيض حول سبب إقالته. لكن ترامب ثرثر بعد ذلك دون تفكير في مقابلة تلفزيونية قائلا إنه عندما قرر إقالة كومي كان في ذهنه آنئذ «مسألة روسيا هذه». وفي اليوم التالي، في اجتماع في المكتب البيضاوي، أخبر ترامب مسؤولين روس كبار بأن إقالة كومي خففت عنه «ضغوطا كبيرة».من المؤكد أنها ليست فكرة جيدة أن يقيل الرئيس محققه الخاص، كما تعلم ريتشارد نيكسون أثناء فضيحة ووترجيت. فبسبب إقالة كومي، تورط ترامب مع مولر، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأسبق في الإدارات الديمقراطية والجمهورية، والذي أشاد به الساسة في الحزبين بسبب استقامته.الواقع أن ترامب مجرد واحد من الأشخاص المعرضين لخطر توجيه اتهامات جنائية إليهم نتيجة للتحقيقات التي يديرها مولر. كما يركز مولر على أشخاص آخرين، ومنهم رئيس حملة ترامب السابق بول مانافورت، وجاريد كوشنر صِهر ترامب. يحتل كل من كوشنر وزوجته إيفانكا ترامب (التي يُقال إنها طِفلة الرئيس المفضلة)، مكتبا في البيت الأبيض، ويتولى كوشنر مجموعة واسعة إلى حد السخف من القضايا، من حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني إلى إعادة تنظيم الحكومة الفيدرالية.وقد استأجر مولر خبراء في الجرائم المالية ــ وهو تطور مشؤوم بالنسبة لأهداف أخرى لأصابع الاتهام. ففي حين يحقق مولر في أنشطة كوشنر أثناء الحملة الانتخابية، من المفهوم أيضا أنه يلقي نظرة فاحصة على أعمال كوشنر الهائلة في القطاع العقاري. فقبل بضع سنوات، اشترى كوشنر ووالده البناية الأغلى ثمنا في مدينة نيويورك والتي تحمل الرقم 666 في فيفث آفينو، الأمر الذي جعلهما مثقلين بالديون وعاجزين عن تمويل الرهن العقاري. وكان حرص جاريد كوشنر على تأمين المبالغ الضخمة المطلوبة للبقاء طافيا سببا في دفعه إلى البحث عن مقرضين أجانب، بما في ذلك مصرفي روسي مقرب من فلاديمير بوتن.من المعروف أيضا أن مولر يمارس الضغوط على مانافورت، عضو جماعات الضغط والمستشار السياسي الذي لا يخلو تاريخه من مساعدة حكام مستبدين. وكان أحد أسوأ زبائنه سمعة فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا والذي سارع بمجرد فوزه برئاسة أوكرانيا إلى سجن منافسته الرئيسية، رئيسة الوزراء السابقة، بتهم ملفقة.كما يدرس فريق مولر بعناية معاملات مانافورت التجارية ــ مشاريع في مختلف أنحاء العالَم، وديون، وأرصدة مخبأة في ملاذات ضريبية أجنبية، فضلا عن الاشتباه في غسل الأموال، وغير ذلك الكثير.وللضغط على مانافورت، شن مولر غارة قبل الفجر على منزله في شمال ولاية فيرجينيا، وأخبره أنه سيوجه إليه الاتهام ــ لحمله على الإدلاء بمعلومات عن ترامب. وعلى الرغم من إبعاد مانافورت عن حملة ترامب في أغسطس الفائت، في أعقاب نشر أخبار محرجة عن عمله في أوكرانيا، استمر ترامب، في مخالفة صريحة لنصيحة مساعديه، في التواصل مع مانافورت حتى الأشهر الأولى من رئاسته.كما كُشِف مؤخرا أن مانافورت، في العام 2016 عندما كان لا يزال رئيسا للحملة الانتخابية، عَرَض قيامه بإدارة جلسات إحاطة لمجموعة من أنصار حكم القِلة الروس حول الحملة الرئاسية. ومن المعروف أن رؤساء الحملات الانتخابية تحيط بهم عادة مشاغل أكبر من أن تسمح لهم بتولي مثل هذه المهمة.من الواضح أن مولر يحاول تضييق الخناق على كل من فلين ومانافورت. ولم يسلم ابن الرئيس، دونالد ترامب الابن من خطر فضيحة جسيمة.ويولي مولر أهمية خاصة لاجتماع عُقِد في برج ترامب في يونيو 2016، بين كبار المسؤولين في حملة ترامب ومحام روسي تربطه علاقات وثيقة بالكرملين، والذي عَرَض على دونالد الابن تشويه سمعة هيلاري كلينتون، وهو الاحتمال الذي أثار حماس ابن المرشح. (كتب دونالد الابن ردا على البريد الإلكتروني: «أحب هذا»). في مستهل الأمر، وَصَف دونالد الابن الاجتماع بأنه كان مناقشة حول تبني أطفال روس من قِبَل آباء أميركيين (والذي حظره الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في العام 2012). الواقع أن المناقشة دارت حول العقوبات وغير ذلك من الأمور التي تهم روسيا. ورغم أن كوشنر ودونالد الابن صرحا بأن الاجتماع لم يُفض إلى شيء، فلم يَثبُت ذلك.ومولر مهتم أيضا بدور ترامب، أثناء عودته من أوروبا على متن الطائرة الرئاسية، في صياغة البيان الذي ضلل عامة الناس مرة أخرى بشأن الأمور التي نوقشت في اجتماع برج ترامب مع الروس.على مدار أكثر من عام، كان ترامب حريصا على تأكيد عدم ارتباطه بأي مصالح تجارية في روسيا وعدم حصوله على أي قروض منها. ولكن تساهله الشديد في التعامل مع بوتن يظل محيرا. فمؤخرا، جرى الكشف عن محاولة من قِبَل شركة يملكها ترامب لبناء برج ترامب هائل في موسكو، وهو الجهد الذي استمر حتى بعد ترشحه للرئاسة، قبل أن يتخلى عنه بسبب نقص التصاريح والأرض.الواقع أن الاهتمام المكرس لتحقيق مولر في مسألة روسيا في واشنطن العاصمة يتضاءل ويتعاظم متأرجحا. ولكن التحقيق لن يتوقف قبل أن يشعر مولر بالارتياح إلى أنه يعرف كل ما يحتاج إل معرفته.تكتب بشكل منتظم لصالح مجلة مراجعة الكتب النقدية «نيويورك بريفيو أوف بوكس»، وهي مؤلفة كتاب «يوميات واشنطن: تقرير واترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون».

شارك الخبر على