الرئيس ميشال عون ولبنان القيادة بين الرؤية والإيمان، والممكن والصعب، والمستحيل واللامقبول

أكثر من سنة فى تيار

بيرج طرابلسي -
- في "خطاب القسم" الذي تلاه فخامة الرئيس ميشال عون في مجلس النواب، يوم انتخابه رئيسا للجمهوريًة اللبنانيّة، في 31 تشرين الأول 2016، تطرّق رئيس البلاد إلى العناوين الكبرى التالية: الخلل السياسيّ المتمادي، وأهميّة الإستقرار السياسيّ والأمنيّ والإقتصاديّ والإجتماعيّ، مع التشديد على فرادة لبنان، واحترام الميثاق والدستور والقوانين، والإنفتاح على الآخر، وتعزيز الجيش وتطوير قدراته، والإستثمار في الموارد البشريّة، في ظلّ "الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية والانمائية والصحية والبيئية والتربوية (التي) تمرّ بأزمات متلاحقة، لا بل متواصلة، لأسباب عدّة خارجيّة وداخليّة." لقد كان الرئيس عون واقعيّا وصريحا في ذاك الخطاب إذ قال "ربّ قائلٍ إننا قد تأخرنا في إنجاز ما حلمنا به وناضلنا من أجله وتشرّد لنا أعزاء في أصقاع الأرض وسقط لنا أحباء، شهداء وجرحى وأسرى ومفقودين، في سبيله. ولكن، كلّي ثقة بأن اللبنانيّين جميعاً، رغم إدراكهم أن الطريق شاق وطويل، لديهم العزم والإرادة والإقدام لنحقق معاً ما نذرنا له الحياة، وهو لبنان القويّ الموحّد لكل أبنائه، لبنان الحريّة والكرامة، لبنان السيادة والاستقلال، لبنان الاستقرار والازدهار، لبنان الميثاق والرسالة." وعليه، من يريد تقييم ولاية الرئيس عون على ضوء الإنجازات، عليه مراجعة الأهداف الواردة في خطاب القسم وتلك التي عمل عليها لتحقيقها، جزئيا أم كليّا. أما من كان يريد من الرئيس أن يحلّ له كافة مشاكل الوطن، متجاهلا مجلسي النواب والوزراء وكافة مؤسّسات القطاعين العام والخاص، فهو إما بسيط وساذج، أم متذاكي وتافه، أم خبيث وحاقد! - ليس من السهل أن يلخّص المرء، بعدّة سطور، فكر الرئيس ميشال عون حول لبنان—"مهد الأفكار المبدعة والمجدّدة"؛ فمراجعة كافة حواراته وخطاباته ومقابلاته ومؤلّفاته وفهمها وتحليلها في أطارها السياقيّ، منذ ثمانينات القرن الماضي حتى يومه، يتطلّب الكثير من الجهد والإمكانيّات والوقت والصفحات. ومع ذلك، قد يكون من المفيد والضروريّ إنتقاء بعض الإقتباسات الرئيسيّة، وبالأخص تلك التي أطلقها بصفته رئيسا للبلاد، علّها تساعد في فهم أهمّ العناوين والأفكار المحوريّة في رؤيته للبنان وما يؤمن به. إلا أن البداية ضروريّة من خلال الإطلاع على كتابيه، الأول "رؤيتي للبنان" (حوار مع فريدريك دومون، 2007) والثاني "ما أؤمن به" (حوار مع ديزيريه صادق، 2017). ثمة خطابات رسميّة لا يمكن تجاهلها لما تحتويه من أفكار رؤيويّة ومواقف وطنيّة وتوجيهات عمليّة، ومنها خطابِيه في القمّة العربيّة (2017) والجمعيّة العامة للأمم المتحدة (2020)، أو في كلماته المباشرة إلى اللبنانيّين ومنها كلمته بمناسبة "بدء ذكرى مئويّة إعلان لبنان الكبير" (31 آب 2019)، وأخيرا وليس آخرا، في الحوارين التلفزيونين الأخيرين، مع السيدة ندى أندراوس عزيز (LBC، 2022) والسيدة منار صباغ (المنار، 2022)!- ما يميّز خطابات الرئيس هو تشخيصه الدقيق لمشاكل البلد ودعواته المتكرّرة لإجراء قراءات شاملة ومراجعات نقديّة. فعشيّة "الذكرى المئويّة الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير" (30 آب 2020)، قال التالي: "نحن اليوم على أبواب المئويّة الثانية من عمر دولتنا اللبنانيّة، ولا بد من مراجعة حساب صادقة وصريحة، خصوصاً وأن المئويّة الأولى، وإن كانت قد عرفت بعض حقبات من الازدهار والنهضة الاقتصاديّة والثقافيّة والمؤسساتيّة، إلا أنها وبمجملها كانت زاخرة بالخضّات والأزمات والحروب، لم يعرف فيها شعبنا استقراراً حقيقيّاً ولا الاطمئنان إلا لفترات قصيرة تشبه الهدنة ما بين أزمة وأزمة. فأين الخلل؟ هل هو فينا أم في نظامنا أم في محيطنا أم في قدرنا؟" لقد كان واضحا في مقاربته للرئاسة، قبل تبوّقه هذا المنصب. يقول في "رؤيتي للبنان" (2007) " لا يكفي أن تصل إلى مركز الرئاسة، خصوصا وأن صلاحيّات الرئيس أصبحت محدودة جدا. المهمّ أن تكون الحكومة ملائمة، منسجمة ومدعومة من أغلبيّة في مجلس نيابيّ متماسك. فبتعزيز مؤسّساتنا، وتحريرها من النظام الطائفيّ، تشتدّ اللحمة، ويعاد الإعتبار إلى سلطة الدّولة." ربّ سائل يسأل، كيف تعاطى الأفرقاء السياسيين في لبنان مع كافة دعوات العماد عون الحواريّة، أكانت حول مسائل مصيريّة أو آنية، أم مشاريع مستقبليّة؟ أيضا، هل يٌلام صاحب هذه الدعوات على سلبيّة المقاطعين والمعارضين والمتفرجّين أو حتى المكبّلين لأسباب خارجيّة أو داخليّة وعدم مشاركتهم، فعليّا، في تحقيق المشاريع الإصلاحيّة والتغييريّة والتطويريّة والتقدّميّة؟- ثمّة أفكار ومقاربات عدّة تطبع فكر العماد ميشال عون. ففي "رؤيتي للبنان" (2007)، ركّز على عناوين عدّة أبرزها: هويّة لبنان والتعدّدية، والحريّة، والحياة المشتركة، وتطوير المجتمع وتحسّنه وتهذيبه، والإنفتاح على الآخر والإلتقاء معه، والديمقراطيّة والحوار لحل النزاعات، والتربية على احترام الفوارق وخصوصيّاته، وسقوط الحواجز وتهديم جُدران الخوف، وعدم ديمومة المجتمعات الإحاديّة الثقافة، والاستقلال والسيادة والحريّة وإحترام القانون والحفاظ على وحدة الشعب ووحدة الأرض، وضرورة بناء الوحدة الوطنيّة. نعم، هذا هو "الدرب الصعب" الذي اختاره للقاء الآخرين في الوطن، وهو "طريق الخلاص" الذي "يولّد السلام"! مع كل ما سبق، يجب ألا ننسى عوائق الإصلاح. يعتبر العماد عون أن "قوى ثلاث تقف في وجه الإصلاح في لبنان: "الإقطاع السياسي الذي يتألف من وجهاء تقليديّين، زعماء حروب الطائفيّة الذين تحوّلوا إلى سياسيّين، وطبقة أصحاب الصفقات. وتشكّل الطائفيّة رأس مال الثلاثة معا، والوسيلة التي بواسطتها يحافظون على السلطة ويتناقلونها... وهكذا أصبح لبنان أسير هؤلاء الزعماء الذين يشكلون قوى شلل وقصور، ويجمّدون نظامه السياسي". أما طموح العماد عون بعلمنة الدولة من خلال الإنتقال من الطائفيّة السياسيّة إلى المواطنيّة، فهو "سعي يتطلّب المثابرة وطول الأناة".- ثمّة خواطر وحكم وعبارات راقية عبّر عنها الرئيس عون في كتابه "ما أؤمن به" (2017) ومنها المتعلّق بالنصر والهزيمة ("إذا انتصرت لا تسحق ولا تُذِل، وإذا هُزمت لا تَنسحق ولا تَنذَل، يجب إيجاد التوازن ما بين الحالتين")؛ وبخيبات الأمل ("خيبات الأمل موجودة، وهي ليست فقط تلك المرتبطة بأمور الحياة، ولكن أيضا المرتبطة بالبشر، برجال ونساء سبق وعلّقنا عليهم آمالا كبيرة. وخيبة الأمل الكبرى هي عندما يتحوّل الحبّ الى كراهية")؛ والخيانة (هي انهيار أخلاقي... وموت عزيز أصعب من خيانته--"من يخن لا تأسف عليه، دعه يرحل، واقلب الصفحة")؛ والغفران ("أعرفه جيدا ولي تجربة معه. لقد سامحت الذين حاولوا اغتيالي، وحتى لم أعاتبهم، وهذا لأني مسيحيّ في أعماقي. هي ليست فقط مسألة إيمان، فأنا في الواقع تلميذ للمسيح، الذي، بالغفران والمحبة، تجاوز خطّ المستحيل. وأعظم ما في التعاليم المسيحيّة: أن نقاوم في موقع الضعف، ونسامح في موقع القوة")؛ حبّ الوطن ("حاربت دفاعا عن وطني، لأني أحب شعبه، ولأني أحب الأرض التي إليها أنتمي، والتي هي جزء مني. الوطن هو العائلة، الأصدقاء، الطبيعة، الزرع، هو توارث الثقافة والعادات")؛ وحبّ الحريّة ("ما من حريّة من دون مسؤوليّة، ولا مسؤوليّة بلا حرّيّة. وحدها الحقيقة لها الحقّ أن تضع حدودا للحرّيّة"). وفي أجوبته على أسئلة مارسيل بروست (1890)، يجيب الرئيس عون على الأسئلة التالية حول فضيلته المميّزة (الرجاء)، وأبرز ملامح شخصيّته (الصراحة)، وأبرز عيوبه (الثقة السريعة بالناس، واعتقاده أن الجميع طيّبون وصادقون)، وأكثر ما يقدّره في أصدقائه (الوفاء والإخلاص)، وانشغاله المفضّل (المطالعة)، والبلد الذي يتمنّى العيش فيه (لبنان)، وبطل من الحياة الواقعيّة ("كلّ من يقاوم في سبيل قضيّة عادلة يؤمن بها، ويخاطر بحياته من أجلها.")، وأكثر ما يكرهه (الكذب)، وشعاره في الحياة ("الحقيقة لا تنكسر. لا بد أن يأتي يوم وتنتصر"). أخيرا، وليس آخرا، ثمة أقوال باتت على ألسن الكثيرين تفوّه بها العماد عون أبرزها: "أن تعيش هو أن تحلم"؛ "أحترم السلطة وأقاوم التسلّط"؛ "إن الوجود خارج إطار الحرّيّة هو شكل من اشكال الموت"؛ "من مآسي الشعوب أن تُبتلى بحكّام لا يستطيعون سوى إدارة الهزيمة"، "يستطيع العالم أن يسحقني ولكنه لن يأخذ توقيعي"؛ "الشعوب التي تفتقر إلى الذاكرة الجماعيّة تكرّر أخطاءها"؛ "13 تشرين، خسارة دون ندم وذلّ الرابحين"؛ "الفشل هو في عدم المحاولة وليس في عدم النجاح"؛ "إذا فقدت العدالة شموليّتها أصحبت ثارا"؛ "تكون الحرّيّة في ذاتنا أو لا تكون"، و"لا يٌهزم إنسان ألا من داخله". وفي البراغماتيّة السياسيّة قال "إن معيار صدق الآراء والأفكار يكمن في قيمة عواقبها العمليّة. يحدّدون السياسة بأنها فنّ الممكن، وأنا أعتبر أن السياسة هي رفض اللامقبول، وبالتالي، علينا أن نميّز لكي نرفض كلّ ما هو غير مقبول حين يكون ذلك متاحا لنا. علينا أن نكون حازمين عندما يتعلّق الأمر بالمبادئ، ومرنين في الممارسة التي تنتج عنها. هناك خط أحمر ممنوع تجاوزه في سياسة فنّ الممكن، وإلا تتحوّل إلى قبول اللامقبول ورضوخ لمعادلات القوّة." ("رؤيتي للبنان"، 2007)- في الأخير، نعم، من يريد إنصاف الرئيس ميشال عون والتعليق على أفكاره وأفعاله وأعماله، عليه أن يتحلّى بالموضوعيّة والمسؤوليّة والإستقامة ومحبّة الحقيقة، لا أن يكون جاهلا وشتاما وتافها وثرثارا. لقد بدأت وسائل إعلام محليّة، عارضته وشتمته وتطاولت عليه وشيطنته بعرض التقارير حول إنجازات ولايته، الكبرى والصغرى. حسنا يفعلون لأنه better late than never، وحسنا فعل هو في تعزيز الديمقراطيّة وحريّة الفكر والرأي والتعبير، حتى لو كان ذلك على حساب القيم والأخلاق والحقيقة التي ضربها قسم من المواطنين الذين لا يريدون أن يكونوا من شعب لبنان العظيم!شكرا فخامة الرئيس ميشال عون.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على