محمود المردي... قطب الصحافة البحرينية والقلم الذي لن يجف حبره

أكثر من سنتين فى البلاد

ضمن‭ ‬فعاليات‭ ‬الموسم‭ ‬الجديد‭ ‬لمركز‭ ‬كانو‭ ‬الثقافي،‭ ‬أقيمت‭ ‬يوم‭ ‬أمس‭ ‬الأول‭ ‬ندوة‭ ‬بعنوان‭ ‬“محمود‭ ‬المردي‭.. ‬قطب‭ ‬الصحافة‭ ‬البحرينية”،‭ ‬تحدث‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬“البلاد”‭ ‬مؤنس‭ ‬المردي،‭ ‬والصحافية‭ ‬سميرة‭ ‬رجب،‭ ‬وأدارها‭ ‬الشاعر‭ ‬علي‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬وحضرها‭ ‬جمهور‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭.‬

وفي‭ ‬مستهل‭ ‬الندوة‭ ‬قالت‭ ‬سميرة‭ ‬رجب‭ ‬في‭ ‬ورقتها‭: ‬إنني‭ ‬لست‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الصحافي‭ ‬الكبير‭ ‬الأستاذ‭ ‬المرحوم‭ ‬محمود‭ ‬المردي،‭ ‬وإنما‭ ‬أقدم‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬أوفي‭ ‬الرجل‭ ‬حقه‭ ‬كعلم‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الصحافة‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬بلادي،‭ ‬كما‭ ‬وجدتها‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬لعرض‭ ‬مقاربة‭ ‬موجزة‭ ‬بين‭ ‬الصحافة‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬روادها‭ ‬الأوائل،‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬بعد‭ ‬عبدالله‭ ‬الزايد،‭ ‬وبين‭ ‬الصحافة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬وبعكس‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬أوجز‭ ‬هنا،‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ورقتي‭ ‬هذه،‭ ‬خلاصة‭ ‬ما‭ ‬توصلت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬بحثي،‭ ‬والتي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬قد‭ ‬حفر‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الصحافة‭ ‬البحرينية‭ ‬والعربية‭ ‬الحديثة‭ ‬بجدارة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬رجلا‭ ‬مثقفا‭ ‬مناضلا،‭ ‬شغوفا‭ ‬بالصحافة،‭ ‬مثابرا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تشييد‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬الإعلامي‭ ‬الأهم‭ ‬الذي‭ ‬نجني‭ ‬ثماره‭ ‬اليوم‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬المتغيرات،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المدخل‭ ‬صار‭ ‬له‭ ‬علينا‭ ‬نحن‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬حق‭ ‬وواجب،‭ ‬بأن‭ ‬نبرز‭ ‬اسمه‭ ‬ونوثق‭ ‬ذكراه‭ ‬وأعماله‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬تاريخنا‭ ‬البحريني‭ ‬والعربي‭. ‬وهنا‭ ‬أثني‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬عبدالله‭ ‬المدني‭ ‬عندما‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬لقب‭ ‬“ملك‭ ‬الصحافة‭ ‬البحرينية”،‭ ‬الذي‭ ‬يستحقه‭ ‬بجدارة‭.‬

وأضافت‭ ‬رجب‭ ‬“حاولت‭ ‬أن‭ ‬أوثق‭ ‬بعض‭ ‬المعلومات‭ ‬بشأن‭ ‬المردي‭ ‬من‭ ‬أحاديث‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬معاصريه،‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيله‭ ‬أو‭ ‬زملائه‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬ذلك‭ ‬الجيل‭ ‬البحريني‭ ‬المتحفز‭ ‬والمتطلع‭ ‬للتقدم‭ ‬والمعرفة‭ ‬والبناء،‭ ‬فكان‭ ‬لي‭ ‬حديث‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬“أخبار‭ ‬الخليج”‭ ‬أنور‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬المثقف‭ ‬العصامي‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬المردي‭ ‬خلال‭ ‬آخر‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬رغم‭ ‬فارق‭ ‬السن‭ ‬بينهما،‭ ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬الرعاية‭ ‬المهنية‭ ‬كشاب‭ ‬يخطو‭ ‬خطواته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الصحافة،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬النقاش‭ ‬والجدال‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الثقافي‭ ‬والصحافي‭. ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬سمعت‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬أن‭: ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬خلق‭ ‬ليكون‭ ‬صحافيا،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬دقيقة‭ ‬للتعريف‭ ‬بصديقه،‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬شغوفًا‭ ‬بالصحافة،‭ ‬ذا‭ ‬ثقافة‭ ‬معرفية‭ ‬واسعة،‭ ‬محبًا‭ ‬للاطلاع‭ ‬والقراءة‭ ‬والجدال‭ ‬والحوار،‭ ‬مستمعًا‭ ‬جيدًا،‭ ‬لا‭ ‬يتجاهل‭ ‬أصغر‭ ‬المتحاورين‭ ‬معه‭. ‬

وزادت‭ ‬“من‭ ‬هنا‭ ‬تعرفت‭ ‬على‭ ‬المردي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أهم‭ ‬عناصر‭ ‬الشخصية،‭ ‬التي‭ ‬دعمت‭ ‬عزيمته‭ ‬القوية‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬لتشييد‭ ‬الصرح‭ ‬الصحافي‭ ‬الذي‭ ‬يطمح‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬أصعب‭ ‬الفترات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬بالإدارة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الصارمة،‭ ‬وقمعها‭ ‬لجميع‭ ‬منافذ‭ ‬الوعي‭ ‬والمعرفة‭ ‬والصحافة‭ ‬أمام‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬بهدف‭ ‬تكريس‭ ‬الأمية‭ ‬والجهل‭ ‬والتخلف؛‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬سياسات‭ ‬الاستعمار‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭. ‬إذًا‭ ‬ولد‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬ليكون‭ ‬صحافيًا،‭ ‬كما‭ ‬يصفه‭ ‬أنور‭ ‬عبدالرحمن،‭ ‬لذلك‭ ‬أصبح‭ (‬ملك‭ ‬الصحافة‭) ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬الأستاذ‭ ‬المدني‭ ‬قائلا‭: ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬بعثها‭ (‬أي‭ ‬الصحافة‭) ‬من‭ ‬الجمود‭ ‬والنسيان‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬لأنه‭ ‬امتلك‭ ‬شجاعة‭ ‬خوض‭ ‬تجربة‭ ‬كان‭ ‬يعلم‭ ‬مسبقا‭ ‬أنها‭ ‬محفوفة‭ ‬بالمخاطر،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬كانت‭ ‬آنذاك‭ ‬مرتبطة‭ ‬بمعاهدات‭ ‬الحماية‭ ‬البريطانية‭ ‬المقيدة‭ ‬لحرية‭ ‬الرأي”‭. ‬

بعدها‭ ‬استعرضت‭ ‬رجب‭ ‬تجارب‭ ‬المردي‭ ‬مع‭ ‬الصحافة‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬صوت‭ ‬البحرين‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬صحيفة‭ ‬القافلة‭ ‬مرورا‭ ‬بالوطن‭ ‬والشعلة‭ ‬والأضواء‭ ‬الأسبوعية‭ ‬وأضواء‭ ‬الخليج‭ ‬اليومية‭ ‬وأخبار‭ ‬الخليج‭ ‬والجلف‭ ‬ديلي‭ ‬نيوز،‭ ‬موضحة‭ ‬أن‭ ‬تجربة‭ ‬الأضواء‭ ‬الناجحة‭ ‬كانت‭ ‬مؤشرا‭ ‬واضحا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬شخصيته‭ ‬وما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬نضج‭ ‬فكري،‭ ‬بعد‭ ‬صراعات‭ ‬عديدة‭ ‬استمرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬جميعا‭ ‬مهزوما،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬خاسرا‭. ‬هزم‭ ‬ليبقي‭ ‬على‭ ‬صحيفة‭ ‬واحدة‭ ‬تعمل‭ ‬وتدار‭ ‬بإرادة‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬إرادة‭ ‬الدولة‭ ‬وسياستها‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬قال‭ ‬ابنه‭ ‬مؤنس‭ ‬المردي‭ ‬“عندما‭ ‬نغوص‭ ‬في‭ ‬أغوار‭ ‬فكر‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬هي‭ ‬عشقه‭ ‬الأبدي،‭ ‬فكان‭ ‬يعشق‭ ‬الخوض‭ ‬فيها‭ ‬وفي‭ ‬دهاليز‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬المتعبة‭ ‬المليئة‭ ‬بالألغام،‭ ‬وامتدت‭ ‬مسيرته‭ ‬معها‭ ‬عبر‭ ‬3‭ ‬عقود‭ ‬متتالية‭ ‬من‭ ‬خمسينات‭ ‬حتى‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وكان‭ ‬همه‭ ‬الأساسي‭ ‬وهدفه‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬إصدار‭ ‬صحف‭ ‬محلية،‭ ‬وضحى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يملك‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬وجهد‭ ‬ووقت‭ ‬خدمة‭ ‬لوطنه،‭ ‬وكان‭ ‬يدرك‭ ‬صعوبة‭ ‬الظرف‭ ‬التاريخي‭ ‬لاسيما‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ارتباط‭ ‬البحرين‭ ‬بمعاهدات‭ ‬الحماية‭ ‬البريطانية‭ ‬المقيدة‭ ‬لحرية‭ ‬الرأي،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بها‭ ‬صحف‭ ‬يومية‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ونجح‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يسعى‭ ‬إليه‭ ‬وعمل‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬واجهه‭ ‬من‭ ‬متاعب‭ ‬ومشكلات‭ ‬جمة‭ ‬لم‭ ‬تضعف‭ ‬عزيمته،‭ ‬بل‭ ‬قوت‭ ‬إرادته‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬لحلمه‭ ‬بإصدار‭ ‬صحيفة‭ ‬يومية‭ ‬بعد‭ ‬صبر‭ ‬وعناء‭ ‬ومشوار‭ ‬مليء‭ ‬بدروس‭ ‬في‭ ‬الصبر‭ ‬والكفاح”‭. ‬

وتابع‭ ‬المردي‭ ‬“بدأ‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬بلاط‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالة‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬العام‭ ‬1950‭ ‬عندما‭ ‬أسس‭ ‬مجلة‭ (‬صوت‭ ‬البحرين‭)‬،‭ ‬وشغل‭ ‬منصب‭ ‬سكرتير‭ ‬التحرير،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬أو‭ ‬المغامرة‭ ‬الأولى‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬بالصحافة‭ ‬واستمرت‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬1954‭ ‬عندما‭ ‬أوقفها‭ ‬الإنجليز،‭ ‬وعنها‭ ‬كتب‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬صوت‭ ‬البحرين‭ ‬كلمة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ (‬هذه‭ ‬مجلة‭) ‬والتي‭ ‬اعتبرها‭ ‬كثيرون‭ ‬أهم‭ ‬وثيقة‭ ‬تشرح‭ ‬تحول‭ ‬فكرة‭ ‬إصدار‭ ‬المجلة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬وصعوبات‭ ‬الطباعة‭ ‬والنشر‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬المجلة”‭. ‬

واقتبس‭ ‬المردي‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬والده‭ ‬آنذاك‭ ‬بالقول‭ ‬“كانت‭ ‬مجرد‭ ‬فكرة‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭.. ‬فكرة‭ ‬تداعب‭ ‬أحلامنا‭ ‬منذ‭ ‬أمد‭ ‬طويل‭. ‬وكنا‭ ‬خمسة‭: ‬حسن‭ ‬جواد‭ ‬الجشي،‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬سعد‭ ‬الشملان،‭ ‬علي‭ ‬التاجر،‭ ‬وعبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الباكر،‭ ‬نتجاذب‭ ‬أطراف‭ ‬الحديث،‭ ‬بل‭ ‬الأماني‭ ‬العذاب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتوافر‭ ‬لنا‭ ‬وسيلة‭ ‬لتحقيقها‭. ‬تعاهدنا‭ ‬أن‭ ‬نبذل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعنا‭ ‬لتحقيقها،‭ ‬ووزعنا‭ ‬اختصاصات‭ ‬هذا‭ ‬المجهود‭ ‬فيما‭ ‬بيننا‭. ‬وإذا‭ ‬براعينا‭ ‬الأمير‭ ‬سمو‭ ‬الحاكم‭ ‬المعظم‭ ‬صاحب‭ ‬العظمة‭ ‬الشيخ‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬يبارك‭ ‬الخطوة‭ ‬ويعد‭ ‬بتقديم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يلزمنا‭ ‬من‭ ‬عون‭ ‬وتشجيع‭. ‬وإذا‭ ‬الشباب‭ ‬يلهجون‭ ‬بالمشروع‭ ‬وقد‭ ‬لمعت‭ ‬أعينهم‭ ‬حماسًا‭ ‬وقلوبهم‭ ‬إيمانًا‭ ‬بحاجتنا‭ ‬المسيسة‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬البحرين”‭. ‬

ثم‭ ‬تحدث‭ ‬المردي‭ ‬عن‭ ‬المغامرة‭ ‬الصحافية‭ ‬الثانية‭ ‬لوالده‭ ‬قائلا‭ ‬إنها‭ ‬“كانت‭ ‬تتمثل‭ ‬بجريدة‭ (‬القافلة‭) ‬العام‭ ‬1952‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬رغبته‭ ‬بإصدار‭ ‬جريدة‭ ‬تهتم‭ ‬بهموم‭ ‬المواطن‭ ‬وتقوم‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الأخبار‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية،‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬الافتتاحية‭ ‬وذكر‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬رسالة‭ ‬جريدة‭ ‬القافلة‭ ‬هي‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬وضرورة‭ ‬التضامن‭ ‬والتكاتف‭ ‬وخلق‭ ‬الوعي‭ ‬والضرب‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬العابثين‭ ‬بالوحدة‭ ‬وتبيان‭ ‬دور‭ ‬الوطن‭ ‬ودوره‭ ‬الحضاري‭.‬

هذه‭ ‬الجريدة‭ ‬قد‭ ‬أنشئت‭ ‬لتكون‭ ‬منبرًا‭ ‬حرًا‭ ‬لآرائهم‭. ‬ولسنا‭ ‬نقتصر‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬لقارئنا‭ ‬البحريني‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تتعداه‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬قرائنا‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬فما‭ ‬نحن‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬حلقة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬متصلة،‭ ‬مترابطة‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مجموعها”‭. ‬

وتابع‭ ‬المردي‭ ‬“بالعام‭ ‬1954‭ ‬تم‭ ‬إيقاف‭ ‬جريدة‭ ‬القافلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سلطة‭ ‬الحماية‭ ‬البريطانية؛‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تكتبه‭ ‬عن‭ ‬الوجود‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬ييأس‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬وأصدقاؤه،‭ ‬بل‭ ‬دفعهم‭ ‬هذا‭ ‬المنع‭ ‬لإصدار‭ ‬جريدة‭ (‬الوطن‭) ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬العام‭ ‬1955،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1956‭ ‬تم‭ ‬إغلاقها‭ ‬بسبب‭ ‬مواقفها‭ ‬المؤيدة‭ ‬خصوصا‭ ‬لمصر‭ ‬وزعيمها‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬ومناهضته‭ ‬للإنجليز،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تنطفئ‭ ‬جذوة‭ ‬الصحافة‭ ‬والرسالة‭ ‬الصحافية‭ ‬لدى‭ ‬المردي،‭ ‬فالاستكانة‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬منفذًا‭ ‬في‭ ‬حماسه،‭ ‬فقام‭ ‬بإصدار‭ ‬جريدة‭ ‬باسم‭ (‬الشعلة‭) ‬العام‭ ‬1956‭ ‬وترأس‭ ‬تحريرها،‭ ‬وأيضا‭ ‬تم‭ ‬إغلاقها‭ ‬بسبب‭ ‬مقال‭ ‬كتبه،‭ ‬وثم‭ ‬أصدر‭ ‬الأضواء‭ ‬الأسبوعية‭ ‬العام‭ ‬1965‭ ‬وتوقفت‭ ‬عن‭ ‬الصدور‭ ‬العام‭ ‬1993،‭ ‬وهي‭ ‬باكورة‭ ‬العمل‭ ‬الصحافي‭ ‬المنتظم‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وتخرج‭ ‬منها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬اللامعة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الإعلام‭ ‬والصحافة،‭ ‬ورغم‭ ‬نجاح‭ ‬الأضواء‭ ‬فقد‭ ‬دخل‭ ‬المردي‭ ‬مغامرة‭ ‬جديدة‭ ‬العام‭ ‬1969‭ ‬وأصدر‭ ‬أول‭ ‬جريدة‭ ‬يومية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وذلك‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ (‬أضواء‭ ‬الخليج‭)‬،‭ ‬وتوقفت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬أبريل‭ ‬1970،‭ ‬بينما‭ ‬واصلت‭ ‬جريدة‭ ‬الأضواء‭ ‬الأسبوعية‭ ‬في‭ ‬الصدور”‭. ‬

وفي‭ ‬سياق‭ ‬متصل،‭ ‬أوضح‭ ‬المردي‭ ‬أن‭ ‬حلم‭ ‬والده‭ ‬لم‭ ‬يخب‭ ‬ولم‭ ‬يهدأ،‭ ‬بل‭ ‬وقد‭ ‬تحقق‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬1976م،‭ ‬بإصدار‭ ‬“أخبار‭ ‬الخليج”،‭ ‬لتكون‭ ‬أول‭ ‬جريدة‭ ‬يومية‭ ‬منتظمة‭ ‬الإصدار‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬دون‭ ‬انقطاع،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أصدر‭ ‬“جلف‭ ‬ديلي‭ ‬نيوز”‭ ‬العام‭ ‬1978،‭ ‬لتكون‭ ‬أول‭ ‬جريدة‭ ‬يومية‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬تصدر‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬وترأس‭ ‬تحريرها‭ ‬بجانب‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬والأضواء‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ ‬20‭ ‬أبريل‭ ‬1979‭.‬

واختتم‭ ‬المردي‭ ‬حديثه‭ ‬بأن‭ ‬والده‭ ‬وضع‭ ‬الصحافة‭ ‬البحرينية‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬الخليج‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬وذكر‭ ‬اهتماماته‭ ‬الأخرى‭ ‬كالمسرح‭ ‬والثقافة‭ ‬والأدب‭ ‬وعشقه‭ ‬لرحلات‭ ‬الصيد‭.‬

تلى‭ ‬ذلك‭ ‬مداخلات‭ ‬الحضور‭ ‬وفيما‭ ‬يلي‭ ‬أبرزها‭:‬

منصور‭ ‬سرحان‭: ‬هذه‭ ‬الندوة‭ ‬تذكرني‭ ‬بالعام‭ ‬2002‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬مديرا‭ ‬لإدارة‭ ‬المكتبات‭ ‬العامة‭ ‬بوزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬جميع‭ ‬الصحف‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬الصحيفة‭ ‬الأولى‭ ‬لعبدالله‭ ‬الزايد‭ ‬لغاية‭ ‬صحافة‭ ‬الخمسينات‭ ‬والستينات‭ ‬وإلى‭ ‬العام‭ ‬2001‭. ‬وبذلك‭ ‬استطعنا‭ ‬تأسيس‭ ‬أرشيف‭ ‬الصحافة‭ ‬الوطنية،‭ ‬ولكن‭ ‬نقصنا‭ ‬عدد‭ ‬جريدة‭ ‬“الشعلة”،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬2018‭ ‬تم‭ ‬عرض‭ ‬هذه‭ ‬النسخة‭ ‬في‭ ‬مزاد‭ ‬واشتراها‭ ‬السيد‭ ‬مؤنس‭ ‬المردي‭. ‬

وطالب‭ ‬سرحان‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬دار‭ ‬“البلاد”‭ ‬برقمنة‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬النادر‭ ‬“العدد‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬من‭ ‬الشعلة”‭ ‬وحفظه‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬نشره‭ ‬على‭ ‬الموقع‭ ‬وطباعة‭ ‬صورة‭ ‬منه‭ ‬وتوزيعه‭ ‬لمرة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط؛‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والأدباء‭ ‬يسألون‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬النسخة‭ ‬النادرة،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬ستحظى‭ ‬بدراسات‭ ‬وبحوث‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬أكد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬دار‭ ‬“البلاد”‭ ‬عبدالنبي‭ ‬الشعلة،‭ ‬وردّا‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬سرحان،‭ ‬أنه‭ ‬بالفعل‭ ‬سيتم‭ ‬طباعة‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬العدد‭ ‬النادر‭ ‬من‭ ‬“الشعلة”‭ ‬ورقمنته‭ ‬وسيتم‭ ‬توزيعه‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬وفاة‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬المقبلة‭.‬

وأضاف‭ ‬الشعلة‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬فارق‭ ‬السن‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬علاقته‭ ‬كانت‭ ‬وطيدة‭ ‬معه‭ ‬عندما‭ ‬بدأ‭ ‬يكتب‭ ‬في‭ ‬الأضواء،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬عندما‭ ‬أسس‭ ‬وكالة‭ ‬للإعلان،‭ ‬وكانوا‭ ‬يجتمعون‭ ‬كنخبة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والمهتمين‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬يوسف‭ ‬زباري‭ ‬في‭ ‬البسيتين‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬المرحوم‭ ‬في‭ ‬سترة‭.‬

كان‭ ‬للمردي،‭ ‬حسب‭ ‬الشعلة،‭ ‬حضور‭ ‬قوي‭ ‬ومؤثر‭ ‬وكاريزما‭ ‬قوية‭ ‬وثقافة‭ ‬عميقة‭ ‬وحضور‭ ‬طاغ‭ ‬يعكس‭ ‬مرجعيته،‭ ‬وكان‭ ‬يعتبر‭ ‬رمزا‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬لديه‭ ‬هدف‭ ‬معين‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.‬

بدوره،‭ ‬وصف‭ ‬يوسف‭ ‬صلاح‭ ‬الدين،‭ ‬المردي‭ ‬بأنه‭ ‬شهيد‭ ‬الصحافة؛‭ ‬لأنه‭ ‬توفي‭ ‬والقلم‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬وبمكتبه،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬معجبا‭ ‬بأسلوب‭ ‬كتابته‭ ‬وتوصيل‭ ‬ونقل‭ ‬أفكار‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬المسؤولين،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الأضواء‭ ‬كانت‭ ‬بوتقة‭ ‬حضارية‭ ‬لشعب‭ ‬البحرين‭.‬

أما‭ ‬عدنان‭ ‬بومطيع‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بطريقة‭ ‬عملية‭ ‬للمردي‭ ‬والخروج‭ ‬بتوصيات‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬كتسمية‭ ‬شارع‭ ‬باسمه‭ ‬أو‭ ‬تخصيص‭ ‬جائزة‭ ‬نرد‭ ‬فيها‭ ‬الجميل‭ ‬لهذه‭ ‬الشخصية‭ ‬المؤثرة‭.‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬طالب‭ ‬الملحن‭ ‬أحمد‭ ‬سيف‭ ‬بضرورة‭ ‬إصدار‭ ‬كتاب‭ ‬عن‭ ‬سيرة‭ ‬المردي‭ ‬وإنجازاته‭ ‬ليكون‭ ‬مرجعا‭ ‬للأجيال‭.‬

شارك الخبر على