أنامل تصنع العجائب والغرائب بأبسط الأشياء

حوالي ٨ سنوات فى الشبيبة

مسقط - خالد عرابيقد يظن البعض أن النجاح صعب، ولكن نقول إنه سهل جدًا شريطة أن تبحث عن ذاتك، وما أن تكتشف ما تحبه حقيقة يكون السبيل إلى النجاح سهلًا، ويمكنك أن تنجح وتحقق ما تريد من خلال شيء ولو ظن البعض أنه بسيط جدًا.. محمد بن سالم بن خميس بني عرابة، شاب من ولاية دماء والطائيين بحث عن ذاته فوجدها في حب التراث وتحديدًا السعفيات فكانت طريقه إلى النجاح، حقق من خلالها الكثير حتى صار حرفيًا ومدربًا بارزًا في مجال السعفيات والمجسمات، وافتتح مؤخرًا محلًا خاصًا بذلك، كما أنه شارك في العديد من الملتقيات والمعارض المحلية والدولية وحقق مستويات متميّزة.. غير أن أبرز ما ميّز محمد هو الأشكال المتنوعة والإبداعات الفنية الكثيرة التي ظهرت جلية في أعماله فبيّنت كيف للأنامل أن تبدع وتصنع العجائب والغرائب والجمال والخيال من أبسط الأشياء.حدّثنا محمد بني عرابة عن بداياته فقال: حبي للصناعات الحرفية جاء من خلال ما كنت أراه من تشكيلات موجودة داخل البيت الريفي العُماني خاصة ونحن نعيش في بيئة ريفية محافظة، فتشدني تلك المشغولات السعفية الموجودة في البيت والتي اعتمد عليها العُماني القديم في كل حياته حيث قسوة الطبيعة وعدم وجود صناعة، وكيف عمدوا إلى السعف فصنعوا منه العجائب والغرائب من تشكيلات وتصاميم احترافية واستفادوا منها في حياتهم البسيطة.ويضيف: كما جاء حبي للحرفة من حرصي الدائم على ملازمة والدي في أعماله في المزرعة وفي أعمال النخيل، فكان الوالد حِرفيًا في السعف وكان طموحي وأمنيتي أن أكون مثله، ولذا فمن خلال المتابعة ومحاولة تقليده في صناعة السعف ومتابعة كيف يبدأ بتشكيل المنتج، ومع حب التعلم والإصرار بدأت بتعليم نفسي بنفسي من خلال المحاكاة، وكانت محاولات البدايات خجولة وبعيدة عن متابعة الوالد، ولكن بعد فترة تمكنت -ولله الحمد- من تشكيل السعف بطريقة مميّزة وأتقنت 3 طرق لعمل السعف.. ثم واجهتني أصعب مرحلة وهي كيفية تشكيل المنتج، ولكن لم استصعبها فبدأت وبعد محاولات كثيرة المشوار الحرفي المميّز في أقدم وأصعب حرفة من وجهة نظري.ويضيف بني عرابة: ثم بدأت بتطوير المنتجات القديمة التي يصممها الآباء إلى تصاميم قديمة بلمسة حديثة ومطوّرة إذ أدخلت الأصباغ الجافة في السعف ووضعت تشكيلات نوعية مميّزة، كما أضيف النسيج والصوف في السعف أيضًا، فصار الدمج بين حرفتين، فزادت المهنة إبداعًا وجمالًا وأعطتني آفاقًا أوسع وأرحب للإبداع في المنتجات والأشكال، ومن أبرز تلك المنتجات القديمة التي أصنعها «القفران، والجبة، والشت، والسمة، والمخرافة»، ومشغولات وتصاميم حديثة أخرى مثل الحقائب وحافظات وميداليات وحتى الصور والرسومات وغيرها.وعن أنواع السعف قال محمد بني عرابة: ينقسم إلى قسمين، تراثي ومطوّر، والأول هو الذي استخدمه آباؤنا وأجدادنا وهو لا يحتاج إلى مواد خام ويأتي من النخيل مباشرة، أما المطوّر فهو الذي يحتاج إلى مواد خام ويحتاج إلى خيوط ومواد لاصقة. ونحن حينما نقوم بدورات تدريبية سواء الأفراد أو المعاهد المهنية أو الحرفية فإننا نستخدم السعف المطوّر وهو الإندونيسي أو الصيني والذي اعتمد من قِبل الهيئة العامة للصناعات الحرفية، ومن وجهة نظري أن اعتماد هذا النوع من السعف يعدُّ خطأ كبيرًا وذلك لأننا حينما نقيم دورات نعتمد على السعف المطوّر سواء الإندونيسي أو الصيني أو الفلبيني وكأننا لا نعتمد على تراثنا وإنما نعتمد على تراث آخر ونشجع هذا التراث الذي ليست له علاقة إطلاقًا بتراثنا التقليدي المحلي، وبالتالي فإن ذلك انعكس على المهنة فتقلص عدد من يمارسونها، ولذا نطالب الهيئة العامة للصناعات الحرفية بضرورة الاهتمام والتركيز على السعف القديم الذي يمثّل ماضينا وتراثنا وتراث أجدادنا وتاريخنا وحضارتنا، حتى وإنْ كان من الممكن أن يستخدم وتستخرج منه منتجات أخرى أكثر مثل الحقائب والملفات وأشياء أخرى، لكن هذا الشيء يأتي على حساب تراثنا.دعم خجولوبسؤاله عن رؤيته للدعم من قِبل الهيئة العامة للصناعات الحرفية قال بني عرابة: دعم خجول جدًا ولا يرقى إلى المستوى المطلوب حقيقة، ويجب على الهيئة أن تدافع عن الحرفي وأن تكون أكثر إيجابية معه مما هي عليه، ومن هنا فأنا كحرفي أطالب الهيئة بأن تضع ضوابط تحمي من خلالها الحرفي، خاصة في ظل التقدم الآلي المادي، وفي ظل استقدام منتجات دخيلة علينا من دول أجنبية مثل إيران والفلبين وإندونيسيا قضت على المنتج المحلي وأخرجته من دائرة السوق، وللأسف لا يوجد من يحرّك ساكنًا، فأصبحت المنتجات الحرفية بدون سوق والسبب المنتجات المستقدمة بأسعار رمزية للأسف والحرفي يعمل ليل نهار لكي يطوّر ويصمّم أشكالًا ومنتجات حرفية تنافس المنتجات الصينية البديلة، ولكن لا حياة لمن تنادي، كما أنه لا يوجد أي دعم حكومي آخر على الإطلاق، وأنا أقول هذا عن تجربة. وطالب محمد بني عرابة بضرورة إقامة اختبارات سنوية أو نصف سنوية للحرفيين، «حتى نفرز الحرفي الحقيقي والذي يمتهنها حقيقة من الحرفي المدّعي؛ لأنه وبكل أسف هناك من أساؤوا بل ولوثوا الحرفة، وذلك باستقدام وافدين من دول آسيوية وأصبحوا يعملون مع مواطنين بطريقة مهينة للحرفة، ولذا فإن اختبارات الهيئة هي التي ستحمي الحرفية، فمثلًا الحرفة مسجل بها أكثر من 15 ألف حرفي، ومعظمهم للأسف يسجل فقط للحصول على بطاقة حرفي، بينما مَن يعملون بها حقيقة وباحترافية لا يتجاوزون 300 شخص بشكل عام».

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على