الإمارات.. دبلوماسية رائدة في «العشرين»
almost 3 years in الإتحاد
دينا محمود (لندن)
بسجل حافل بالخبرات والنجاحات معاً، أسهمت دولة الإمارات بما تحظى به من ثقل سياسي ودبلوماسي وتقدير دولي واسع النطاق، في تمهيد الطريق نحو عقد قمة مجموعة «العشرين»، التي يستضيفها منتجع بالي الإندونيسي، عبر المشاركة بفاعلية في تحضيراتها، ما أضفى حيوية بالغة على الاجتماعات، التي عُقِدَت على هذا الصعيد، على مستويات مختلفة، بحضور قرابة 21000 مشارك من مختلف دول العالم.فالمشاركة الإماراتية، التي حظيت بإشادة مختلف المشاركين في التجهيز للقمة السابعة عشرة لهذه المجموعة التي تمثل مُنتدىً دولياً يجمع الحكومات ومُحافظي البنوك المركزية من 19 دولة، بجانب الاتحاد الأوروبي، ضخت الدماء في شرايين الكثير من مجموعات العمل والمشاركة، وكذلك مجموعة المبادرة الخاصة بتمكين المرأة، التي انضوت جميعها تحت لواء مساريْ؛ «الشيربا» و«المسار المالي»، اللذين حددهما المنظمون، كمظلة للاجتماعات التحضيرية.
تمكين الشبابوفي حين ركزت اجتماعات «المسار المالي» على ست أولويات، شملت شؤوناً تتعلق بالقطاعات المصرفية والضريبية والدفع الإلكتروني وغيرها، تضمن مسار «الشيربا»؛ وهي مفردة تعني في الأصل «الشخص المسؤول عن مساعدة المتسلقين على الوصول إلى قمم جبال الهيمالايا» في منطقة التبت وتُستخدم للتعبير عن ثقل المهمة التي يضطلع بها المشاركون في التحضيرات، إحدى عشرة مجموعة عمل وعشر مجموعات مشاركة بجانب مجموعة مبادرة واحدة، كان للمشاركين الإماراتيين فيها، إسهامات بالغة الأهمية. فالمبادرات الرائدة التي أطلقتها دولة الإمارات، لتعزيز دور الشباب وتمكين المرأة ومنحها مكانتها الواجبة في المجتمع، لم تكن بعيدة بطبيعة الحال عن طاولة اجتماعات مجموعتيْ المشاركة ومجموعة مبادرة تمكين المرأة، التي كُرِسَت للقضايا المرتبطة بهذين المكونيْن المجتمعييْن المهمين.وعلى مدى عامين متتالييْن، تبوأت الإمارات المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تقرير البنك الدولي المعنون بـ «المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2021 و2022»، ضمن 8 محاور، من بينها حرية التنقل، وأماكن العمل، والأجور، وريادة الأعمال، والمعاش التقاعدي، وهي أمور تسهم على نحو مباشر، في تمكين المرأة الذي تتوخاه مجموعة «العشرين».ومن بين العوامل الأخرى التي تقود للوصول إلى هذه الغاية والتي قطعت الإمارات أشواطاً واسعة عليها، معدلات التحاق الفتيات بالتعليم الثانوي تحت سن 15 عاماً، والتي حظيت فيها الدولة بالمرتبة الأولى عالمياً، على مؤشر «غياب الفجوة بين الجنسين»، وفقاً لتقرير «رأس المال البشري» الصادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي»، وكذلك نسبة تمثيل الإناث في البرلمان، والذي كان للإمارات الصدارة فيها على مستوى العالم، بحسب التقرير العالمي للتنافسية، الصادر عن معهد التنمية الإدارية في سويسرا.ولم ينفصل ذلك بطبيعة الحال، عن كون الإمارات هي الدولة الأولى عربياً، في وضع تشريع يخص تمثيل المرأة في مجالس إدارات الشركات، التي تُلزم بتعيين امرأة واحدة على الأقل في هذه المجالس. ويجمع المراقبون على أن هذه الخطوات الإماراتية الريادية، والتي تنعكس إيجاباً على المستوى الإقليمي كذلك، تسهم على نحو كبير في تحقيق الأهداف التي تنشدها مجموعة «العشرين» على الصعيد الدولي، في ما يتعلق بتمكين المرأة، وتعزيز التمثيل الاقتصادي لها، لا سيما في مؤسسات القطاع الخاص. أما فئة الشباب، التي كانت من بين محاور اهتمام مجموعات المشاركة المنعقدة في إطار مسار «الشيربا»، فتوليها الإمارات أولوية كبيرة، على ضوء رؤية قيادتها الحكيمة لهذه الشريحة، بوصف أبنائها أغلى ما تملك الدولة لبناء مستقبلها وتعزيز ريادتها، ما يجعل من الضروري تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، ومنحهم الفرصة للوصول إلى أرفع المناصب. فلم ينس المشاركون في قمة «العشرين» وتحضيراتها أنه كان للإمارات السبق في عام 2016، في تعيين أصغر وزيرة في العالم، وهي معالي شما المزروعي، التي اختيرت وزيرةً للشباب، بالتوازي مع إطلاق استراتيجية وطنية مُكرسة لهذه الفئة، وكذلك تدشين مؤسسة اتحادية تُعنى بهم، بهدف الاستثمار في طاقتهم، وبناء شخصياتهم، وتطوير البيئة المُثلى لتمكينهم وتنمية وتطوير مهاراتهم، وتعزيز مشاركتهم الفعالة في شؤون مجتمعهم وبلادهم والعالم بأسره. المبادرات الإماراتية الناجحة في هذا المضمار، والتي عززت بشكل فعّال النقاشات الخاصة بمحور «الشباب» في تحضيرات قمة «العشرين» في بالي، شملت أيضا خطوات تعزيز المشاركة الشبابية في المجالين الاقتصادي والسياسي، وهو ما تجسد في قرار مجلس الوزراء الصادر في يونيو 2019، بإلزام الجهات والمؤسسات والشركات الحكومية، بإشراك أعضاء من فئة الشباب الإماراتي، في مجالس إداراتها، بما لا يقل عن عضو واحد، وممن لا تتجاوز أعمارهم 30 عاماً، وكذلك اعتماد المجلس نفسه، بعد ذلك بأقل من عام، إشراك عشرات الشبان في عضوية مجالس إدارات الجهات الاتحادية.
حماية الصحةالإسهام الإماراتي المتميز في مجال البيئة، نال كذلك قدراً كبيراً من الاهتمام والإشادة، في سياق تحضيرات القمة، وذلك في إطار مجموعة العمل التي خُصِصَت للبيئة والاستدامة المناخية، وبُحِثَت على طاولتها سبل اتباع نماذج جديدة شاملة ومرنة، لتسريع وتيرة التحول في مجال الطاقة، وتعزيز الاقتصاد الأخضر، وتدعيم مقومات الاستدامة في المجال البيئي. فالإمارات تعمل، ومنذ تأسيسها قبل أكثر من خمسة عقود، على تفعيل كثير من المبادرات والخطوات الهادفة، لتعزيز التوجه نحو الطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم، وتحرص كذلك على دعم الجهود المبذولة لخفض الانبعاثات، والحد من ظاهرة التغيّر المناخي، بما يحد من تبعاتها الخطيرة للغاية، على البشرية بأسرها. كما كانت الدولة أولى دول المنطقة، التي تُصادق على «اتفاق باريس»، الذي جرى التوافق عليه عام 2015، ليصبح بذلك أول اتفاق عالمي يتم التوصل إليه بشأن المناخ. وكانت هذه الاتفاقية، في صلب اهتمام المشاركين في تحضيرات قمة «العشرين» في بالي، ممن بحثوا في إطار مجموعة العمل الخاصة بالبيئة والمناخ، كيفية العمل على دعم الأهداف، التي تسعى تلك المعاهدة لتحقيقها. كما بحثت هذه اللجنة، سبل التكيف مع التغير المناخي، وآليات التحلي بالمرونة في هذا الشأن، وكيفية السعي للجمع بين الحد من الانبعاثات والتكيف معها، بجانب مكافحة فقدان التنوع البيولوجي، وتحسين جودة الهواء، وهي كلها ملفات، قطعت الإمارات خطوات واسعة خلال السنوات القليلة الماضية، على طريق التعامل معها بكفاءة، عبر مشروعات نفذتها في الداخل والخارج، باستثمارات بلغت قيمتها، عشرات المليارات من الدولارات. ولم ينفصل الجهد الإماراتي المكثف، الذي بُذِلَ على صعيد مواجهة التحديات البيئية والمناخية، التي بُحِثَت في إطار التحضير لقمة «العشرين» في بالي، عما كرسته الدولة من موارد لحماية الصحة العامة، والتعامل مع مختلف التهديدات الصحية، تلك التي كانت بدورها موضوعا للنقاش، على طاولة مجموعة عمل، تم تخصيصها لذلك الملف، في ضوء الارتباط المباشر بين تحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي، وبناء مجتمعات ينعم أبناؤها بحياة صحية سليمة.وقد كانت هذه الرؤية المتبصرة، حجر الزاوية الأساسي للسياسات التي تبنتها القيادة الإماراتية منذ سنوات، وهو ما قاد إلى تحقيق قفزات نوعية هائلة في القطاع الصحي، الذي يُعد الأكثر نمواً في الدولة، بما أفضى لأن تشهد تأسيس منظومة رعاية صحية متكاملة لجميع القاطنين على أراضيها، تواكب أرقى المعايير والأنظمة الدولية، بشهادة منظمة الصحة العالمية، التي تنضوي تحت لوائها دول مجموعة العشرين.ولا يخفى على هذه الدول أيضاً، حقيقة أن الإمارات تحتل المركز الأول عالمياً، في عدد المنشآت الصحية الحاصلة على الاعتماد الدولي، وفقاً لتقارير اللجنة الدولية المشتركة، لاعتماد المنشآت الصحية المعروفة اختصارا بـ «JCI»، ما أهلها أيضاً لأن تصبح ضمن أفضل وجِهات السياحة العلاجية في العالم.وخلال مشاركة وفد الدولة - الذي ترأسه مدير عام مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية الدكتور يوسف محمد السركال - في الاجتماع الثالث لمجموعة العمل الصحية المُشكلَّة ضمن مجموعات التحضير لمجموعة «العشرين»، شدد الوفد على ضرورة تعزيز تكاتف الدول الأعضاء، لتلبية الاحتياجات الضرورية في المجال الصحي، وتطوير القدرات اللازمة لدعم الأنظمة الصحية العالمية، وتوفير المستلزمات والعلاجات واللقاحات الآمنة والفاعلة، وضمان وصولها العادل للجميع، بما يسهم في دعم أهداف التنمية المستدامة في مجال الصحة.
تجربة متفردة بجانب ذلك، مَثَلَّ ما تنعم به الإمارات من أجواء تعايش وتسامح وأخوة إنسانية، بما جعلها حاضنة فريدة من نوعها لقيم التعددية واحترام الأديان والمعتقدات، نموذجاً يحتذى به خلال بحث المحور الخاص بالدين، في إطار المحاور الاثني عشر لمجموعات المشاركة العشر، ضمن قمة «العشرين».ففي هذا السياق، تتفرد التجربة الإماراتية المتميزة، في ترسيخ قواعد الحوار والتفاهم وقبول الآخر، ما يشكل أحد أهم سمات المجتمع الإماراتي، الذي يضم ما يزيد على مئتي جنسية مختلفة، وهو ما تجسد في احتضان أبوظبي عام 2019، لتوقيع وثيقة «الأخوة الإنسانية» التاريخية، التي تدعو لاحترام حرية الاعتقاد، وتقدير التعددية والاختلاف؛ في الدين واللون والجنس واللغة. ويُجسِّد «بيت العائلة الإبراهيمية»، الذي يضم بين جنباته مسجداً وكنيسة وكنيساً تحت سقف واحد، ترجمة عملية لهذه الوثيقة، التي تحظى باحترام دولي واسع النطاق، بلغ حد صدور قرار أممي، باعتماد الرابع من فبراير، وهو اليوم الذي وُقِعَت فيه، يوماً دولياً للأخوة الإنسانية، ما يجعل نموذج ذلك الصرح الديني الفريد من نوعه، ماثلاً أمام من بحثوا المحور الخاص بالدين، خلال التحضيرات لقمة «العشرين».
نموذج تعليمي من جهة أخرى، كان للتجربة الإماراتية المشهود لها دولياً في مجال التعليم، تقدير خاص في أروقة الاجتماعات التحضيرية للقمة، على ضوء أن إحدى مجموعات العمل المُشكَّلة في إطارها، والتي تتألف من خبراء ووزراء، خُصِصَت لذلك القطاع الحيوي، بهدف البحث المعمق، للعوامل التي تسهم في تسهيل الحصول على الحق فيه أو العكس، فضلاً عن رصد التحديات، التي فرضتها أزمة تفشي وباء «كورونا» على هذا الصعيد.فتقارير التنافسية العالمية، تضع الإمارات من بين الدول العشرين الأكثر تقدماً وتطوراً في قطاع التربية والتعليم على المستوى الدولي، خاصة في ما يتعلق بنسبة السكان الحاصلين على تعليم عالٍ، وأصحاب المهارات الرقمية، والمنخرطين في قطاعات التعليم الحرفي والتعليم الأساسي والثانوي.فضلاً عن ذلك، تتصدر الدولة المؤشرات الخاصة بمعدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي، ومعدل الإلمام بالقراءة والكتابة، وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، وتتبوأ المرتبة الأولى في ما يتعلق بانتقال طلاب التعليم العالي إلى المؤسسات التعليمية القائمة على أراضيها، وهي كلها من المحاور، التي يُعنى بها المشاركون في التحضير لقمة «العشرين» في بالي.
المنظومات القانونيةفي الوقت ذاته، لم تغب الخبرات الإماراتية المتراكمة على صعيد مكافحة الفساد، والتي أهلت الدولة لأن تكون الأولى عربياً على هذا المضمار ولأن تتبوأ كذلك مركزاً متقدماً على الساحة الدولية، عن نقاشات مجموعة عمل، كُرِسَت لذلك الملف في إطار تحضيرات قمة «العشرين» المقبلة، بهدف وضع الحد الأدنى للمعايير الواجب توافرها، في المنظومات القانونية والقضائية لدول المجموعة، من أجل محاربة هذه الآفة.وأشاد المراقبون بالدور الكبير والرائد الذي تضطلع به الإمارات في هذا الصدد، لا سيما بعدما بادرت في عام 2005 بالتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وصادقت عليها في العام التالي مباشرة، ما أدى إلى أن يُجمع العالم، على أن تستضيف أراضيها أعمال المؤتمر الثامن للدول الأطراف في هذه الاتفاقية، وهو المؤتمر الذي شهد إطلاق الدولة مبادرتين، أولاهما لتأسيس قاعدة عمل مشتركة بين الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة وأجهزة محاربة الفساد في العالم، أما الثانية فاستهدفت تفعيل دور الشباب على ذلك الصعيد.