في مهرجان الشيخ زايد.. «الحرف البحرية» شاهدة على مهارة الأجداد
over 2 years in الإتحاد
لكبيرة التونسي (أبوظبي)
كان اهتمام أهل الساحل منصبّاً على الأعمال البحرية، سواء أكانت أعمال غوص للبحث عن اللؤلؤ، أم صيد الأسماك، أم ممارسة الحرف البحرية ضمن العادات والتقاليد الأصيلة، ضمن مشهدية حية ينقلها مهرجان الشيخ زايد بمنطقة الوثبة في أبوظبي إلى الزوار، وذلك عبر «القرية التراثية» التي تتوسط المهرجان وتشكل قلبه النابض، حيث تُعرض صور حية من الحياة البحرية قديماً. ارتبط البحر بالعديد من تفاصيل حياة المجتمع في الإمارات قديماً، وكان له دور مهم ومباشر على الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والإنساني، عاكساً طريقة عيشهم، من خلال تفاصيل ينقلها الحرفيون بالمهرجان عبر ورش مفتوحة، يتعلم فيها الكبار والصغار حرف الأجداد التي لم تخل من جهد وتعب، أو للاطلاع على ممارسة هذه الحرف التي كانت مصدر رزق متغلبة على أهوال البحر ومخاطره، كفلق المحار وصناعة «السفن» و«القراقير» وصناعة «الألياخ» وغيرها. يقول فهد محمد عيسى آل علي، إن الصناعات البحرية قديماً كانت صديقة للبيئة، مستغلة كل ما يوجد في الطبيعة، حيث كان «القرقور» الخاص بصيد الأسماك يُصنع من النخلة، أيضاً كانت صناعة القوارب قديماً تعتمد على جذوع سعف النخيل مع توثيقها بالحبال، موضحاً أن لكل قارب في ذلك الوقت استخداماً معيناً، فـ«البوم» أي القارب الكبير، كان مخصصاً للسفر والتجارة، بينما قارب «الصمعة» كان مخصصاً لأغراض الغوص والصيد، وكذلك «الجالبوت»، أما «الماشوه» فهو قارب مخصص لجلب المقتنيات من «البوم»، فيما يستخدم «البتيل» للتجارة والتنقل البعيد، و«البغلة» للسفر، ويشير إلى أن صيد السمك كان يتم بأدوات مختلفة، منها «القرقور» وهو عبارة عن قفص كان يصنع من سعف النخيل، وهناك أيضاً «الغزل» أو «الشبك»، وكانت تصنع من خيوط الكتان التي كانت تأتي من الهند أو مصر، والآن أصبحت تصنع من خيوط النايلون، بينما كانت هناك وسائل تستخدم للصيد على الشاطئ خلال فترة الجزر، باستخدام شبكة الصيد المصنوعة من النخلة أيضاً بمقاسات مختلفة، سواء لصيد السمك الصغير أو الكبير الحجم.
«فلق المحار»ويتيح المهرجان الفرصة لزواره للتعرف على التقاليد والعادات البحرية المتأصلة، بهدف رفع مستوى الوعي بالممارسات البحرية والتراث البحري والاحتفاء بالتاريخ الأصيل، واستدامة الموروث ونقله للأجيال والمحافظة عليه، إلى جانب احتفائه بالعادات والتقاليد التاريخية والتراثية لمجتمع البحارة وممارسي المهن المرتبطة بحياة البحر، وفي مشهدية حية يتفاعل الزوار مع تفاصيل حياة الأولين الذين كان البحر يشكل مصدر رزقهم، حيث يقول النوخذة أحمد محمد الحمادي، الذي يجلس يمارس مهنة فلق المحار لتعريف الزوار والأجيال الجديدة بهذه المهنة، التي طالما عمل بها الآباء والأجداد، إنه سعيد بنقل خبراته وقصص البحر إلى الجمهور من مختلف الجنسيات والشغوفين بالتراث، والرد على استفساراتهم، موضحاً أن الحياة قديماً كانت لا تخلو من الصعوبات، وكان يعتبر كل من يرتاد البحر بطلاً، لما كان يتطلبه من جهد وقوة وصبر، وما يقوم به في المهرجان هو تمثيل مشاهد من الماضي، موضحاً أن هذه مهنة «فلق المحار» تتطلب العديد من الأدوات، منها «المفلقة» وهو سكين معكوفة النصل، ذات مقبض خشبي وصُممت خصيصاً لفلق المحار، وسميت كذلك لأنها تفلق المحارة فلقتين، ثم يشرع الفالق لها بالبحث عمّا في داخلها، موضحاً أن هذه المهنة ارتبطت بالناس العاديين، حيث إن بعضهم كانوا يشترون المحار من السوق، ويجلبونه إلى بيوتهم ليتولى أفراد المنزل ذكوراً وإناثاً عملية «فلق المحار» والبحث داخله عن اللؤلؤ، أما بحارة سفن الغوص فكانت فرحتهم كبيرة، عندما يمارسون «فلق المحار»، وكانوا ينتظرون بشغف نتيجة كدهم وجهدهم، وهو الفوز باللآلئ التي قد تغير مسار حياتهم.
«الطواشة»أحمد علي الحمادي، وضمن ورشته المفتوحة، يحرص على نقل حرفة «الطواشة» إلى الجمهور عبر أدواته الخاصة، مؤكداً أن هذه المهنة ارتبطت بشكل وثيق بالأجداد والبحر، ومن أهم أدواته «غربال» الذي يستخدم لفرز حبات اللؤلؤ، ويتوفر منها عدة أنواع لتعيين حبات اللؤلؤ، إضافة إلى ميزان نحاسي صغير الحجم مصنوع من رقائق النحاس، مزود بخيط من الحرير، وأوزانه مصنوعة من معادن خفيفة، ويتألف من نوعين، الأول لسعة مثقالين اثنين، والثاني لسعة 10 مثاقيل، كما يستخدم «الناظور» الذي يتكوّن من عدستين مكبرتين، و«البكر» الذي يستخدم لكسر بقايا المحار العالق بحبات اللؤلؤ، إضافة إلى المغرفة التي تصنع عادة من النحاس، وكل ذلك يوضع في صندوق خاص يطلق عليه اسم «الدستة»، ويُعتبر كتاب أوزان اللؤلؤ من أهم أدوات الطواش التي يعتمد عليها في حساب الوزن، موضحاً أن هذه الحرفة كان يحظى أهلها باحترام وتقدير المجتمع، لاسيما أن من كان يمارسها يتطلب مهارة عالية وسرعة بديهة.
صناعة «الديين»يمارس أحمد عبدالله الحمادي صناعة «الديين»، وهو عبارة عن سلة مشبكة مصنوعة من حبال الكمبار أو القطن، وبها عقلة يضعها الغواص في عنقه ليجمع فيها المحار أثناء الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، كما يعمل الحرفي كذلك على تقديم شرح تفصيلي لزوار المهرجان عن رحلة الغوص والأدوات كافة التي كانت تستعمل أثناء نزول الغواص إلى قاع البحر، واضعاً على أنفه «فطاماً» وهو يشبه الملقاط ليمنع دخول الماء إلى الأنف، وعند نزوله إلى القاع يربط حصاة في إحدى قدميه، وهي عبارة عن حجر أو رصاص يتراوح وزنه من 10 إلى 14 رطلاً لتسرع عملية نزوله إلى القاع، فإذا وصل نزعها من رجله فيسحبها السيب بوساطة الحبل المسمى «الديين». ويواصل الحمادي شرحه ولا يتوانى في حكي قصص البحر المرتبطة بعالم الغوص وما كابده الأجداد من تعب في السفر وفي حلهم وترحالهم.