جلالة الملك.. جدلية الترابط بين المناخ واللجوء

أكثر من سنة فى الرأى

نتوقف في هذه المقالة مع كلمة جلالة الملك المفدى في قمة المناخ والتي فاجأت كثيرا من المراقبين من خلال الاحاطة الشاملة التي جعلت من التشخيص الملكي لهذه الظاهرة والتي تاخذ ابعادا عميقة لانها نتيجة طبيعية لتشوه تطور النظام الرأسمالي والتشكيك في انعكاس هذه الثورة الصناعية على البيئة والمناخ والتي تسارعت آثارها بشكل مباشر فاق توقعات كل علماء المناخ من خلال ما شهدناه من آثار كارثية قلبت المناخ رأسا على عقب وقد تأثرت كل دول العالم بالنتائج المباشرة لهذه الظاهرة ولم تستثن آثارها اي دولة في العالم فبدأ من ارتفاع حرا?ة اوروبا والفياضانات فيها والحرائق وصولا الى الجفاف الذي بات يضرب منطقة الشرق الاوسط ومنها الاردن الذي تأثر بشكل مباشر وخاصة الجفاف الذي بات يضرب مناخ دولتنا العتيدة وهو اثر بشكل مباشر على حصة الفرد من المياه والتي تناقصت بمستوى 80% كما اوضح جلالة الملك.

وقد تطرق جلالة الملك في هذا المؤتمر (cop-27)

الى ضرورة اطلاق دول العالم جملة من الاجراءات للتعامل مع التغير المناخي على مستوى جديد لتكون قادرة على احداث التغير الملموس وتحقيق النتائج بسرعة وفعالية كبيرتين وان هذا هو التزام اردني ايضا.

بعد ذلك نوه جلالة الملك بشكل موسع حول الواقع المناخي في الاردن والذي تأثر بشكل مباشر بهذه الظاهرة وبهذا التحول المناخي موضحا جلالته تراجع مستوى الهطول المطري الى النصف خلال العقود الخمسة الماضية واضاف جلالته التأثير على الاماكن الحضارية والتراثية في الاردن وخاصة تراجع منسوب مياه البحر الميت بمعدل سنوي ثلاثة اقدام وايضا تطرق جلالته الى تأثير هذه الظاهرة على دول الاقليم موضحا التراجعات المستدامة في مياه نهر الاردن ونهر النيل ونهري دجلة والفرات.

كل ذلك كان الاردن الاكثر تأثرا وخاصة في الموارد المائية والتي كما قال جلالة الملك ان درجات الحرارة المرتفعة وندرة المياه في الاردن ضغطت بشكل استثنائي على مواردنا المحدودة اصلا وتفاقم ذلك بفعل الازدياد غير الطبيعي في النمو السكاني الناجم عن التدفق الهائل للاجئين ولمعالجة هذه الازمة اطلق الاردن مبادرة (جدلية الترابط المناخي واللاجئين) والتي ترتكز على اعطاء اولوية في الدعم للدول المستضيفة للاجئين والتي تتحمل عبء التغير المناخي ولم يتوقف جلالة الملك المفدى في اطار التشخيص العام على اسباب واثار هذه الظاهرة فقط ?نما وضع امام المؤتمرين الية للتكيف المناخي من خلال مبادرة جدلية الترابط ووضع خارطة طريق ترتكز اولا على تحقيق التكامل الوثيق بين اجراءات التعامل مع التغير المناخي والتنمية الاقتصادية بحيث يعكس هذا النهج التكاملي الواقع الذي نعيشه واعطى مثالا جلالته على ان خطوات التشبيك بين دول الاقليم والتي انطلقت من الاستراتيجية الملكية للتشبيك الاقتصادي وهي تضم اضافة الى الاردن العراق ومصر وسوريا وهو ما يتطلب كما اضاف جلالته التعامل الوثيق على المستويين الاقليمي والدولي للاستفادة من الفرص والتشبيك بين الموارد والقدرات وكل?ذلك لا يعني ان الاردن خارج اطار الانغماس الكلي الشعبي والرسمي في محاربة ظاهرة التحول المناخي فالاردن حافل كما اوضح جلالة الملك بمشاريع ناجحة في مجال الاستجابة لاثار التغير المناخي وان الاردن حريص على ان يكون مركزا اقليميا للتنمية الخضراء فنحن نعمل بالشراكة مع مصر والعراق والامارات والسعودية والبحرين اذ يوفر الاردن مجالا واسعا في مبادرات تعنى بالمناخ.

واضاف جلالته الى قضية اخرى تخص الاردن والاردنيين لانقاذ مواقع التراث العالمي والمهددة بفعل التغير المناخي.

هنا اوضح جلالة الملك وحذر ان مناخ عالمنا بخيره وشره غير قابل للتجزئة ويتعين علينا ان نوحد صفوفنا للتعامل معه بشكل شمولي فلا احد يستطيع ان ينآى بنفسه عن هذه الاثار.

واضاف جلالته لقد جمعنا مؤتمر قمة المناخ (COP-27) للتشبيك بين قدراتنا والثبات في طريقنا للتغير المناخي.

انطلاقا من كل ذلك اطلق الاردن تلك المبادرة التي تعتمد وترتكز على اصطفاف دولي خلفها وان الدعم الذي تقوم به الامم المتحدة ومن خلال مساهمات الدول المتقدمة للتكيف المناخي للدول الاكثر تضررا من هذه الظاهرة وربط ذلك بموضوع اللجوء اي ان منطقة الشرق الاوسط الاكثر تأثرا بهذه الظاهرة على الصعيد المناخي وهي الاكثر حسب التقارير الدولية الاكثر افرازا للاجئين وللمفارقة ان الاسباب التي ادت الى هذه الظاهرة نتجت بشكل طبيعي استنادا الى التطور المشوه للثورة الصناعية للدول المتقدمة كما اسلفنا سابقا وهي الاقل تأثرا انطلاقا من ?دراتها على التكيف المناخي اي القدرة على التكيف مع آثار هذه الظاهرة بحكم امكانياتها الهائلة ولكن رغم هذه الامكانيات فان استمرار التحول المناخي سيؤدي الى ظهور ظاهرة جديدة تقوم على اساس اللجوء البيئي والمناخي وهو ما سينعكس بشكل مباشر على هذه الدول اذن مبادرة الترابط وجدليتها بين المناخ واللجوء ارتكزت على مفهوم الاقرار الدولي بما يلي:

ان تعترف الدول الموقعة بان 8.3% من اللاجئين يتم استضافتهم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل اضافة الى الاخذ بعين الاعتبار المعدلات العالية من اللجوء مقارنة بنسبة السكان والاقرار ايضا بان منطقة البحر الابيض المتوسط هي الاكثر تضررا في البعدين السياسي والمناخي وان هذه الدول لا تستطيع وفقا لتقارير (فجوة التكيف لبرنامج الامم المتحدة للبيئة) بحكم قدراتها على انجاز اهداف محاربة هذه الظاهرة وهذا يتطلب كما جاء في المبادرة التزاما بالعمل معا لتعبئة الدعم الفني والمالي بشكل جماعي للبلدان المضيفة الاكثر تضررا وبذلك تلتز? هذه الدول الموقعة على المبادرة بتعبئة وطنية للموارد لتحقيق هذا الهدف واشراك الجهات الفاعلة حيثما امكن ذلك.

ان هذه المبادرة والتي جاءت ضمن اطار كلمة جلالة الملك قد وضعت النقاط على الحروف وبعثت برسالة واضحة المعالم بان اي مبادرة دولية لمحاربة هذه الظاهرة يجب ان تأخذ بعين الاعتبار انعكاس الابعاد السياسية لذلك فآلية الترابط وجدليتها ارتكزت من خلال رؤى جلالة الملك على ان المناخ وتحولاته سينعكس بآثار كارثية على الدول النامية وخاصة تلك التي يضغط اللجوء على مواردها وبنيتها التحتية ومخزوناتها الاستراتيجية وغير ذلك من تلك الاثار.

من هذا المنطلق فانني ادعو الى جعل هذه المبادرة اولوية لدى الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بذلك من اجل الوصول الى الحد الادنى من العدالة النسبية في توزيع الدعم القائم على موضوع تضييق الفجوة في التكيف المناخي بين دول العالم آخذين بعين الاعتبار ان التغاضي عن هذه المبادرة سيؤدي الى اضطرابات اجتماعية وسياسية ويرتبط ذلك مباشرة بتحول مناخي كارثي يؤدي ايضا الى ما نوهنا له سابقا بظاهرة اللجوء البيئي الى تلك الدول المتقدمة ولذلك وضع جلالة الملك مفهوم الترابط والجدلية بين المناخ واللجوء واللجوء والمناخ وهذا ه? جوهر الترابط بين المناخ واللجوء ولا يمكن لاحد غير جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المفدى ومن خلال حكمته وخبرته ان يضع العالم وخاصة الدول المتقدمة امام مسؤولياتها البيئية والانسانية بحلقة ترابطية بان اللجوء سيعود بشكل مباشر وغير مباشر ويضغط من جديد على الدول المتقدمة وان الاخذ بحكمة ذلك الترابط دون تجزئة يتطلب التشبيك الدولي بالبرامج والادوات وآليات التطبيق دون اي محاصصات وازدواجية في المعايير وهذا ما كان يجب ان نتعلمه من تجربة كوفيد 19.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على