«دوبي».. أبعاد فلسفية وجمالية تتجاوز القصة الدرامية

أكثر من سنة فى الإتحاد

نوف الموسى (دبي)يُحسب للمؤلف محمد صالح، التوظيف البديع لمهنة الـ«دوبي» وهي كلمة محلية تطلق على الشخص الذي يمتهن كي الملابس، وجعله يدخل في حوارات مختلفة وذات دلالات رمزية، مع أصحاب تلك الملابس، التي يراها الجمهور معلقة ضمن سينوغرافيا، امتدت في الفضاء العام بغزارة، معبرة عن إسقاط لكم الهويات والأفكار والمعتقدات المحملة في تجليات تلك القطع القماشية، بمختلف هيئاتها وتصميماتها وألوانها، قدمها المخرج عبدالله الحمادي، ضمن فعاليات مهرجان دبي لمسرح الشباب 13، والتابعة لجمعية ياس للثقافة والفنون والمسرح، وقد يتراءى للمتابع كيف أن حركة الممثلين، على خشبة المسرح، مع الاستخدام المتقن لطاولة الكيّ في تشكلات بصرية مختلفة، بحسب معنى المكان في كل مشهد، مثلت المركزية الجمالية للعرض. فقد تحولت الطاولة إلى سرير وحوض سباحة وغيرها من التفاصيل المرئية التي خدمت الإيقاع العام للعرض بشكل جيد، والذي امتاز بالارتكاز، نتيجة الانضباط الشعوري والحسيّ للممثل الشاب مازن الزدجالي، الذي قدم دور شخصية «عوض»، والممثل الشباب عبدالله اليعربي، حيث قدم دور شخصية «تمام». ولا يمكن الحديث عن العرض دونما التأمل وبشكل أساسي، حول أثر قوة التجسيد لدى الممثلين، في تعميق تجربة العرض المسرحي «دوبي»، فقد استحوذت المقومات الجسدية والأدائية لديهما على جّل المشهدية، وبذلك قدما انتصاراً كاملاً لعنصر التمثيل، كإحدى أهم وأبرز المخرجات المسرحية، لمهرجان دبي لمسرح الشباب.والسؤال الجوهري لما بعد العرض، هو: كيف يُمكن لتلك العروض المسرحية المحلية الشابة، أن تتاح لها فرصة أكبر نحو الجمهور العام، خارج فضاءات المهرجان، ما سيلعب دوراً في ترسيخ الهوية المسرحية لتلك الطاقات الشابة، ويعزز تجربتها التراكمية لبناء علاقات احترافية ومهنية مع القطاعات الثقافية والفنية سواء الحكومية أو الخاصة، وصولاً إلى استقلالية الإنتاج المسرحي.
شراكات داعمة
بالاطلاع على الكتيب الخاص لمسرحية «دوبي»، نجد مستوى من الشراكات الداعمة لإنتاج العرض، من بينها «المجمع الثقافي»، و«نادي تراث الإمارات»، و«شبكة رؤية الإمارات الإعلامية»، و«رابطة رواد التواصل الاجتماعي» و«BLOOM»، وهي مسألة تحسب بالتأكيد لـ«جمعية ياس للثقافة والفنون والمسرح»، وسعيها لإيصال الحضور المسرحي في مختلف التعاونات المجتمعية، ممثلةً خطوة رئيسية تستدعي النقاش، وإعادة الاكتشاف، في كيفية تأسيس مناحٍ ومسارات لما يمكن أن نطلق عليه الرعاية التي تقدمها المؤسسات والشركات والهيئات في مجال الإنتاج المسرحي. واستكمالاً لهذا الدور التفاعلي، فقد صرح القائمون على «جمعية ياس للثقافة والفنون والمسرح»، أن بحثهم المستمر عن المواهب الشابة الجديدة وإعطاء الفرص للتجارب الأولى، مثل المخرج عبدالله الحمادي، يعتبر جزءاً أساسياً من أهداف الجمعية، مبينين أن دورهم يتمحور حول إتاحة الفضاءات وتوفير كل ما يلزم لتمكين العرض المسرحي، وترسيخ منهج العمل كفريق، الذي بطبيعته يلقي بظلاله على مخرجات العرض، ونجاح وصوله للمتلقي.
معالجات بصريةالكثير من اللحظات المسرحية في مسرحية «دوبي»، استطاعت وبشكل لافت، أن تتربع في ذاكرة المتلقي، وهذا ما يجعلها تقف بين العروض الجيدة في مهرجان دبي لمسرح الشباب، ومن بين تلك المعالجات البصرية استخدام المخرج لفن شعبي هو «مسرح الدمى»، من خلال الشخصية الرئيسية «عوف»، الذي حمل بكلتا يديه قطعتين من الملابس لشخص يدعى «بدر» وزوجته، عبر أداة تستخدم لتعليق الملابس، وتصدى «عوف» من خلال مخياله الواسع، في نسج الحوار بين الشخصيتين، لتبيان طبيعة الأشخاص في المجتمع، وكيف تبنى العلاقات فيما بينهم، والتي تكون محكومة عادةً بالاحتياجات والخوف من فقدانها.ومن بين الومضات الفكرية الأبرز رمي الشخصية «عوف» للملابس المتراكمة بشكل عمودي للأعلى، في لحظة تجلٍّ لكمّ الضغط المجتمعي الذي يستدعي بشكل ما ارتداء ومجابهة كل تلك الملابس، التي في عمقها قد تكون وسيلة إخفاء، كمن يرتدي قناعاً، حيث سعى «عوف» في تلك الحركة الآسرة، لأن يخلع كل تلك المخاوف والمعتقدات، ذاهباً إلى ذاته، باحثاً عن حقيقته. ورغم أن قصة عوض تتحدث عن رجل خسر عائلته، بسبب إصرار زوجته على الطلاق، رغبةً منها في الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أمر لا يبتغيه عوف، حفاظاً على تماسك الأسرة واستقرارها، فإن العرض المسرحي تجاوز فعلياً القصة إلى أبعاد فلسفية وجمالية أكبر من ذلك بكثير، وخاصةً بعد أن انتهى العرض، وغرق «عوف» و«تمام» في خضم هذا الكم الطاغي من الملابس، بل كادت تختفي هويتهم وملامحهم وحضورهم في الفضاء العام!

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على