أطراف التفاوض بين الإخوان والسلطة

ما يقرب من ٨ سنوات فى التحرير

شهد شهر أغسطس الماضى درجة عالية من السخونة السياسية داخل جماعة الإخوان المسلمين لا تقل عن معدلات درجات الحرارة التي يشتهر بها شهر أغسطس، فتعددت أشكال الصراع داخل صفوف تنظيم جماعة الإخوان، وأصبح صراعا مزدوجا بين أجنحة القيادة من ناحية وأغلبية القواعد وبعض قيادات التنظيم من ناحية أخرى، وتنامت حدة الصراع بين أركان التنظيم المختلفة مع طرح بعض قيادات تنظيم جماعة الإخوان المسلمين فكرة التفاوض مع السلطة المصرية، حيث يرى البعض حتمية الجلوس على طاولة التفاوض السياسي مع السلطة المصرية للتوصل إلى اتفاق سياسي حول وضع جماعة الإخوان المسلمين خلال المرحلة القادمة، وهو ما يعارضه أطراف من قيادة التنظيم وبعض القواعد. 
هذا الخلاف ساعد خلال عام 2015 على اتساع الفجوة بين أركان تنظيم الإخوان، حيت وصل الأمر بتشكيل تنظيمين لجماعة الإخوان، الحرس القديم "تنظيم لندن" بزعامة محمود عزت القائم بأعمال المرشد، فى جانب، والأمين العام للجماعة "محمود حسين"، والأمين العام للتنظيم الدولي "إبراهيم منير"، والحرس الجديد" تنظيم تركيا" بزعامة 
"محمد كمال" القيادي الإخواني وعضو مكتب الإرشاد ويحيى حامد وعمرو دراج، وانعكس هذا الانقسام بين قيادات تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الخارج على وضع جماعة الإخوان في الداخل المصري، فتزايدت حالة التشتت والضعف في بنية التنظيم بجانب انسحاب العديد من قواعد التنظيم وانضمام بعضها لجماعات متطرفة وإيمان البعض باستخدام العنف المسلح في مواجهة السلطة الحاكمة، سواء كان الإيمان نابعا من رغبة ثأرية أو من إيمان كامل بمنهج الفكر الجهادي، تلك الحالة دفعت "الحرس القديم" بسرعة نحو التحرك لفتح قنوات اتصال مع النظام الحاكم للبدء في التفاوض المباشر فهل حقا بدأت المفاوضات بين الإخوان والنظام؟ وما أطراف التفاوض؟ ومن هم الوسطاء أو بمعنى أدق مندوبو الطرفين؟

«1»

المندوب الأول

بعد فترة غياب امتدت ثلاث سنوات خرج المتحدث السابق باسم رئاسة الجمهورية "ياسر علي" أحد المقربين من الحرس القديم، وخصوصا محمود عزت وخيرت الشاطر بتصريحات على قناة "الجزيرة" حول فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي والمشهد السياسي العام ووضع جماعة الإخوان المسلمين ومستقبلها، فبعيدا عن تفاصيل التصريحات المتعددة يمكن التركيز على إعلان ياسر علي أهمية حدوث مراجعات فكرية وسياسية داخل جماعة الإخوان المسلمين، بعد عزل محمد مرسي، تشمل تلك المراجعات سياسات ما بعد ثورة يناير ومرحلة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، وأداء الجماعة بعد 30 يونيو 2013 وعزل محمد مرسي. 
تلك التصريحات تتزامن في نفس التوقيت مع ما أعلنه محمد أبو سمرة، الأمين العام للحزب الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الجهاد، حيث أكد حدوث مراجعات فكرية داخل أوساط جماعة الإخوان المسلمين. تلك التصريحات تأتي في وقت تتداول فيه أخبار عن انعقاد اجتماعات مكثفة بين قيادات جماعة الإخوان المسلمين والعديد من قواعد التنظيم المحبوسين داخل السجون، وقد أسند الحرس القديم بتنظيم الإخوان مهمة الجلوس مع شباب جماعة الإخوان المسلمين في السجون أو المفرج عنهم للمتحدث الأسبق باسم رئاسة الجمهورية ياسر علي، فهل سيصبح ياسر علي، كمال السعيد حبيب -صاحب مبادرة المراجعات داخل الجماعة الإسلامية بعد اغتيال السادات؟

«2»

المندوب الثاني

تتبنى أطراف عدة من القوى السياسية وجهة نظر حول استحالة عقد مصالحة بين النظام السياسي الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين، وتطرح وجهة النظر تلك العديد من الأسباب والأسانيد التي تقلل من فرضية عقد تفاوض بين السلطة وجماعة الإخوان نتيجة شدة الخصومة بين الجماعة والرئيس السيسي من ناحية إلى قناعة البعض برغبة الدولة والنظام الحاكم في إنهاء عصر الجماعة. 
وجهة النظر تلك تتناسى تركيبة المشهد وموازين القوى الداخلية والإقليمية، بل تتناسى سوابق تاريخية محددة لبنية العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والسلطة في مصر، فبعد أقل من ثلاثة أعوام من اغتيال السادات بدأت السلطة المصرية "مبارك" في التحرك ببدء المفاوضات مع الجماعة الإسلامية، وسمحت الدولة برفع شعار الإسلام هو الحل في عام 1986، بل وصل الأمر لتكليف اللواء محمد عبد الحليم موسى، وزير الداخلية الأسبق الدكتور عمر عبد الرحمن، بعمل وساطة مع قيادات الجماعة الإسلامية وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، فاغتيال الرئيس الأسبق السادات لم يمنع الدولة من عقد مفاوضات وصلت إلى مرحلة المصالحة بين الدولة والجماعة الإسلامية، فالعداء الشخصي والكراهية والحب ليست من ثوابت العمل السياسي، خصوصا بين الأقوياء، لذلك ليس من المستغرب تصديق بعض المؤشرات والأخبار التي تؤكد تحرك السلطة الحاكمة تجاه المفاوضات مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث يتم تداول أخبار عن تحركات متعددة من قبل الدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية كمندوب عن السلطة الحاكمة للتأكد من حدوث مراجعات من قبل قيادات وأفراد جماعة الإخوان، خصوصا مَن منهم في السجون، فهل يحاول الشيخ أسامة الأزهري أن يلعب دور الشيخ محمد متولى الشعراوي، والذي شكل "لجنة الحكماء"من علماء دين وشخصيات عامة للمصالحة بين الدولة والجماعة في تسعينيات القرن الماضي؟

يتبقى تساؤل حول مؤسسات الدولة وخصوصا الأجهزة الأمنية وموقفها من ذلك؟ وأي جهاز سيكون صاحب القيادة في هذا الأمر؟ ومن هو اللواء أحمد رأفت الجديد؟ 
أسئلة كثيرة تُطرح وستظل تُطرح.

«3»

وبناء على ما تم طرحه يمكننا فهم أسباب عدم التزام مجلس النواب بنص الدستور بإصدار قانون العدالة الانتقالية خلال دورة الانعقاد الأولى، فالقانون لدى السلطة يعتمد في مضمونه على نجاح أو فشل التفاوض مع جماعة الإخوان، لذلك يمكننا القول إن هذا القانون عنوانه العدالة الانتقالية ولكن مضمونه في حال نجاح التفاوض مع الإخوان هو المصالحة بين طرفين، وفي حالة فشل التفاوض مع الإخوان سيكون عقابًا، وفي كلتا الحالتين مفهوم العدالة الانتقالية غائب.

شارك الخبر على