أبو غزالة.. مشروع «رئيس» لم يكتمل

ما يقرب من ٨ سنوات فى التحرير

في اللحظة التي أُطلق فيها الرصاص على الرئيس الراحل أنور السادات من قلب ساحة العرض العسكري في مدينة نصر، كانت الدولة المصرية على مشارف مرحلة جديدة من الحكم، فالأمواج العاتية التي ضربت سفينة الوطن، أوجبت وبسرعة، اختيار رُبّان ماهر، يمتلك من الحنكة السياسية، والقبول الدولي، ما يكفي لقيادة هذه السفينة والعبور بها إلى بر الأمان.لم يكن "مبارك" وحده المرشح لهذه المهمة، وإنما جاء اسم المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، آخر وزير دفاع عينه "السادات"، ليفرض نفسه طرفًا في المعادلة، التي امتلك الجيش وحده مفاتيح حلها.

من أين اكتسب «أبو غزالة» قوته

البداية كانت منذ مشاركة "أبو غزالة" في ثورة الضباط الأحرار عام 1952، الذي تدرج بعدها في مناصب عسكرية عديدة، حتى تولى مهمة قيادة المدفعية بالجيش الثاني في حرب أكتوبر 73، التي زلزلت حصون العدو، بالتعاون مع سلاح الطيران، الذي قاده "محمد حسني مبارك".

في الفترة ما بين ثورة يوليو وحتى حرب أكتوبر 73، سافر "أبو غزالة" إلى الاتحاد السوفيتي للالتحاق بمعهد المدفعية والهندسة، وظل هناك حتى عام 1961، ثم انتقل لموسكو والتحق بأكاديمية "ستالين"، وحصل على الدكتوراه في العلوم لتشكيلات المدفعية.

بدأ اسمه يظهر في الصحافة والإعلام عقب قيادته للمدفعية في أحد التشكيلات الضاربة على جبهة غرب القناة بعد نكسة 67، وكان يبهر محاديثه بلباقته وثقافته العالية، وتحليله لأسباب الهزيمة.

بدأت علاقته  بالولايات المتحدة الأمريكية منذ تعيينه ملحقًا عسكريًا في واشنطن عام 1978، وهناك حصل على دبلوم الشرف من كلية الحرب الأمريكية "كارلايل"، ليعد بذلك أول شخص غير أمريكي يحصل على هذا الدبلوم.

لم تدم إقامته هناك، حيث تم تعيينه مديرًا للمخابرات الحربية في عام 1979، ليتولى بعد فترة قصيرة رئاسة أركان حرب القوات المسلحة، وتتم ترقيته إلى رتبة "فريق"، ومن ثم تعيينه وزيرًا للدفاع قبل وفاة السادات بأيام.

مبارك أم أبو غزالة؟

كانت كفتا ميزان الرجلين متقاربتين بشكل كبير، فالأول نائب رئيس الجمهورية، الذي حظى بثقة "السادات"، وقائد الضربة الجوية التي أفزعت إسرائيل، والثاني رجل له جماهيرية داخل المؤسسة العسكرية، يحظى بقبول الولايات المتحدة، ومتشعب العلاقات، بما يكفل له جدارة هذا المنصب، وهو رئيس الجمهورية.

بعد اغتيال "السادات" تزعم فؤاد محيي الدين، وزير الإعلام حينها، حملة لتنصيب النائب حسنى مبارك رئيسًا الجمهورية، بينما كانت وجهة نظر، صوفي أبو طالب، رئيس مجلس الشعب الذي تولى رئاسة الجمهورية مؤقتا، وبعض الأطراف الأخرى المؤثرة في السلطة هو المفاضلة بين مبارك و"أبوغزالة"، لكن الحل لم يكن في يد أي منهم، وإنما في يد المؤسسة العسكرية.

الشواهد كانت تتجه نحو ترجيح كفة "أبو غزالة"، الأمر الذي دفع "محي الدين" لإحراج المشير في وجود مؤيديه، فقال له: "سيادة الوزير الرأي اجتمع على اختيار النائب حسنى مبارك رئيسا للجمهورية، ويسعدنا سماع وجهة نظرك"، ليأتي الرد سريعًا : "ودي فيها وجهة نظر طبعا الأخ حسني مناسب جدا ليكون رئيسا للجمهورية".

التفسير الذي أقره فيما بعد عدد من المحللين السياسيين لهذا الرد، جاء على نحو التالي، فالبعض أكد على ذكاء المشير في اختياره البقاء على رأس المؤسسة العسكرية، مصدر القوة الحقيقي للحكم، فيما قال آخرون إن المشير لم تكن من طموحاته تولي هذا المنصب، لذا لم يتمسك به رغم قوته حينها.

مبارك وشعبية المشير

تولى "مبارك" رئاسة الجمهورية، وأصدر قراره في إبريل 1982 بترقية "أبو غزالة" إلى رتبة المشير، وفي سبتمبر من العام نفسه، تم تعيينه وزيرًا للدفاع والإنتاج الحربي.، ثم نائبًا لرئيس الوزراء في عام 1985.

خلال هذه الفترة، عمل المشير على الارتقاء بمستوى ضابط القوات المسلحة، الذي كان لا يمتلك غير راتبه الشهري، فأقر مكافأة نهاية الخدمة ورفعها لتكون 40 شهرا، بجانب تطوير نظام التسليح في الجيش المصري، من خلال عقد عدد من الصفقات.

بدأت شعبية "أبو غزالة" تتزايد يومًا بعد يوم، وأصبح وصفه في معظم الصحف العربية والأجنبية أنه "ثاني أقوى رجل في مصر"، وهذا ما تم إثباته على أرض الواقع حينما نجح في السيطرة على مظاهرات قوات الأمن المركزى فى 25 و26 فبراير 1986، والتي قيل حينها إن تدخله أنقذ مبارك من السقوط، الأمر الذي أصاب الأخير بهاجس قفز المشير على السلطة.

لم يتثنَ لـ"مبارك" الإطاحة بالمشير حينها، بسبب القبول الأمريكي الذي يحظى به، لكنه لم يدم طويلًا، بعد أن اكتشفت الدول الغربية مخطط "أبو غزالة"، الذي يتضمن برنامج سري لتطوير صواريخ طويلة المدى بين الأرجنتين والعراق ومصر يسمى "بدر 2000 كوندور 2"، فانقلبت الولايات المتحدة عليه، وتمت الإطاحة به من جانب "مبارك" في إبريل عام 1989، وتعيينه مساعد لرئيس الجمهورية.

ظل المشير يشكل خطرًا على الرئيس الأسبق "مبارك" حتى بعد إقالته، بعد أن تواردت الأنباء له بأن المشير ينوي الترشح لانتخابات الرئاسة في 2005، وهو ما نفاه "أبو غزالة" للرئيس الأسبق في خلال اتصال تليفوني بينهما.

تملك المرض من المشير، وأنهكه السرطان، الذي قضى عليه في 6 سبمتمر 2008، عن عمر ناهز 78 عاما.

شارك الخبر على