غياب إذاعة لندن!

أكثر من سنة فى الرأى

تفرض الحياة الرقمية سطوتها شئنا أم أبينا، وكان أحدث تجلياتها قرار هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، وقف البث الإذاعي بعدة لغات من أبرزها اللغة العربية، في أطار «إعادة الهيكلة وضغط النفقات، واستراتيجية إنشاء منظومة حديثة وقيادة رقمية».

ومن الطبيعي أن يثير القرار ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت غالبية التعليقات تعبر عن الأسف والصدمة، وبعضها انطلقت من فهم سطحي وربما يندرج ضمن «عقلية المؤامرة»، يرى أن «إذاعة لندن» كانت خلال عمرها الذي بلغ 84 عاماً، معادية للقضايا العربية ومنحازة لدولة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وثمة من ينظر للاذاعة وكأنها هي من أصدر «وعد بلفور» المشؤوم، الذي كان نقطة البدء في إقامة دولة الاحتلال وضياع فلسطين.

وسط هذه الأجواء يغيب عن الأذهان، الدور المهني الذي تميزت به إذاعة لندن، وكانت أجيال عربية عديدة تتابع المحطة وتترقب نشرات أخبارها وبرامجها، وتثق بها أكثر من محطاتها المحلية، ثم انضمت الى الشبكة في عام 2008 قناة «بي بي سي» عربي التلفزيونية، بالاضافة الى الموقع الالكتروني للهيئة، وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وكل ما يرافق ذلك من خدمة إخبارية وبرامج تفاعلية منوعة على مدار الساعة.

لا يوجد في العالم إعلام مستقل بنسبة 100 بالمئة، لكنني أعتبر الـ"بي بي سي» «ملكة القنوات»، من حيث حرية الاعلام ونقل الاخبار من زوايا متعددة، ونقل وجهات النظر المختلفة عبر برامجها، وثمة عدد كبير من الاذاعيين الأردنيين والعرب عملوا فيها، وتعلموا وتدربوا فيها على القواعد المهنية الصحيحة، وثقافة حرية التعبير واحترام الرأي الآخر دون تعليمات رسمية، وبعضهم انتقل للعمل في بعض القنوات العربية، التي أنشئت خلال ربع القرن الماضي لأغراض سياسية تخدم الأنظمة التي تمولها، ونقلوا معهم ما اكتسبوه في «بي بي سي» من خبرة مهنية وثقافة حرية التعبير، ومع ذلك تأثروا بأجواء العمل الجديدة ذات الطابع العربي!.

تعرفت شخصيا على إذاعة لندن وأنا في المرحلة الثانوية، وكنت الاحظ والدي رحمه الله يتابع نشراتها، ولا يثق الا بما تبثه من أخبار رغم أن تعليمه كان بسيطا «محو أمية»، وفي وقت لاحق تولد لدي اهتمام بمتابعة الاذاعة، خاصة كل يوم جمعة حيث كانت تبث خبرا موسعا، حول مضمون مقال «بصراحة» بجريدة الاهرام للصحافي والكاتب المصري الشهير المرحوم محمد حسنين هيكل، وكان هيكل يعبر في مقاله عن سياسة نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إزاء قضايا المنطقة والعالم، وأزعم أنني تأثرت بما كان يكتبه هيكل، وكان السبب في دراستي الجامعية لتخصص الصحافة والإعلام.

كان لي فرصة أن أزور إذاعة لندن عام 2004 ترافقني زوجتي، في مقرها الذي يسمى «البوش هاوس»، وكانت تلك الزيارة بترتيب من الصديق والزميل العزيز الاعلامي الأردني في «بي بي سي» الاستاذ سالم العبادي، واطلعنا خلال الزيارة على أقسام المحطة والأجهزة المستخدمة للبث الاذاعي والتقينا بعض العاملين فيها، أعقبها زيارة لبيت الاستاذ سالم الذي استضافنا وأسرته الكريمة، على منسف أردني أصيل في منزله العامر بلندن.

theban100@gmail.com

شارك الخبر على