(الدعم النفسي).. بين الضرورة والإغفال

أكثر من سنة فى الرأى

أبو الخير: الإسعافات النفسية تصل بالمتضرر إلى بر الأمان

أمسكت الاربعينية «أم أحمد» هاتفها المحمول لتتصفح منصات التواصل الاجتماعي هربا من حالة الاكتئاب التي أصابتها جراء حادثة اللويبدة والمشاهد والأخبار التي تابعتها بكل اهتمام، فسقط نظرها على منشور يروي تفاصيل حدث وهو إخراج جثتين وجد الابن يحتضن والدته ويده على كتفها وهما متوفيان.

ما دفعها الى أن تتخيل كم قد عانى المتوفيان قبل موتهما تحت الأنقاض، وبقي هذا المشهد في مخيلتها طوال الليل ما جفاها النوم وشعرت بمشاعر ألم وحزن كبيرين، بعد قراءتها تلك التفاصيل المريرة.

الحالة التي عاشتها أم أحمد ويعيشها كثيرون، جزءاً بسيطاً مما عاشه المتضرر نفسه من الحادثة أو من أهالي الضحايا، اذ أن الأثر النفسي مهم جدا ولا يمكن إغفاله، وله ارتدادات سلبية تطال أطراف الحدث من ضحايا ومصابين وأسرهم والمجتمع برمته.

وهنا تشدد الأستاذة المساعدة في علم النفس الإكلينيكي الدكتورة فداء أبو الخير على ضرورة توفير الدعم النفسي مباشرة للناجين من انهيار عمارة اللويبدة وأسر الضحايا، وأيضا لكل الفئات التي تضررت بفعل أي أزمة أو أي حادث، مؤكدة أنها أمر ضروري ويجب على أن يخضع كل من تأذى لعلاج نفسي من عدة مراحل حسب طبيعة الاضطرابات والتشخيص الأولي لكل متضرر.

وهو ما قام به فريق الدعم النفسي التابع لمديرية الدفاع المدني، حيث تواجد على الفور بعيد انهيار عمارة اللويبدة مؤخراً، وفق تصريحات صحفية سابقة لمدير الدفاع المدني العميد المهندس حاتم جابر للتعامل مع أهالي الضحايا والتخفيف عنهم في حال تعرضهم لصدمة نفسية جراء الحادثة الأليمة.

وبدوره، ثمن المجلس الوطني لشؤون الأسرة وجود فريق الدعم النفسي التابع للدفاع المدني ووجود الكوادر المؤهلة والمدربة، خلال الفاجعة؛ لتقديم الدعم النفسي لأهالي الضحايا والمتوفين وحتى لأفراد الانقاذ والبحث الذين كانوا متواجدين، خصوصا أن مهمة كهذه تتطلب إدارة صحيحة للموقف، باعتبار أن ردود الأفعال حيال موقف صعب أو أزمة معينة تختلف من شخص لآخر وهذا يُؤخذ بعين الاعتبار. فيما يؤكد الناطق الإعلامي باسم وزارة التنمية الاجتماعية أشرف خريس، أنه لم يتم إغفال الدعم النفسي لأهالي الضحايا والمتوفين، والناجين من حادثة عمارة اللويبدة، إلا أنه لم يتحدث لـ"الرأي» عن تفاصيل وشكل الدعم.

وعلى صعيد متصل تلفت أبو الخير في حديثها الى $ إلى أهمية توفير فرق دعم نفسي متخصصة وكفؤة تكون على أهبة الاستعداد للتدخل مباشرة؛ للحد من التبعات النفسية التي تخلفها الأزمات، مشددين هنا على ضرورة توفير وإيجاد مثل هذه الفرق كجزء رئيس من منظومة إدارة الأزمات.

وتبين أنه من المفترض عدم الانتظار في كل أزمة لمعرفة من يريد أن يتدخل، ومن سيغطي التكلفة، مشيرة إلى ضرورة وجود مختصين نفسيين في مؤسسات الدولة؛ لمعرفة كيف نوجه الخطاب، والآخرين حول الوقت المناسب للحديث مع الضحايا وما الأسئلة التي سنسألها لهم وبقية التفاصيل.

وبحسب أبو الخير، فإن عرض المشاهد يؤثر بشكل أو بآخر على نفسيات الآخرين، وتستشهد هنا بطلب ثلاثة أشخاص استشارتها بعد حادثة اللويبدة، لشعورهم بحالة قلق وأرق، ناهيك عن آخرين قد شعروا بهذه الأعراض إلا أنهم لم يطلبوا مساعدة أحد.

وتتابع: إن هناك العشرات قد طلبوا استشارة زملائي الاخصائيين، مبينة أنه كيف لنا أن نتخيل الانعكاسات التي تركتها الحادثة على المتابعين، إذ أن الخطاب الإعلامي كان في بعض الأحيان، غير دقيق وغير موجه بطريقة صحيحة.

وتقول أبو الخير: «إن البعض لديهم أفكار مغلوطة حول عدم فائدة وأهمية تواجد مختص نفسي في بداية الحدث الصادم ليتدخل، كون الشخص لا يكون واعيا لما يجري حوله في ذلك الوقت.

وحول الإسعافات النفسية الأولية تقول أبو الخير:إنها تنقذ روحا قدر المستطاع، أي بمعنى آخر إيصاله بمرحلة معينة إلى بر الأمان النفسي، وتوجيهه للجهات الصحيحة، والتي تقدم له المساعدة للعبور بسلام.

وتلفت إلى وجود معلومة مغلوطة وهي أن النسيان هو الحل في تخطي المشاعر المؤلمة والسلبية، غير أنه دلالة مرضية، إذ أنه عندما ينسى شخص مشاعر سلبية لحدث معين يدل على أنه يعاني من مشكلة واضحة إما عجز أو ضرر في الدماغ أو أنه يعاني من خلل في الذاكرة، وقد يتطور إلى الزهايمر، أو أن هذا الشخص يعاني من اضطراب نفسي ومن أعراضه نسيان بعض التفاصيل الهامة لأي حدث.

ووفق أبو الخير «النسيان ليس علاج ولا يمكن لأي انسان طبيعي أو صحي أن ينسى أحداثا معينة مر بها، ولكن الفكرة أن يتكيف مع الأحداث الصارمة، أو أن يتعايش معها بطريقة صحية». وتشدد هنا على ضرورة تقديم الدعم النفسي سواء للناجين من الحدث أو لذوي المتوفين أو الجيران أو المجتمع برمته؛ لأنه يعتمد على دراسات بأن الأشخاص الذين يتعرضون إلى الصدمات بشكل مباشر من الممكن أن يتطور إلى بعض الاضطرابات النفسية على المدى البعيد كالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم وما بعد الصدمة وهو الاكثر انتشارا. وفي ذات السياق، تلفت أبو الخير إلى أن بعض الأشخاص الذين مروا بعدة صدمات بشكل متتالٍ ولم يعايشها وإنما شاهدها ككوادر الدفاع المدني والمعدين والمنتجين والمصورين في الميدان كالاعلام والمشاهدين الذين يتابعون الحدث على التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي او الكوادر الطبية والنفسية وما إلى ذلك، يتطور هذا الاضطراب لديهم ولكن بنسبة أقل من الآخرين.

وتتابع أبو الخير: يتطور هذا الأمر إلى اضطراب ما بعد الصدمة غير المباشر أو ما يسمى ببعض المصادر الصدمة الثانوية، وهذا يتطلب التدخل والذي تكمن طبيعته بالانتقال في مرحلة معينة من الدعم النفسي المتمثل ببداية التعرض للصدمة أو الخروج من الصدمة بعد الاسعافات النفسية الأولية.

وتضيف: تقوم عملية التدخل على إسعافات نفسية أولية ومن ثم تدخل الأزمات وهي لحظة حدوث الحدث الصادم وبعدها يصبح لدينا ما يسمى الدعم نفسي للحالات التي نراها ولا يوجد لديها قابلية لتطوير هذه الاضطرابات لكن نقدم لها الدعم النفسي كوقاية لها وأيضا لتجتاز هذه المرحله بسلام.

وتتابع: «بعد مرحلة يصبح لديها تدخلات أخرى وعلاجات معينة تعتمد على عمر الشخص وطبيعة الحدث الصادم، وموقعه، وهل رآه بشكل مباشر وعاشه، وهل هو من أقارب الأشخاص الذين قضوا في الحادثة كأب أو أم أو أحد الأشخاص الذين كانوا يعيشون معهم في نفس المنزل فالتدخلات متعددة».

وبخصوص التدخلات المباشرة للأشخاص الذين تطورت لديهم اضطرابات أو لديهم امكانية لتطورها لديهم، تقول:» في هذه الحالات لا نفضل أن ننتظر لأن بعض الاضطرابات من معايير تشخيصها يتبين أن هناك فترة زمنية مر على ظهور الاعراض، فنحن بالعادة لا نحبذ الانتظار بل يجب أن نعمل خط وقائية».

وحول العلاجات تشير أبو الخير إلى أنها تشمل ما يسمى بالعلاج المعرفي السلوكي ومجموعات الدعم والعلاج النفسي، وهذه المجموعات من الضروري أن تجري في المدارس التي صار بها فقدان لأطفال بها أو للذين عاشوا الحدث الصادم.

ويشتمل التدخل العلاجي للأطفال، وفق ابو الخير، على ما يسمى بعلاج اللعب للاطفال والمراهقين والعلاج السايكو دراما الموجه لهم وللمراهقين وللكبار، فضلاً عن علاجات أخرى والتي تسمى علاج القبول والالتزام والكثير منها الموجوده في علم النفس. وفي هذا السياق، تشدد على ضرورة ان تقدم العلاجات من قبل متخصصين بعلم النفس العيادي والحاصلين على شهادات الماجستير والدكتوراة ليبنى العمل على أسس علمية واضحة وهذا ما هو معمول به في دول العالم بحسب الجمعية الأمريكية للطب النفسي.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على