قمة بوتين وأردوغان المربكة والمرتبكة
almost 8 years in التحرير
جاءت قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في أنقرة يوم 28 سبتمبر 2017 في توقيت مهم يدفع الجميع إلى الاهتمام بها.
وبالفعل، فقد حدد الكرملين أهداف هذه القمة ببحث ثلاث نقاط أساسية: الأزمة السورية، تداعيات استفتاء كردستان حول الاستقلال، العلاقات الثنائية.
كان من المتوقع أن تنتهي هذه القمة بتصريحات بين المعتدلة والساخنة نسبيا بدون تقديم أو طرح أي جديد أو تحديد أي مؤشرات في أي من الأزمتين المذكورتين (سوريا وكردستان). ولكن التصريحات جاءت أقل من معتدلة، أي تصريحات لا علاقة لها بالأزمتين، وإنما تدور حولهما في حذر. وهو ما اعتبره البعض أنها قمة استعراضية من جهة، وجس نبض من جهة أخرى، وإحكام أسنان كل طرف على إصبع الآخر.
ليس لدى الروس والأتراك ما يمكن أن يقدموه لبعضهما البعض في ظل الظروف الراهنة، وفي ظل اختلاف وجهات نظرهما ومواقفهما إزاء غالبية القضايا والأزمات، إن لم يكن كلها تقريبا، سوى التصريحات والفرقعات الإعلامية والسياسية، ولكن بحذر شديد أيضا. إذ إن لكل منهما حساباته المختلفة تماما، لكن المهم هنا هو أن الطرفين "يلعبان" على المكشوف: كل منهما يسلط عينا على الآخر، بينما العين الأخرى تراقب ردود أفعال الولايات المتحدة وأوروبا وحلف الناتو. وفي الوقت نفسه، ينتظر كل منهما أي إشارة من الأطراف السابقة لتحسين العلاقات أو الإعلان ولو حتى عن نوايا. وبالتالي جاءت تصريحات الرئيسين الروسي والتركي حول سوريا واستفتاء كردستان فضفاضة ومطاطة للغاية، ولا تعكس حقيقة الأوضاع على الأرض، وترفض الاعتراف بفشل ما تم إقراره في "أستانا 6".
على الرغم من إعلان روسيا عن النجاح "الخارق" لمشاورات أستانا الأخيرة، فقد أطلقت تحذيرات للمعارضة السورية المسلحة، بينما أطلق نظام الأسد تحذيرات لتركيا، مهددا إياها بحرب ضروس. وهو ما عكس خلافات شديدة الوطأة بين ما يسمى بالأطراف الراعية لأستانا (روسيا وتركيا وإيران)، وخلافات بين موسكو ونظام الأسد، واكتمال منطق انعدام الثقة بين روسيا والمعارضة السورية. ورغم كل ذلك أعلنت الدول الثلاث الراعية عن توافقها حول بيان إقامة المنطقة الرابعة لما يسمى بـ"تخفيف التوتر" في إدلب. بينما الصراع على دير الزور في قمته، وبينما نظام الأسد والقوات الروسية يحتفلان بتحرير دير الزور والعبور إلى شرق الفرات من أجل السيطرة على كامل الأراضي السورية. وفي الحقيقة، لم يكن أمام الدول الثلاث إلا إعلان التوافق الظاهري، لأنها –ثلاثتها– لا تملك حق الرفاهية بإعلان أي خلافات، فهي تحت المطرقة الأمريكية من جهة، وكل منها يعض على إصبع الآخر من جهة أخرى.
كان من المتوقع أن تكون إدلب هي العقبة الرئيسية، حتى وإن تم إنهاء مسألة دير الزور لصالح أي طرف من الأطراف. ومع عدم انتهاء الصراع على دير الزور، واشتعال أزمة إدلب، تكون الأمور أصبحت أكثر توترا، وبالتالي ليس غريبا أن تتبادل موسكو وواشنطن الاتهامات بقتل المدنيين السوريين، وليس غريبا أن تشتبك القوات الروسية وعناصر نظام الأسد مع قوات المعارضة، وليس غريبا أن يسقط المدنيون وغير المدنيين من جراء قصف جميع الأطراف. ولكن كل طرف يتاجر بأقصى ما يملك بأرواح المدنيين، حتى نظام الأسد نفسه يفعل ذلك وبشكل مثير للسخرية والأسى في آن واحد.
لم يستبعد أحد أن يكون الجزء المخفي من قمة بوتين – أردوغان، هو طلب الأول من الثاني تنشيط دوره في إدلب وإحكام قبضته على فصائل المعارضة التابعة له. ولم يستبعد أحد أيضا أن يكون بوتين قد أعطى أردوغان انطباعا بأن لدى روسيا بعض المفاتيح للتعامل مع تداعيات استفتاء كردستان. ولكن في واقع الأمر، لا يملك أي من الطرفين أي مفاتيح مؤثرة في هذين الوضعين، لأنهما ببساطة لا يتصرفان بمفرديهما في الأحداث الجارية، وهناك قوى لديها مفاتيح أكثر منهما إزاء أزمات المنطقة عموما، والأزمتان السورية والكردية على وجه الخصوص. كما أن تنازل أي منهما للآخر سيصب مباشرة في مصالح واشنطن، وهو ما لن يرضيهما أولا، ولن يرضي إيران ثانيا. وبطبيعة الحال، فبشار الأسد لا يعاني في كل هذه الأحوال من أي قلق أو توتر، إذ إن التناقضات والصراعات الموجودة توفر له كل عوامل الاستقرار والبقاء لأطول فترة ممكنة في الحكم.
لا توجد لدى روسيا أي مشكلات أو منغصات مع استفتاء كردستان وتداعياته. ومن الواضح أنها تنتظر ردود أفعال محددة من أطراف كبرى بعينها لكي تبدأ بصياغة موقفها وإعلانه. فكل التصريحات الروسية تنحصر في أن شركاتها في كردستان باقية بصرف النظر عن أي شيء، وأنها تدعو لوحدة أراضي العراق وسيادته، وتؤكد احترام التطلعات المشروعة للشعب الكردي! وأعتقد أن الموقف الأمريكي مشابه جدا للموقف الروسي. كل ما هنالك أن موسكو وواشنطن تتركان الساحة أولا لصراعات بالوكالة حول كردستان، وتسعى كل منهما للاستفادة من الورقة الكردية في جميع مراحلها حتى وإن تم إعلان الدولة. فالصراع حول كردستان سيخفف -من وجهة نظر روسيا- الضغط على نظام الأسد ويمكن أن يكون أداة جيدة للضغط على تركيا، والحفاظ على إيران في نفس وضعها الحالي دون أن تتوحش أو تبدأ بإظهار خلافاتها مع التكتيكات الروسية. ومن وجهة النظر الأمريكية ستكون هذه الورقة أداة ضغط مهمة على كل من تركيا وإيران ونظام الأسد.
في نهاية المطاف ستخضع إيران وتركيا لمعادلات روسيا والولايات المتحدة المتحدة بصرف النظر عن اتفاق القوتين الكبريين أو اختلافهما. والحديث عن حكومة العراق ومواقفها أمر سابق لأوانه، أو ربما يكون غير مهم، لأن بغداد ليس لديها أي أوراق أو أدوات إلا التصريحات الساخنة والفضفاضة والتهديد والوعيد. وكل ما تستطيعه هذه الدول (إيران وتركيا والعراق) هو استقطاب مجموعات وتيارات كردية لتحارب بعضها البعض، ولتدخل المنطقة في دوامة عنف وقتل جديدة. وربما هذا هو الأقرب إلى الواقع على الأقل في المديين القريب والمتوسط. وقد يروق ذلك لروسيا والولايات المتحدة، لأن كلا منهما سوف تستثمره جيدا في ملفات ذات علاقة أو في ملفات عالقة بينهما في مناطق أخرى.
القمة الروسية – التركية كانت أقرب إلى استعراض العضلات، وإعطاء انطباع للجميع، وبالذات الولايات المتحدة، بأن موسكو وأنقرة على طريق التقدم ووضع أواصر العلاقات الاستراتيجية. ومن جهة أخري، اختبار كل طرف للآخر بأنه لا يزال ولو حتى متمسكا ببعض مواقفه لأنهما يواجهان: "عدوا واحدا". ولكن الأوضاع على الأرض في سوريا تظهر عكس كل ذلك تماما، وتشير إلى موجة عنف غير عادية من قصف وتفجيرات وقتل وإراقة دماء. ولا يمكن أن نتجاهل أن نظام الأسد منذ الجولة الأخيرة غير راضٍ عن قرارات روسيا، بينما الصمت الإيراني لا يعكس إطلاقا رضا طهران، بل على العكس تماما، أي أن هناك أطرافا مستفيدة بشكل مباشر من استمرار الأوضاع في سوريا على ما هي عليه، وهو ما ينسحب أيضا على تركيا وروسيا والولايات المتحدة، بصرف النظر عن التصريحات الشكلية بضرورة الاصطفاف من أجل مكافحة الإرهاب، وأهمية الحوار السياسي لتسوية الأزمة، وإنقاذ السكان المدنيين، وإعمار البنية التحية، وعودة اللاجئين والنازحين.. كل تلك التصريحات تبدو ساذجة، ومادة دسمة للإعلام الروسي الدعائي وإعلام بشار الأسد صاحب نظرية الصمود والتصدي، بينما القصف والتفجيرات والقتل تتواصل.