(في انتظار فرس الغياب) لغازي انعيم.. تجربة لافتة في الفن الرقمي

أكثر من سنة فى الرأى

يفتتح عند الخامسة من مساء يوم غد الثلاثاء 1 تشرين الثاني 2022، معرض الفنان غازي انعيم «في انتظار فرس الغياب»، وذلك في جاليري رؤى 32 للفنون.

اعتمد انعيم في معرضه الذي سيستمر حتى مطلع كانون الأول المقبل، على تقنية الجرافيك/ الفن الرقمي (الديجيتال)، وهو مصطلح واسع يشمل الأعمال والممارسات الفنية عن طريق استخدام التكنولوجيا الرقمية بطرق محترفة، وجعلها من خلال استخدام الفأرة عنصرا مهما لبلورة مفهوم الإبداع. وتكمن أهمية هذه التقنية في سهولة انتشارها ووصولها للناس بأسعار مناسبة. ويضاف إلى ذلك أن «الفن الرقمي» يقدم قيماً جمالية لا تتأتى من الفنون الأخرى، وهو فن يرضي الجمهور، لأن اللوحة التي ينتهي الفنان من عملها وطباعتها بنسخ محدودة وموقعة هي لوحة أصلي?، ويأتي ترقيمها لحفظ حقوق المقتنين.

ويعد هذا المعرض المنفذ بتقنية «الفن الرقمي» الأول من نوعه لفنان في الوطن العربي، لا سيما أن هذه التقنية الرقمية تقوم على التمازج بين الإبداع الفني والإبداع العلمي، وتلعب فيها خبرة الفنان دورا مهما في استخدام الفأرة في الرسم كأداة فنية لإيصال رسالته وأسلوبه بلغة الحس والإبداع.

تمثل تجربة انعيم تجليات تعبيرية مموسقة على حافة التجريد. وهي تغوص في عمق الذات الإنسانية وما يعتريها من مشاعر صراع وأحلام وآمال وأفراح.. وهي تأخذ المشاهد على ظهر الفرس مع بقية عناصر العمل الفني في جولة ممتعة لفك شيفرة اللوحة التي تحمل أكثر من مضمون.. ولعل ما يميز هذه التجربة أنها اعتمدت على جمال الطبيعة، والذاكرة الشعبية الجمعية، والتراث الذي وظفه الفنان توظيفاً معاصراً من خلال الرمز والدلالات (مثل الحصان والديك والحمامة والكف والزخارف والقط والأزياء التراثية).

واحتفى مجموعة من النقاد العرب بهذه التجربة، إذ وصفها الفنان الأردني محمد العامري بقوله: «رغم تغير الوسيط الفني، ظلت لوحة انعيم متمسكة بصفاته الجمالية وطبائع التكوين والعناصر المستخدمة في اللوحة كالحصان والطائر والمطرزات الفلسطينية والبيوت والحقول والمرأة والرجل، تلك العناصر هي السيرة السرد بصرية لأعمال انعيم التي شكلت حضورها على المستويين المحلي والدولي، فالهمّ التراثي حالة من حالات الذات التي تهيم داخل المنظومات الرّمزية الموروثة والتي تشكل سلطة قوية تم توظيفها بتنويعات مدروسة وفاعلة في المخيال الجماعي».

ويقول الناقد السوري سعد القاسم إن التقنية عند انعيم ليست غاية، وإنما وسيلة لإنجاز عمل فني بتأثرات بصرية يريدها بذاتها. ويضيف: «ينحو انعيم في المرحلة الحالية من تجربته نحو مزيد من التجريد. فهو في الآن ذاته لا يتخلى عن الجذور الواقعية لأشكاله، ولا عن الرموز البصرية أصيلة الحضور على امتداد تجربته. هنا يدع المشاهد أمام فرصة اكتشاف جذور هذه الرموز بدلالاتها، وإدراك تحولاتها الشكلية، محاطة بعالم من الألوان المتناغمة المبهجة الأنيقة».

ويؤكد الفنان والناقد المغربي بنيونس عميروش أنه لا يمكن فصل أعمال انعيم عن موضوعَة «الذاكرة»، بوصفها مَنْبَع الحوافز والانفعالات وصُوَر الانتماء؛ صُوَر البيئة الأردنية حيث يعيش، وصور مسقط الرأس ومدينة القدس الشريف، المُتَوَّجَة بالأصول. ولذلك، «يختار الفنان العلامات والتكوينات الأيْقونِيَّة بالعناية التي تسمح له بالتَّجَدُّر عميقا في تُربتها، ومن خلالها يعمل على ترتيب قاموسه الشكلي الدّال الذي لا يتَخَلَّف في تَشْييدٍ مِعْماري مُزْدان بتزاويقه وعاداته وشخوصه (نساء ورجال وأطفال)، بينما يسير في شحذ عوالمه الب?نائية ضمن معادلة تؤلف بين حساب العقل وميزان الوِجْدان».

أما الناقد التشكيلي العراقي علي الدليمي فقد أشاد بالتجربة وقال: «نجح انعيم، عبر تجربته وتخصصه الطويل بصفته فنانا وناقدا تشكيليا محترفا ومهنيا، أن يضع بصمة خاصة ويؤسس قواعد ونظاما متميزا للفن التشكيلي الرقمي القادم، وسيكون هو من رواده حتماً.. قد يواصل ذلك أو قد يتوقف، المهم أنه في تجربته هذه أثبت فعلاً بأنه قادر على أن يوظف معاً كلا من الرسم بجماليته والحاسوب بمخرجاته، ليبهرنا بنتيجة بصرية نادرة ومتميزة».

ووصفت الفنانة والناقدة التشكيلية المصرية د.أمل نصر تجربة انعيم الجديدة بأن «كل لوحة وطن، تحتشد صاخبة محتدة ثم ما تلبث أن تستقر بخلفية هادئة ساكنة أو نافذة مفتوحة لفضاء غير محدد.. اللوحة مركبة بترتيب متتالٍ: الأشكال المتصدعة ثم المدينة القديمة ثم النافذة يتوسطها القمر أو قرص الشمس في طريقه للشروق، حلم العودة يتراجع لخلفية اللوحة ويستقر فيها كما يستقر في الوعي الذي لا ينسى. المكان عند انعيم محشود بالحياة: أناشيد الأرض التي أطلقها، وفتياته عازفات الناي، وأمهاته المكلومات، أمسيات الونس، وديوك الفجر الصداحة، وم?ذن المساجد، وأحصنة جامحة، حمائم وطيور وحيوانات الحقول وسيدات يرتدين الزي التقليدي ويمارسن مهامهن اليومية».

وما يلفت الفنانة والناقدة التشكيلية اللبنانية د.رويدا الرافعي في لوحات انعيم الأخيرة «النقلة النوعيّة التي تميّزت بها تلك اللوحات». وتقول في ذلك: «قدَّم لنا انعيم أسلوبا حديثا من التعبير بعيدا عن الصيغة التقليديَّة، وضمن علاقة دراميَّة تجمع ما بين التعبيريَّة في المفردات التشكيليّة والتجريديّة في المساحات اللونيّة والمعالجة التشكيليّة، إلى جانب الرمزيّة التي تصل إلى مزيد من البحث الروحي للفنّان، والتي ظلت حاضرة في مجمل مراحله الفنيّة».

وتؤكد الرافعي أن لوحات انعيم تتميّز بلغة عميقة الطرح، وفكرة جماليّة ابتكاريّة تخوض تصوّرات مبنيّة على حالات حسيّة وفكريّة، وانطباعات واقعيّة لها مستوياتها في خلق مفاهيمها التوضيحيّة. كما تتميّز بالخصوصيَّة والفرادة التعبيريَّة التصويريَّة لمكنونات الفنّان الداخليَّة، في جماليَّة مختزلة ومحدَّدة السمات، في عالم مليء بالأحجية والأسرار!

شارك الخبر على