مصر والإمارات نموذج للعلاقات العربية العربية

أكثر من سنة فى الإتحاد

 تشهد القاهرة فعّاليات احتفالية العيد الذهبي لتأسيس العلاقات الإماراتية-المصرية، في الفترة (26-28 أكتوبر الجاري)، وتتضمن منتدى اقتصادياً وآخر ثقافياً وإعلامياً، وأكثر من 20 جلسة متنوعة رسمية وغير رسمية. ويشهد الاحتفالية نحو ألفين من صفوة السياسيين ورجال الأعمال ورواد الفكر والثقافة والإعلام، بالإضافة إلى ملايين عبر الشاشات الفضية.
ولعمري، فإنّ العلاقات الإماراتية- المصرية توفر نموذجاً لما يجب أن تكون عليه العلاقات العربية-العربية، سواء من ناحية نطاقها المتسع باطراد وعمقها المتزايد باستمرار، أو من ناحية خصائصها المتميزة. تتسم العلاقات الإماراتية- المصرية بكونها تاريخية وإنسانية، تجسد شراكة اقتصادية متكاملة بين الدولتين، وتتضمن تحالفاً سياسياً ذا مرام استراتيجية. وقد نجح مسار العلاقات الإماراتية- المصرية، الذي يعود إلى ما قبل تأسيس دولة الاتحاد عام 1971، في اختبار كسب العقول والقلوب، حيث ارتبطت الإمارات وشعبها بعلاقات إنسانية قوية مع مصر وشعبها. ولذلك، تجده مساراً متيناً لا يتأثر بالطوارئ أو بالأعاصير.
فحب مصر هو خلاصة «وصية زايد» إلى أبنائه وشعبه «بأن يكونوا دائماً إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم»، ولأن «نهضة مصر نهضة للعرب كلهم». وأكد حكيم العرب قبل رحيله «إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تُكتب للعرب الحياة». ولذلك لم يكن غريباً احتفاء صحيفة الأخبار القاهرية بزيارة زايد لمصر، في نوفمبر 1994، بإصدار خاص، عنونت صفحته الأولى بـ«أهلاً بعاشق مصر الأول».
ومن ناحيةٍ أخرى، فإن حب الإمارات هو خلاصة تجارب إنسانية لتفاعلات اجتماعية وشخصية لملايين المصريين الذين عاشوا ويعيشون على أرض الدولة. وعشية قيام دولة الاتحاد، كان شدو كوكب الشرق بـ«الحب كله» في أبوظبي معبراً عن مشاعر المصريين تجاه زايد وشعبه، الذي خصص، برغم انشغاله المكثف بوضع اللمسات الأخيرة لإعلان الاتحاد، إيرادات حفل أم كلثوم لدعم المجهود الحربي المصري.
وتوصف الشراكة الاقتصادية بين الإمارات ومصر بأنها متكاملة، بالنظر إلى حجمها المتنامي (7.6 مليار دولار وفقاً لبيانات 2021، بمعدل نمو بلغ أكثر من 7.5%)، وكون دولة الإمارات المستثمر الأكبر في مصر وثاني أكبر شريك تجاري لها عربياً، وتغطيتها قطاعات اقتصادية حيوية مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والخدمات والصناعة والخدمات والتمويل والسياحة، دون الحديث عن تحويلات المصريين المقيمين بالإمارات.
ويشهد التاريخ وقوف البلدين مع بعضهما البعض وقت المحن. وهنا، نتذكر البعثات التعليمية والطبية المصرية إلى الإمارات منتصف القرن المنصرم، وكذلك البعثات الدراسية الإماراتية إلى مصر قبل تأسيس الاتحاد، التي استُهلت في عام 1927، ثم توالت بعد ذلك، ولاسيما خلال الستينيات.
فهذه البعثات جميعاً أسهمت في نشر التعليم النظامي الحديث وتطوير النظام الصحي في الإمارات. وكذلك دعم مصر الثابت لأمن دولة الإمارات في مواجهة التهديدات الحوثية الإرهابية، ولحقها في الجزر الثلاث المحتلة. وخلال المحنة المصرية (2011-2013)، اتخذت الإمارات موقفاً حازماً في دعمها لـ«ثورة يونيو» ضد حُكم جماعة المرشد، وما تلاها من إجراءات سياسية في يوليو 2013، ووظفت قدراتها الاقتصادية والسياسية لتكوين كتلة دبلوماسية واقتصادية مؤيدة لمصر.
وقدمت الإمارات، ولا تزال تقدم لمصر دعماً سياسياً هائلاً ومعونات اقتصاديةً سخيةً، زاد من عرفان المصريين ومحبتهم لدولة الإمارات وشيوخها الكرام، وانعكس ذلك في المظاهرات التي عمت المدن المصرية عامي 2013 و2014 ورفعت صور المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، والتي أطلق عليها «مظاهرات شكراً الإمارات»، تعبيراً عن الامتنان لمؤازرة الإمارات لمصر في أزمتها السياسية والاقتصادية.
وأصبح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، مسهماً بارزاً وشاهداً كبيراً على تأسيس «الجمهورية الجديدة» في مصر ونهضتها من شرم الشيخ حتى العلمين الجديدة، مروراً بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومن قاعدة «برنيس» على البحر الأحمر إلى قاعدة «3 يوليو» على ساحل البحر المتوسط.
*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية     

شارك الخبر على