بوتين يعد العدة للتفاوض مع الغرب

أكثر من سنة فى الرأى

ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأسبوع الماضي كلمة في نادي فالداي، مركز البحث في موسكو تُناقَش فيه القضايا المحورية، وكثيراً ما تتبلور فيه السياسة الروسية.

غير أن بوتين لا يزال يبدو أنه يعد العدة لمفاوضات شاقة، وهو ما يُستدل عليه من جهوده الساعية لعرقلة شحنات الحبوب الأوكرانية.وبالمناسبة، ذكر الكاتب والمحلل السياسي جورج فريدمان في تعليق بموقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" بكلمة ألقاها هناك في ديسمبر (كانون الأول) 2014، بعد اندلاع انتفاضة الميدان في أوكرانيا، والتي اعتقد الروس أنها اشتعلت بإيعازٍ من المخابرات المركزية الأمريكية.

مكيدة يصعب تنفيذها ويومها قال: "هذه مكيدة يصعب تنفيذها دون الإساءة إلى كثير من الأطراف على نطاق واسع، ورغم أن المخابرات المركزية بوسعها تنفيذ مهام عديدة، فإن إشعال فتيل ثورة، وتأجيج مشاعر عشرات الآلاف، وتوفير الطعام والشراب لهم، في مساحة محدودة بلا نهاية، ليس من تلك المهام".

وتابع بقوله: "تستطيع الولايات المتحدة أن توزع الكعك، كما فعلت نائب وزير الخارجية للشؤون الأوروبية متعللة بسببٍ غريب، غير أن انتفاضة الميدان كانت على الأغلب حراكاً داخلياً ساخطاً على رئيسٍ مؤيد بشدة لروسيا، والفساد المستشري الذي أحاط به. وقُلت إنه لو كانت الانتفاضة نتيجة انقلاب، فلا بد أنه الأوضح على الإطلاق على مر التاريخ. وكنت أعني بأسلوبي الساخر أن الولايات المتحدة لم تُحرّك ساكناً لإخفاء دعمها الحماسي. وفسرت وسائل الإعلام الروسية مقولتي تلك بأني أعني حقاً أنه الانقلاب الأوضح في التاريخ".

وزاد "ظن الروس أنه انقلاب غربي، بينما عده الأمريكيون تعبيراً عن الاستقلال السياسي. وأعتقد أن الجانبين مخلصان في تفسيرهما للأحداث. فمن وجهة النظر الأمريكية، كانت الانتفاضة الديمقراطية نتيجة لائقة. ومن وجهة النظر الروسية، كانت الانتفاضة خطوةً إلى الأمام نحو زعزعة استقرار روسيا. رفض الأمريكيون المخاوف الروسية بالطبع، غير أن الروس لم يكن بوسعهم أن يرفضوا فكرة أن هذه الانتفاضية كانت عملاً عدائياً محضاً. وفي تلك اللحظة في 2014 اشتعلت شرارة الحرب الدائرة الآن".

حسابات خاطئة وأوضح فريدمان "خلصت موسكو إلى أن أوكرانيا الخاضعة للسيطرة الأمريكية تمثل تهديداً لها. وبعد ثمانية أعوام، شنت روسيا حرباً لتفرض إرادتها على أوكرانيا، وتثبت للمنطقة كلها أن روسيا قوة عظمى، وتُظهر للعالَم الوهن الأمريكي. ومن المُستبعد بشكلٍ متزايد أن يتحقق أي مما سبق".

ولفت فريدمان النظر إلى أنه لا شيء مستحيلاً "غير أن من المُستبعد جداً أن يُعيد بوتين تحديد شروط الحرب، وهو ما حاول أن يفعله تحديداً خلال كلمته التي ألقاها في نادي فالداي. والأهم من ذلك أنه لم يُشِر إلى الولايات المتحدة بوصفها العدو الرئيسي، فالعدو عنده هو الغرب الذي استسلم لفساد الأعراف العلمانية الجديدة وتلاشي الحدود بين الأنواع الاجتماعية وغير ذلك من الترهات الثقافية، التي يحاول أن يفرضها الآن على روسيا".

حملة ضد عنجهية الغرب وهذا الفساد يقوض الغرب، وروسيا حسب بوتين تتصدى له لا أكثر. كانت كلمته أيضاً تصطبغ بطابعٍ ديني بعض الشيء. ومن ثم، فالمساعي الروسية في أوكرانيا ليست الحرب كلها، وإنما هي بُعْد واحد لصراع جيوسياسي وثقافي أوسع نطاقاً بكثير. ولذلك، فإن الهزيمة في أوكرانيا لا تُعادل الهزيمة في الصراع الأكبر. وهو ما يتسق والمنطق إذا عَرفْنَا الحرب في أوكرانيا بحملةً ضد عنجهية الغرب لا مكاناً للسيطرة عليه.

ومنذ ذلك الحين، أصدرَ بوتين بياناً واحداً على لسان المتحدث الرسمي باسمه دميتري بيسكوف، عارضاً فيه التفاوض. وينسجم ذلك مع كلمته التي ألقاها في نادي فالداي.

مفاوضات شاقة إن بيسكوف هو المتحدث الرسمي باسم بوتين، ويشغل هذا المنصب لأنه حريص كل الحرص على ما ينطق به.

والعرض الذي تقدمَ به حقيقي، يقول فريدمان، غير أن بوتين لا يزال يبدو أنه يعد العدة لمفاوضات شاقة، وهو ما يُستدل عليه من جهوده الساعية لعرقلة شحنات الحبوب الأوكرانية.

بعد أن أعادَ بوتين صياغة الحرب في أوكرانيا بالكامل، لتكون حملة ضد إمبريالية الغرب، لن يكون من السهل التفاوض معه، غير أن هذا لا يعني أنه لن تفاوض قط.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على