ليبيا.. ما زال الأفق مسدوداً

أكثر من سنة فى الإتحاد

يدخل الملف الليبي مرحلة جديدة من التأزم إثر الفشل في تعيين مبعوث أممي جديد لخلافة السيدة ستيفاني ويليامز، واستمرار التجاذبات الكبرى بين طرفي الصراع الممتد، خاصة مع الرهانات الواردة بأن تقاطع المصالح الدولية والإقليمية الذي فرضته الحرب الروسية على أوكرانيا سينعكس بشكل لافت على تعيين مبعوث أممي جديد بسبب التباين في الرؤى بين بعض الأطراف المعنية المباشرة بشأن التعامل مع تطورات الملف الليبي، وسعي موسكو منذ فترة لإقالة ويليامز، وتعيين رئيس جديد للبعثة الأممية، على أن يكون مرحباً بها من قبلها، وبالتبعية يكون معارضاً للطرح الأميركي. والأغلب أن المرشح المطروح سيكون من أفريقيا، مع ترجيح كفة السنغالي عبد الله بيتالي برغم طرح بعض الأسماء، ومنها وزير الخارجية السوداني الأسبق مصطفى عثمان إسماعيل، ووزير الخارجية الموريتاني السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والدبلوماسي الغاني محمد بن شمباس، الممثل الخاص للأمم المتحدة لغرب أفريقيا، وآخرون.
ويتزامن مع التباين الراهن بشأن المبعوث الجديد، استمرار الدعوة المكررة دولياً للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، ومجلس النواب، لتقديم تنازلات تاريخية، والاتفاق على خريطة طريق للانتخابات في إطار دستوري، وتلبية رغبات الشعب الليبي الذي يسعي لإجراء انتخابات حقيقية لتجديد طبقته السياسية، وانتخاب رئيس جديد لمواجهة ما يجري على أرض الواقع من احتمال اندلاع قتال جديد في طرابلس، بعدما نفت تركيا وحكومة الوحدة المؤقتة أي وساطة لحل النزاع على السلطة مع حكومة الاستقرار الموازية، برئاسة فتحي باشاغا، المدعوم من مجلس النواب، مع استمرار القوة المشتركة بمصراتة في إرسال المدرعات إلى طرابلس، وتكليف الدبيبة للغرفة المشتركة بتأمين عدد من مداخل طرابلس.وفي هذا السياق المتوتر أيضا هدد المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي مجدداً، بالتدخل لإنهاء الصراع على السلطة بين حكومتي الوحدة، والاستقرار الموازية، كما أعلنت اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) التي تضم طرفي الصراع العسكري بالبلاد، اعتزامها استئناف مهامها، ومراجعة ما تم فيما يتعلق بقرار وقف إطلاق النار، وخروج المرتزقة، والمقاتلين الأجانب.وقد جاءت تلك التطورات في سياق سعى المجلس الرئاسي الليبي للاستعانة بوساطة أميركية لحسم الخلافات المستمرة بين رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح، والأعلى للدولة خالد المشري، حول القاعدة الدستورية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، ومزدوجي الجنسية، ومشاركة العسكريين بالتصويت في الانتخابات.ومن ثم فإن الأولوية في الوقت الراهن، ولحين حدوث الاتفاق تبقى أهمية إنجاح مشروع المصالحة الوطنية، والدور الذي يقوم به المجلس الرئاسي في هذا الإطار، والإسراع في إيجاد أرضية صلبة للتوافق بين مجلسي النواب والدولة على القاعدة الدستورية، وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت ممكن بدلا من التصعيد العسكري، وتلويح كل طرف بالمواجهة بدليل قيام ميليشيات محسوبة على حكومة الدبيبة بإقامة عدة بوابات أمنية في عدة ضواحي بطرابلس، تزامناً مع انتشار ميليشيات أخرى حتى حدود مدينة ترهونة (90 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس)، تردد أن هدفها منع أي تقدم لقوات مصراتة الموالية لباشاغا باتجاه طرابلس، وهو ما يتعارض مع ما صرّح به عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة، بأن زمن الانقلابات العسكرية قد ولّى، وتعهد بعدم السماح بعودة المواجهة مجدداً، مطالباً مجلسي النواب والدولة بالكف عما وصفه بالعبث، وإقرار القاعدة الدستورية المرتقبة لإجراء الانتخابات لحل الأزمة السياسية. 
واقعياً ما يهم الشعب الليبي – في ظل كل التطورات السياسية والأمنية - هو تقديم الخدمات ومعالجة الأوضاع، وإيجاد الحلول الحقيقية للأزمات التي يعيشها الليبيون. وقيام مصرف ليبيا المركزي بالعمل على وضع خطة لوقف الركود الاقتصادي، وتعزيز قيمة الدينار الليبي.يبقى التأكيد أن دول حلف «الناتو» وتركيا ومصر والولايات المتحدة هم من يملكون زمام الحسم في الملف الليبي ووضع العملية الانتخابية المؤجلة على المحك، حيث لا توجد أية مؤشرات تدفعنا إلى استنتاج أن الانتخابات سوف يتم إجرائها في الفترة المقبلة حتى في ظل الضغط الدولي الراهن حيث لا توجد نية حقيقية لاتخاذ إجراءات فعلية تضمن تنظيمها وضمان القبول بنتائجها.* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية

شارك الخبر على