علي يوسف السعد يكتب أيام في إشبيلية

أكثر من سنة فى الإتحاد

حين تطأ قدماك إشبيلية لأول مرة، تتزاحم في قلبك كثير من المشاعر الآسرة، لقد أتيت إلى هذه المدينة محملاً بكم وافر من الانطباعات والشوق والشعر، أتيت والحنين متفجر في ذاتك، لمدينة عشقها العرب قديماً واستقروا بها ومنحوها خلوداً في ذاكرتهم، فلم تكن قصيدة أبو البقاء الرندي الشهيرة «لكل شيء إذا ما تم نقصان… فلا يغرُّ بطِيب العَيشِ إنسانُ» إلا رثاءً لتلك المدينة الجميلة التي زال عنها حكم العرب والمسلمين في منتصف القرن السابع الهجري، بعد قرون طوال كانت فيها إشبيلية عاصمة للثقافة والشعر والفن ومنارة للمعرفة ومثوى العلماء.على ضفتي نهر الوادي الكبير نشأت إشبيلية منذ ما يقرب من ألفي عام، يمنحها هذا النهر بضفافه الخضراء بُعداً حالماً رقراقاً، خاصة حينما تستضيفك هذه الضفاف عبر ممشاها الممتد لقضاء بعض الوقت أو ممارسة قليل من الرياضة، يأنس الجميع هنا بهذا النهر الذي يمتد بالمدينة واصلاً إياها بالمحيط الأطلسي، وأمام صفحته الممتدة ستأنس أنت أيضاً وستشعر حتماً بالارتياح.قصر المورق أو قصر الكازار الملكي، هو أقدم القصور الملكية في أوروبا التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم، يقع بالقرب من الوادي الكبير، حيث تحيط به جنان غناء ورافة على مساحة تصل لسبعة آلاف متر مربع، يجتمع لهذا القصر كثير من العبق التاريخي والامتياز المعماري، فقد كان في الأصل قلعةً للمسلمين، ثم جرى تحويله كقصر للحكم، حيث سكنه كثير من الملوك على مدى التاريخ، وترك كل واحد فيهم لمسته، لكن رغم ذلك لا يزال القصر محتفظاً بطرازه المعماري الأندلسي الرائع، عبر ما يتحلى به من فسيفساء أندلسية جميلة معروفة باسم الزليج، وزخارف ملونة متقنة، وعبارات عربية تتوزع على جدرانه في تناسق مبهر.إذا أردت الخروج من أسر المباني التاريخية قليلاً، فيمكنك الاستمتاع بالمشي على ضفاف النهر، حيث تتراص كثير من المطاعم المحلية، التي توفر لك تجربة طعام مختلفة تدمجك دمجاً مع ثقافة هذه المدينة وتكشف لك عن مذاق آخر لها، يمكنك تجربة أطباق مثل «البسطيلة والباهية وميغاس ألبوخارينياس»، وجميعها ذات أصول أندلسية وربما بغدادية عربية، نقلتها الحضارة الإسلامية قديماً إلى هناك مع تطويرات محلية لحقت بها.يقع في المدينة كذلك واحدة من أعرق حلبات مصارعة الثيران في إسبانيا، وهي ساحة إشبيلية التي يعود تاريخ إنشائها للقرن الثامن عشر، حيث يمكنك زيارتها وربما حضور بعض العروض ذات الزخم والإثارة.ينصح بزيارة إشبيلية في الشتاء وحتى شهر مايو تجنباً لصيفها القائظ، وبالطبع خلال وجودك في المدينة لا يجب أن تفوت زيارة كاتدرائية إشبيلية، فهي ثالث أكبر كنيسة في العالم، وبها دفن كريتسوفر كولومبوس، وهي مقامة في الأصل على أنقاض مسجد إشبيلية الكبير، والذي لم يتبق منه سوى مئذنته الشاهقة التي تحولت إلى برج للكنيسة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على