تصدع الدول وغياب المفهوم

أكثر من سنة فى الإتحاد

جزء رئيسي من تصدع الدول الخلط بين المساواة والعدالة. شكل الدولة الحديث قلت من قبل إنه يتأسس على العدالة، لا المساواة. الذي يجري بالعراق اليوم ومرشح تمدده نحو دول مثل لبنان مؤشر عنيف على غياب المفهوم المعتدل لمعنى الدولة.إن العدالة يمكن أن تكون ثمرة أنظمة سياسية تتخذ مناهج إدارية متعددة، وليس شرطاً أن تحيل الديمقراطية للعدالة، بل كل التطبيقات السياسية العربية للديمقراطية أسست لحراسة الفساد، والمحسوبيات، وشلت وعطلت حيوية وحركة المجتمعات والدول.«جون راولز» الحافر بمفهوم العدالة مشروع عمرٍ تحدّث في أطروحته «العدالة كإنصاف» عن علاقات هذا المفهوم بتاريخ الإرث الديمقراطي، فهو يوضح أن «الفكر الديمقراطي أظهر ومنذ قرنين تقريباً، أنه لا يوجد أي إجماعٍ حول الكيفية التي ينبغي أن تنتظم حسبها المؤسسات الأساسية داخل نظامٍ ديمقراطي إذا كانت مطالبة بتحديد وتأمين الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، وبالاستجابة لمقتضيات المساواة الديمقراطية. هناك اختلاف عميق حول الكيفية التي يمكننا أن نحقق من خلالها قيم الحرية والمساواة في إطار البنية الأساسية للمجتمع على أحسن وجه، لنقل لأجل تبسيط ذلك بأن هذا الصراع الداخلي بالنسبة لتراث الفكر الديمقراطي، هو نفسه الذي أثير بين تقليد لوك الذي يولي أهمية أكبر لما يدعوه بنيامين كونستطان بحرية المحدثين، أي حرية التفكير والاعتقاد، وبين بعض الحقوق الأساسية المتعلقة بالشخص والملكية، وبين تقليد روسو الذي يركز على حرية القدامى، أقصد تساوي الحريات السياسية وقيم الحياة العمومية، من المؤكد أن هذا التقابل يفتقد للدقة والصحة التاريخية، غير أن بإمكانه أن يتخذ وسيلة لتثبيت الأفكار».معيار «راولز» باختصار لتحقيق العدالة المنصفة هو أن ينسجم الشخص ضمن حقه مع النظام العام مع حريته وتساويه مع الجميع والمتساوق مع نفس النظام بالنسبة للكل، وكذلك أن يتم إخضاع التفاوتات الاجتماعية لترتبط بوظائف ومواقع مفتوحة بوجه الجميع حسب الشروط المنصفة لتكافؤ الفرص، وكذلك وهنا مربط الفرس: «يجب أن تكون التفاوتات للصالح الأفضل للأعضاء الأكثر حرماناً في المجتمع». راولز يتفرّد بهذا المعيار الناصع الذي يتجاوز الأداتية الديمقراطية، ليضع معاني المساواة وترتيب التفاوتات مداخل تحقيق العدالة، لأن الديمقراطية بوجهيها الفكري والتاريخي، ليست ضامنة للعدالة، ولكن يمكن تحقيق العدالة ضمن نظام سياسي لا يتشدق بالديمقراطية، وهناك نموذج عربي حين نتحدث عن حقبة حكم الحبيب بورقيبة بتونس، وهذا مثال واضح وصريح.وأخطر ما يمكن طرحه تحويل الطرح الديمقراطي على أنه ضمن المعيار الأخلاقي، وبالتالي لا قيمة لأي نظام سياسي من دون طهر الديمقراطية، وهذا تنقضه التجربة التاريخية للمفهوم حتى في الدول التي خبرته ودرسته، بل قد يجر كوارث سياسية واجتماعية كبرى، إذاً الهدف من الديمقراطية تحقيق العدالة، وأينما وكيفما تحققت العدالة المنصفة فإن الدولة تقترب من تلبية حقوق مجموع الإرادات المتصارعة بالمجتمع.* كاتب سعودي

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على