الإمارات وإندونيسيا.. قيم مشتركة وتعاون استراتيجي

ما يقرب من سنتين فى الإتحاد

دينا محمود (لندن)
قد تبدو المسافة على الخريطة شاسعة بين الإمارات وإندونيسيا، إذ يفصل بينهما ما يزيد قليلاً على سبعة آلاف كيلومتر، لكن وشائج الأخوة وأواصر الصداقة القائمة بينهما، فضلاً عن تبنيهما الكثير من القيم المشتركة، تجعل هذا البعد الجغرافي كأن لم يكن.فخطى التقارب على مختلف الأصعدة بين الإمارات وإندونيسيا، مضت بوتيرة متسارعة للغاية، منذ أن دُشِنَت العلاقات بينهما عام 1976، وذلك قبل عامين من افتتاح السفارة الإندونيسية في أبوظبي في أكتوبر 1978 على مستوى القائم بالأعمال. وفي مارس 1993، عُين أول سفير لإندونيسيا لدى الدولة، وذلك قبل 10 سنوات من افتتاح جاكرتا قنصلية عامة لها في دبي عام 2003، وهو العام نفسه الذي شهد تفعيل مكتب إندونيسي للتجارة في الإمارات، وأعقبه إنشاء مكتب آخر لترويج الاستثمارات في 2010. على الجانب الآخر، فتحت الإمارات سفارتها في جاكرتا في يونيو 1991، وذلك بعد عام واحد من زيارة تاريخية، أجراها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، إلى إندونيسيا. وفي عام 1997، دشنت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، مكتباً لها في جاكرتا، من أجل تقديم الدعم والمساعدة للشعب الإندونيسي، خاصة في مواجهة الكوارث الطبيعية. وفي 2014، افتتحت الإمارات مكتباً للخدمات القنصلية في إندونيسيا، بهدف توفير خدمات قنصلية إلكترونية متميزة وسريعة، لا سيما على صعيد إرسال العمالة من هذا البلد للدولة. وبعد خمس سنوات فحسب، أسست الإمارات ملحقية عسكرية لها في جاكرتا.ويتناغم حرص البلدين على تكثيف الوجود الدبلوماسي لكل منهما لدى الآخر، مع ما يجمع بينهما من قواسم مشتركة، واتفاق على تبني سياسة خارجية متوازنة، تقوم على نسج شراكات وتحالفات مع مختلف القوى الدولية المؤثرة، وهو ما تؤمن به الإمارات وكذلك إندونيسيا، التي شكلت في خمسينيات القرن الماضي، مهداً لحركة عدم الانحياز، خلال حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق.وتحرص الإمارات وإندونيسيا على التنسيق بين مواقفهما في المنظمات الدولية والإقليمية المختلفة، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، بجانب تجمعات وكيانات، من بينها «المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب»، وهو منصة دولية تضم 29 دولة بجانب الاتحاد الأوروبي، وتُعنى بحماية الأفراد في شتى أنحاء العالم، من خطر الهجمات الإرهابية، عبر التصدي لها، ومقاضاة مرتكبيها، ومكافحة التحريض على الإرهاب.كما تحظى الدولتان بعضوية «ندوة المحيط الهندي البحرية»، وهي مبادرة تستهدف تعزيز التعاون البحري، وهما كذلك من بين أعضاء «رابطة حافة المحيط الهندي»، التي رأستها الإمارات في عاميْ 2020 و2021. اتفاقية الشراكة الشاملةويجمع المراقبون على أن هذا التعاون والتنسيق المستمر بين البلدين، اللذين يحظيان بموقع جغرافي متميز، ينبع مما يجمعهما من شراكة استراتيجية، تتجسد في الزيارات الرسمية المتبادلة على أرفع المستويات، والتي تسارعت وتيرتها في السنوات القليلة الماضية، وشهدت توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات للتعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والعلمية والثقافية، بما يعزز متانة العلاقات الثنائية الوثيقة.ففي عام 2019، أجرى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» زيارة إلى إندونيسيا، وهي الزيارة التي تشكل بإجماع المحللين، نقطة تحول مهمة في مسار التعاون بين البلدين. كما قام سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، بزيارتين لإندونيسيا، في عاميْ 2010 و2014.في المقابل، أجرى الرئيس الإندونيسي السابق سوسيلو بامبانج يوديونو زيارة للدولة في عام 2006. أما فخامة الرئيس الإندونيسي الحالي جوكو ويدودو، فقد قام بثلاث زيارات للإمارات في أعوام 2015 و2021 و2022. وتُوِجَّت الزيارة الأخيرة، بتوقيع باتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين.وجاء توقيع هذه الاتفاقية، التي ستعمل على تعزيز مكانة ما يُعرف بـ «الممر الجنوبي - الجنوبي للتجارة العالمية»، خلال مراسم شهدها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» وفخامة جوكو ويدودو رئيس إندونيسيا، وهي الثالثة التي توقعها الإمارات منذ مطلع العام الجاري، بعد اتفاقيتيْن مع كل من الهند وإسرائيل.وفي تأكيد على أهمية هذه الخطوة في ترسيخ التعاون بين البلدين، قال صاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله» على توقيع تلك الاتفاقية، إن إندونيسيا تعد أحد أهم الحلفاء الإستراتيجيين لدولة الإمارات، وأن البلدين يعملان معاً بروح التعاون البناء منذ عقود لتحفيز التنمية الشاملة، وتوفير فرص النمو والازدهار للشعبين الصديقين.كما أعرب سموه عن تطلعه إلى أن تشكل هذه الاتفاقية التاريخية، منصة جديدة لتسهيل تدفق التجارة البينية والتعاون البناء وتبادل الاستثمارات ونقل المعارف والخبرات، بجانب توفيرها لأدوات جديدة للتعامل مع التحديات والفرص المستقبلية.وأشار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، إلى أن إبرام تلك الاتفاقية، يأتي في إطار خطة طموحة لإنشاء شبكة من التحالفات التجارية الإستراتيجية لدولة الإمارات، مع نخبة من الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم، مما يسهم في تحفيز المرحلة التالية من النمو والازدهار للدولة، في إطار «مشاريع الخمسين»، التي تستهدف ترسيخ مكانتها كمركز تجاري واستثماري عالمي.وتسهم الاتفاقية في تعزيز مكانة الإمارات، كبوابة عالمية رئيسة لتدفق التجارة والاستثمار، وتساعد على إنجاز خطط مضاعفة حجم الاقتصاد الوطني، ليصل إلى ثلاثة تريليونات درهم بحلول 2030. كما تعكس رؤية الإمارات للتجارة والاستثمار، باعتبارهما محركين رئيسين للنمو المستدام لاقتصادها الوطني.فضلا عن ذلك، مثلت هذه الاتفاقية نقلة طموحة في التعاون بين البلدين، وشكلت، حسبما يؤكد مسؤولو الجانبين، قاعدة متينة من شأنها تدشين مرحلة جديدة في علاقاتهما، بما يلبي تطلعات شعبيهما، وسط توقعات بأن تسهم في مضاعفة قيمة التجارة الثنائية خلال الأعوام المقبلة، لا سيما على ضوء كون إندونيسيا، هي الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر في جنوب شرق آسيا.فالاتفاقية تستهدف زيادة حجم التجارة البينية، من نحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً في عام 2021، وهو ما يشكل زيادة بنسبة 62 في المئة عن عام 2020 و17 في المئة عن عام 2019، إلى أكثر من 10 مليارات دولار في السنة في غضون خمسة أعوام، وذلك بفضل خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية، من على مجموعة واسعة من السلع والخدمات، مما يخلق فرصاً جديدة للمصدرين والشركات من الجانبين.وتجسد هذه الاتفاقية، عمق العلاقات بين الإمارات وإندونيسيا، رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وتبرز الرغبة الصادقة لدى الجانبين، في تعظيم فوائد تعاونهما الثنائي في المجالين الاقتصادي والتجاري، إذ تنص على إعفاء فوري من الرسوم الجمركية، لأكثر من 80 في المئة من الصادرات الإماراتية إلى هذا البلد، كما ستسهم في زيادة القيمة الإجمالية للتجارة الثنائية في قطاع الخدمات، بما يصل إلى 630 مليون دولار بحلول عام 2030. 
مشروعات واستثمارات مشتركةبالتوازي مع توقيع اتفاقية الشراكة الشاملة، التي تستهدف أيضاً خلق مزيد من فرص الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الإسلامي سريعة النمو التي يُقدر بأن تصل قيمتها إلى 3.2 تريليون دولار بحلول عام 2024، تواصل الإمارات وإندونيسيا العمل معاً، لتنفيذ مجموعة واسعة من المشروعات الإستراتيجية، بما يشمل تشييد أكبر محطة عائمة للطاقة الشمسية في العالم، وذلك في وقت تعهدت فيه الإمارات بتقديم 10 مليارات دولار لهيئة الاستثمار الإندونيسية، وهو ما يتزامن مع تحول حكومة إندونيسيا، لأكبر جهة إصدار للصكوك في بورصة «ناسداك دبي» الدولية.في الوقت ذاته، يستثمر «جهاز أبوظبي للاستثمار» 400 مليون دولار، في مؤسسة «جوتو جروب»، أكبر شركة للتكنولوجيا في إندونيسيا، وهو ما وُصِفَ بأول استثمار رئيسي للجهاز، في منطقة جنوب شرق آسيا، عبر اقتصاد دولة عضو في مجموعة العشرين.ويحرص البلدان على تسريع وتيرة تنفيذ مشاريع استثمارية، تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار، في القطاعات ذات الأولوية المشتركة، مثل الزراعة والطاقة والبنية التحتية، والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى تشجيع تعاونهما المستقبلي في مجالات السياحة وريادة الأعمال والرعاية الصحية. كما لا يغفلان التعاون في قطاعات، يصفها الخبراء الاقتصاديون بالواعدة، وتشمل تكنولوجيا الطاقة النظيفة والمتجددة والحوسبة السحابية، بما يقود إلى تحقيق مزيد من التقدم الاجتماعي والاقتصادي في البلدين الصديقين.وفي إطار السعي لبلوغ هذه الغاية، قررت الإمارات عقب زيارة الرئيس ويدودو للدولة في نوفمبر من العام الماضي، استثمار 32.7 مليار دولار في مجموعة من القطاعات الصناعية في إندونيسيا، وهو ما يتضمن ضخ شركة «موانئ دبي العالمية» استثماراتها في البنية التحتية للموانئ الإندونيسية، بجانب تخصيص استثمارات أخرى في مشاريع المدن الذكية، ومختبرات الاتصالات، وعلوم الجينوم. 
صادرات ووارداتمن أهم الصادرات الإماراتية إلى إندونيسيا، النفط والكيماويات ومنتجاتهما، بجانب الحديد والفولاذ والألومنيوم ومصنوعاته، والمواد البلاستيكية والتمور، وذلك في حين تشمل واردات الدولة من المنتجات الإندونيسية، المنسوجات والمعدات الكهربائية، والمطاط والأخشاب والذهب وغيره من المعادن الثمينة، فضلاً عن الورق والشاي والبن.
شارع محمد بن زايد آل نهيانلا ينفصل التنامي المطرد في قوة الروابط الاقتصادية الإماراتية الإندونيسية، عن التطور المستمر للعلاقات المتميزة بين البلدين في مجالات التعليم والصحة والبيئة والزراعة والأوقاف والشؤون الإسلامية، والتي تعكس سعيهما المشترك نحو نشر قيم الإسلام السمحة. أما عن التعاون العلمي، فقد تجلى في أفضل صوره خلال فترة أزمة تفشي وباء كورونا، حينما أعلن معالي سهيل بن محمد المزروعي، وزير الطاقة والبنية التحتية، أن الدولة تدعم إنتاج اللقاح الإندونيسي المضاد لفيروس (كوفيد – 19). وعلى الصعيدين الاجتماعي والثقافي، لا شك في أن الإمارات وإندونيسيا تشكلان نموذجين باهرين، لتطبيق مفاهيم التسامح والتعايش ومكافحة التمييز. فالإمارات أصبحت منذ عقود، منارةً للتسامح في المنطقة والعالم، عبر احتضانها أبناء أكثر من 200 جنسية يعيشون على أراضيها، في مثال فريد للوئام والانسجام المجتمعييْن، وهو ما حققته إندونيسيا بدورها، عبر قدرتها على صهر التعدد العرقي واللغوي والديني، الذي يتسم به سكانها، ممن يعيشون على أرخبيل، يتألف مما يزيد على 17 ألف جزيرة. وتكريماً وتقديراً للرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، ودور سموه الكبير في تعزيز العلاقات بين البلدين، وتحويلها إلى شراكة استراتيجية، خاصة بعد زيارة سموه، إلى إندونيسيا في يوليو 2019، وجه الرئيس الإندونيسي بإطلاق اسم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، على أحد الشوارع الاستراتيجية والمهمة، في بلاده.ويبلغ طول هذا الشارع 37 كيلومتراً، وهو الطريق العلوي المعلق الأطول في إندونيسيا، وأطول شارع سريع معلق مزدوج في منطقة جنوب شرق آسيا بأسرها. ويربط ذلك الشارع العاصمة جاكرتا، بأهم المدن والمناطق السياحية والاقتصادية الحيوية في مناطق باندونج وبكاسي وكروانج بإقليم جاوة الغربية. كما يشكل جزءاً من الطريق السريعة، التي تمر عليها السيارات والشاحنات، في رحلاتها بين العاصمة الإندونيسية وإقليميْ جاوة الوسطى وجاوة الغربية.
مسجد الشيخ زايد الكبير في سولووجه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، عندما كان ولي عهد أبوظبي، ببناء مسجد يحمل اسم الرئيس ويدودو، في حي السفارات بأبوظبي، وإطلاق اسمه على شارع المعارض، أحد أهم شوارع العاصمة.وفي مارس 2021، شهدت مدينة سولو بإقليم جاوة الوسطى، وهي مسقط رأس الرئيس الإندونيسي، وضع حجر الأساس لمسجد الشيخ زايد الكبير، الذي تتكفل دولة الإمارات بتكاليف بنائه، ويتسع لـ 10 آلاف مصلٍ، ويمثل رمزاً للعلاقات الأخوية بين البلدين، وتضافر جهودهما لإشاعة التسامح والاعتدال وقيم الإسلام الوسطي. وفي الوقت الذي ترتبط فيه أبوظبي مع جاكرتا باتفاقية توأمة منذ عام 2002، أعلنت الحكومة الإندونيسية في يناير 2020، موافقة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان «حفظه الله» على ترؤس اللجنة المخصصة للإشراف على إنشاء عاصمة جديدة لإندونيسيا، بدلاً من جاكرتا.وفي ظل أجواء التنوع والأمن والأمان واحترام الآخر التي تتميز بها الإمارات، يبلغ عدد أبناء الجالية الإندونيسية في أراضيها قرابة 105 آلاف شخص، يعتبرون الدولة وطنهم الثاني، بفضل التقارب الكبير في العادات والتقاليد بينها وبين بلادهم. وخلال الفترة الماضية، شهد عدد السائحين الإماراتيين في إندونيسيا ازدياداً ملحوظاً، وسط توقعات بحدوث زيادة أكبر في المرحلة المقبلة، إذ من المنتظر أن تلعب الرحلات الجوية اليومية، التي تُسيّرها شركتا «طيران الإمارات» و«الاتحاد للطيران» بين البلدين، دوراً مهماً على هذا الصعيد، وفي تطوير التعاون السياحي الثنائي، سواء بسواء.

شارك الخبر على