التجربة والخطأ.. مفقودان في ثقافة شبابنا

أكثر من سنة فى الرأى

لا يمكن قبول الخطأ ولا أحد يحبه، وبنفس الوقت لا يغفل دور الخطأ في مسيرة حياتنا إذ يصبح بشكل ما سبب وعي الإنسان ونمو خبراته، ففي كل محاولة تنتهي بنا إلى الخطأ يمكن تفسيرها بخطوة نقترب بها إلى الصواب الذي يقود للتطور وتراكم المعرفة والخبرات.

لكن ثنائية الخطأ والصواب تأخذ العقل البشري إلى مفارقات الخير والشر أو النور والظلمة، فيكون الخوف مثقلاً بنهاية الفشل، أي النقيض المختلف والمضاد لكل ما هو جميل وناجح، هذا الإرث شكل عائقًا أمام ثقافة المحاولة والخطأ، حتى أصبح مبدأ الفكرة قائماً على وصف كثرة التجريب بالمغامرة والاندفاع والتسرع، ما خلق جيلا من الشباب بعيداً عن التجريب والمحاولة، حيث بات مقلداً وتقليدياً.

كثِيرًا ما تصبح طريقة التجريب والخطأ هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نتعلم منها بشكل واقعي، فعند ارتكاب الأخطاء فاننا نسمح لأنفسنا بالمراجعة والتأمل التي تقود إلى مزيد من إجراء التغيرات والمحاولة مرة أخرى. لكن دون أن تسيطر المحاولات علينا وتصبح نهجاً للحياة بالانسياق وراء التجريب، والذي سيؤدي بالتالي إلى دوامة من المحاولات التي ستزيد خسارتنا للوقت بعيداً عن الإنتاج.

ينطلق هذا النموذج الفكري، في تفسيره لحدوث عملية التعلم وفقاً لمبدأ المحاولة والتجربة، أي أن الارتباطات بين الاستجابات والمثيرات التي تتشكل اعتماداً على خبرات الفرد بنتائج المحاولات السلوكية التي يقوم بها حيال المواقف المثيرة التي يواجهها ويتفاعل معها، حيث يتعلم الاستجابة المناسبة من خلال المحاولة والخطأ.

الشباب افتقد شيئا من زهوة التجريب المستمر والتي تشير أساسا إلى المحاولة، وأصبح يطلب من الشباب تقليص المحاولات وعدد أكبر من النجاح.

وكأننا تناسينا أن المحاولة الدؤوبة، وان كانت سلسلة من الإخفاقات هي نوع من التعلم وخبرة مضافة للتجارب، ستوصل بالنهاية إلى الهدف أو النجاح المطلوب. تماماً كما حدث مثلا مع توماس أديسون وغيره، حتى بات الأمر أقرب إلى مدرسة فكرية وصلت بالنهاية إلى تأطير أسلوب التجريب.

ربما هناك عقدة الفشل والإخفاق التي تلازم المخيال الشبابي الذي يوجه العقل الجمعي بضرورة الابتعاد عن التجريب المستمر والمحاولة المتكررة والتي ستقود بالنهاية إلى الفشل، ما يدفع الشباب للابتعاد عن تكرار المحاولة وتقليصها والتوجه نحو المحاولة المضمونة والمتنبئ نتائجها. فانعكس ذلك إلى سبل محددة تنطوي على نتيجة حتمية.

لقد أصبح مسار التعليم الجامعي طريقا بعيدا عن التجريب ومحاولة لا تنتهي بالفشل، بل يصبح الفشل على عاتق متغيرات أخرى أوصلت نجاح الشباب في تجريب التعليم الجامعي إلى البطالة.

لعل فكرة الخوف من الفشل قادت شبابنا إلى نوع نمطي من التفكير التقليدي البعيد عن الإبداع، والملتزم بسيناريوهات مألوفة ونتائج مكشوفة، أفضت بالنهاية لخلق نماذج شبابية متشابهة، وهو ناتج عن تجريب غالب وقائم على محاولة نمطية أوصلتهم بالنهاية إلى تكرار نموذج متراكم خلقه التقادم وانحسار مسار التجريب بمحاولة واحدة فقط. وكأنها محاولات إنشاء جيل شبابي أقرب إلى المثالية، لا يخطئ ولا يرتكب أي مغالطة.

التجربة والخطأ، حاجة أكثر منها حث على المحاولة، لتأصيل فهم جديد في زمن شح فيه ترف الخيارات، والذي سيمكن الشباب من إزالة الفشل شيئا فشيئا لتحديد المسار الأمثل للحياة والعمل، فمن غير العادل ربما أن تحصل دائما على الأشياء المثالية من أول مرة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على