علاء الجابر (حرب فارس والحمراء) استلهام تراثي بشكل معاصر

أكثر من سنة فى الرأى

يرى الكاتب والناقد المسرحي والروائي العراقي المقيم في الكويت علاء الجابر أنّ التراث الشعبي العربي مصدرٌ خصبٌ لحكايات موجهة للطفل يتمّ الاشتغال عليها بشكل معاصر، مراعاةً لفئته العمريّة وتطلعاتنا الإنسانيّة. ورأى الجابر أنّ وصوله إلى القائمة القصيرة لجائزة مؤسسة عبد الحميد شومان لأدب الطفل(9-12 سنة) عن قصّته «حرب فارس والحمراء»، يمثل له فوزًا في عمل توخّى فيه عناية كاملة بالمفردة، وسلاسة السياق العام للحكاية، ومنطقيتها، والمقولة التي يخرج بها الطفل.

وقال في حوار لـ الرأي إنّه لا يفضّل في كتابته للطفل بث الرسائل السياسية في الحكاية، سواء بالترميز أو التصريح، إلا في قضايا محددة، وفي المقابل يحرص على بث قيم المواطنة والعدالة والحرية واحترام الرأي الآخر.

استلهم الجابر عمله الفائز عن «حرب داحس والغبراء» المشهورة في التراث العربي، بطرح قيم العدالة والحب، والمساواة، والتمسك بأواصر القربي، والمواطنة ونبذ الكراهية، مبقيًا على شعاع الأمل والحب مضيئاً في نهاية النص.

كيف ترى الاشتغال العربي الإبداعي على موضوع الحكاية الشعبية التراثيّة؟

أعتقد أننا جميعا معنيون بالاهتمام بالتراث، ولكن هناك جهات منوط بها ذلك بصورة مباشرة، لأن الحفاظ على التراث الشعبي لا يمكن أن يكون بجهود فردية من قبل المثقف وحده، فالعمل الفردي إجمالا يذهب أدراج الرياح إن لم يجد الدعم. وبالتالي بإمكان مؤسسات الدولة أو الخاصة أن تهتم بالتراث عبر توثيقه ونشره بطريقتين، أولا من خلال التوثيق الحديث بجميع أشكاله، وثانياً بنشره بوسائل فنية تعتمد على الاقتباس والإعداد كما يحدث في هوليود التي تحرص على ضخ أفلام مقتبسة من التراث العالمي بين الحين والآخر، مع تحفظنا على بعض تفاصيل تلك ?لأعمال.

كيف ترى وصولك إلى القائمة القصيرة للجائزة من بين 721 مُشارَكة عربيّة؟

فخور بوصولي إلى القائمة القصيرة في جائزة شومان ذراع البنك العربي، كونها جائزة لها ثقلها الكبير، وتُعدُّ في مصاف الجوائز المميزة المخصصة لأدب الأطفال في الوطن العربي، كما أن وصولي إلى هذه المرتبة ضمن 721 مشاركة تم تقديمها للجائزة في محور (استلهام الحكاية الشعبية) ليس بالأمر الهيّن، بغض النظر عن النتيجة مستقبلا. وفيما يخص النص، فهو وإن كان يعبر عني بشكل أو بآخر، إلا أنه جاء ضمن أطر محددة بالأصل المستقى منه، حسب شروط المسابقة، ضمن أسلوب يخاطب الجيل الحالي، وتحديداً الفئة العمرية المعنية (من 9-12 سنة)، الأمر ا?ذي يتطلب عناية كاملة بالمفردة، وسلاسة السياق العام للحكاية، ومنطقيتها، والمقولة التي يخرج بها الطفل.

ضعنا بأسلوبك في استلهام الحكاية الشعبية في عمل موجّه لجائزة لها شروط وأفكار محددة؟

في مجمل كتاباتي للأطفال، في مرحلة الطفولة المبكرة والوسطى خاصة، لا أفضل بث الرسائل السياسية في الحكاية، سواء بالترميز أو التصريح، إلا في قضايا محددة–كالحق الفلسطيني على سبيل المثال–في المقابل أحرص على بث قيم المواطنة والعدالة والحرية واحترام الرأي الآخر، عبر صور بسيطة تنسجم وعقلية الطفل، بعيداً عن الطروحات التي تنزع عن الأطفال فطرتهم التي تميل إلى الحكي، ولعل أكبر دليل على ذلك أن الأمم المتقدمة تكنولوجيا عنا بمراحل كبيرة، لاتزال تعتمد على القص الكلاسيكي، وتطعم مكتباتها بالقصص التراثية، وتصدر أفلاما ذات حس ?لاسيكي، لذا أنا مع طرح القديم للطفل بعد تنقيته بالطبع لأن هنالك الكثير من المواضيع التي لا تتناسب والأطفال، مع مراعاة أن يكون ذلك الطرح بصيغ حديثة تتعامل مع المعطيات الحالية دون تغريب أو تسييس.

كيف اشتغلت على «حرب فارس والحمراء» المستلهم من حكاية «حرب داحس والغبراء» المشهورة؟!

عملي الذي وصل إلى القائمة القصيرة (حرب فارس والحمراء) عمل يحاول أن يخلق تناغماً بين معطيات حكايا الأطفال عامة، وشروط الجائزة التي تتطلب الاتكاء على حادثة أو حكاية من التراث العربي واستلهامها ثم إعادة عصرنتها بما يناسب والجيل الحالي، لذا اخترت حكاية (حرب داحس والغبراء) التي اشتعل أوارها بين قبيلتين عربيتين من أبناء العمومة هما عبس وذبيان بسبب فرسين (داحس) حصان قبيلة عبس و(الغبراء) فرس قبيلة ذبيان، حيث استمرت الحرب لأربعين عاماً، وحصدت أرواح مئات القتلى حتى تم الصلح، وبما أننا نعيش سنوات التشرذم العربي فبات ?ا يفرق بيننا أكثر مما يجمعنا للأسف الشديد رغم كل الصفات المشتركة، اخترت تلك الحادثة التي أصبحت تراثا تاريخياً لأصيغ منها حكايتي المعاصرة بطريقة تتناسب ومعطيات الفئة العمرية المعنية، ومن ثم قمت خلالها بطرح قيم العدالة والحب، والمساواة، والتمسك بأواصر القربي، والمواطنة ونبذ الكراهية، وأبقيت شعاع الأمل والحب مضيئاً في نهاية النص. وبالطبع لم أكتف بالحس المحلي أو العربي، بل كانت الإنسانية تغلف القصة في كل مشاهدها لتكون المحبة طوق النجاة الكوني الوحيد للبشر للوصول إلى السلام والأمان.

من خلال جائزة «علاء الجابر للإبداع المسرحي»، ما رؤية الجائزة، وكيف ترى النص المسرحي العربي؟

هدفي الأول من إنشاء جائزة علاء الجابر للإبداع المسرحي منذ 5 سنوات، تقديم المزيد من النصوص الشبابية إلى الساحة المسرحية، وأقصد بالشبابية هنا الروح والحس والمضمون والرؤى الشبابية المعاصرة التي تتواءم مع ما وصلت إليه معطيات العصر وتعبر عن هموم ومشاكل شباب اليوم، لأني كنت وما زلت ومن قبل إنشاء الجائزة مؤمنًا بعكس ما يدعيه الكثير من العاملين في مجال المسرح العربي، من أنّ لدينا أزمة نصوص؛ ففي الحقيقة ما لدينا هو تقوقع وسوء اختيار وعلاقات شخصية تحكم تلك الاختيارات غالباً، أنا شخصياً لست ضد الاختيار من النصوص العا?مية وتقديمها على مسارحنا، فأنا أؤيد هذا الانفتاح الكوني على العالم وخاصة في طرح المواضيع الإنسانية، وأحب بالطبع أن يتعرف جيلنا الحالي على النتاج الإنساني ومن يقف خلفه من كتيبة المبدعين منذ فجر التاريخ إلى اليوم، وانسجامي هذا متوافق مع قيامي بوضع (الموسوعة العالمية لأعلام المسرح) وهي نتاج مشروع ضخم جدا، أصدرت الجزء الأول بما يقارب 1000صفحة، ويتضمن (حرف الألف) قبل 3 أعوام واشتمل على جل العاملين في مجال المسرح من كل دول العالم في جميع مجالات المسرح، ولكن ورغم ذلك أنا مع التركيز على نصوصنا العربية وخاصة الشباب?ة لا من باب التحيز العنصري لقوميتنا أو لشبابنا العربي رغم أن ذلك لا غبار عليه، ولكن من منطلق التعرف على رؤى هذا الجيل والاقتراب من أفكاره وطريقة تعامله مع الحياة، وما يتم عرضه اليوم من تلك الأعمال في أغلب المسارح العربية التي شهدت عروضها في السنوات الأخيرة وخاصة في الدول النشطة مسرحيا، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن نصوصنا المسرحية بخير وأننا نمتلك مجموعة رائعة من مؤلفي المسرح العرب بما يكفي لإقامة عشرات العروض المسرحية اعتمادا على نصوصهم فقط، وعدم التحجج بمقولة «أزمة النصوص» أو الركون إلى السائد بإعادة اج?رار المكرر رغم عدم رفضي المطلق لإعادة تقديمه بصورة عصرية أو استلهامه بطرق تتواءم مع همومنا وهاجسنا العربي.

كيف ترى الإعلام الثقافي العربي في طروحاته وقراءاته بين الأمس واليوم؟

بالنسبة للإعلام العربي، غالباً ما تكون الثقافة في ذيل اهتماماته، بل إن السائد غالباً–إلا ما غفر ربي–إعلام الترفيه والإعلان، والتغريب، ودائما ما تبرر تلك القنوات أنّ الثقافة ليس لها جمهورها، فيتم تقديم الموضوع الثقافي بصورة ثقيلة وبمحتوى لا يتجاوز الحوار، وبالتأكيد مثل تلك الطروحات لا تشجع على المتابعة لا لسوء في المضمون لكن لسوء التقديم والشكل الفني على مستوى الإخراج، في المقابل هناك قنوات قليلة جداً، لها بعض الاهتمامات الثقافية لكنها لا تتماشى مع المعطيات الحديثة للجيل الجديد.

كيف ترى الملاءة الماليّة للقطاع الخاص العربي في إسهامه الثقافي والإبداعي ومسؤوليته المجتمعية والثقافية؟

هناك الكثير من محاولات القطاع الخاص لإثراء الجانب الثقافي في عالمنا العربي، وهي فعاليات أثبتت مع الأيام جدواها في تنشيط الفعل الثقافي، منطلقة من عواصم عربية أصبح لها شأنها وتأثيرها، و لكن رغم كل ذلك أرى أن التقصير ما زال موجوداً لدى بعض المؤسسات المعنية بالخدمة الثقافية المجتمعية، رغم ثقل غطائها المالي، وأعتقد لو أن تلك المؤسسات وخاصة المالية الكبرى تحركت في هذا المجال، لأصبح الوضع الثقافي والفني العربي أكثر قوة وتأثيراً، خاصة وأن المؤسسات الحكومية غالبا ما تكون جوائزها مقصورة على مواطنيها، لذا يبقى المثقف?أو الفنان العربي بحاجة كبيرة إلى مثل هذا الرديف لتشجيعه، وفي أقل الأحوال وإذا لم يكن لكل تلك المؤسسات جائزة ما، فمن الضروري أن تقدم دعمها للجوائز الخاصة الموجودة حالياً، أو التي سيتم إنشاؤها مستقبلا.

ما جديد علاء الجابر في الكتابة الإبداعية والمسرح؟

صدر لي قبل فترة قصيرة ديوان شعر للأطفال تحت عنوان (عالمي الصغير) ضم ما يقارب الـ 30 قصيدة ساهمتُ فيه بثلث اللوحات، وفتحت مجال الفرصة لسبعة فنانين شباب لاستكمال بقية الرسوم، أما الجديد القريب حاليا فهناك كتابان قيد الطبع أحدهما يخص مسرح الشارع، والآخر يتعلق بتجربتي في الورش المسرحية التي قدمت فيها أكثر من ثلاثين ورشة، في الكويت والعديد من عواصم الوطن العربي، إضافة للكتب المخصصة للأطفال والمستمر في إصدارها على التوالي. ولا يسعني هنا إلا التقدم بالشكر للأردن، ولمؤسسة عبد الحميد شومان التي فاجأتني وأسعدتني بخب? وجود اسمي ضمن القائمة القصيرة لأدب الأطفال من بين مئات المشاركين من 30 قطراً عربياً وغير عربي، وبالنسبة لي أحسب تواجدي في تلك القائمة القصيرة لهذه الجائزة الهامة عربيا بمثابة الفوز، وأبارك من الآن للفائزين وأتمنى لهم كل التوفيق، وشكراً لجريدة الرأي على هذه الحفاوة.

شارك الخبر على