العراق وأزمة التسريبات!
حوالي ٣ سنوات فى الإتحاد
هناك قصة ساخرة يتداولها الناس في الشارع العربي، وخلاصتُها أن ثمةَ لصاً محترفاً سرق مالا كثيراً، وأُلقي القبضُ عليه متلبِّساً بالجُرم، فاستعان بمحام ذكي محتال، بل ثعلب مراوغ، يمتلك قدرةً على كسب الأحكام القضائية لصالح موكليه، لشدة براعته ودهائه وقدرته على تبرير أفعال زبائنه وتصويرهم كضحايا لغيرهم، وخلال ذلك يحوِّل الباطلَ حقاً والحقَّ باطلا!
واتفق المحامي مع اللص السارق على أنه إذا أنقذه من هذه القضية الجنائية العظيمة، التي ارتكبها وقامت عليه البينات فيها، فسيتقاسمان المبلغَ مناصفةً بينهما، وبالطبع وافقَ اللصُّ على هذا البند وهو يأمل أن يبرئه المحامي ليظفرا معاً بالغنيمة. لقّنَ المحامي موكِّلَه السارقَ جملةً، وقال له: إذا سألك القاضي، تظاهر كما لو أنك مجنون معتوه، فسأله: وماذا أفعل؟ وكيف أتصرف؟ قال المحامي لموكله السارق: حين يسألك القاضي عن أي شيء ستجيبه فقط بكلمة واحدة هي: «لس.. لس.. لوس»، لا غيرها، ولا تنطق بغيرها أبداً. سأل القاضي اللص: ما اسمك؟ فقال: لس.. لس.. لوس. ثم سأله: كم عمرك؟ فقال: لس.. لس.. لوس. وسأله مرة أخرى: أين تسكن؟ فأجاب بنفس الكلمات، ورددها مراراً وتكراراً كرد على كل الأسئلة! قال القاضي: أطلقوا سراحَه، هذا معتوهٌ وفاقد للأهلية ولا يملك قواه العقليةَ، أي أنه غير مدرك لما يقول، وهو «مجنون تام الجنون».
خرج اللص من المحكمة، ومعه المحامي الشاطر، وهما فرحَين بالبراءة، فقال المحامي للص: ناولني نصف المبلغ الذي سرقتَه، والذي اتفقنا عليه كأتعاب، بعد أن خلصتُك من هذه التهمة العظيمة، فرفض أن يجيبه إلا بالعبارة ذاتها: لس.. لس.. لوس. أسوق هذه القصة بعد التسجيلات المسربة بصوت نوري المالكي، رئيس وزراء العراق السابق، والتي بثَّتها قنواتٌ عربية وأجنبية عقب التأكد من صحة نسبة الصوت فيها للمالكي، وهو يكيل التهم والشتائم لرجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر، وينعته بأقسى النعوت ويلبِسه التهمَ الكثيرةَ والقضايا المتعددةَ، ويصفه بأوصاف شنيعة للغاية، ويتهمه بأنه قتل نصف العراقيين وسفك دماءهم بلا رحمة!
وكثير من هذه الأوصاف والتهم والقضايا يوجهها قطاع واسع من العراقيين إلى نوري المالكي نفسه، عندما كان رئيساً للوزراء على مدى سنوات. لذا فقد بثت معظم وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التسجيلات الصوتية المنسوبة للمالكي، وهو يسترسل فيها بكلمات قاسية ضد الصدر وتياره.
ولا نعلم الغرض من هذه التسريبات الصوتية في هذا الوقت تحديداً، حيث يعيش العراقُ انسداداً سياسياً وفراغاً دستورياً وأزمةً ماليةً طاحنةً، وحيث يعش ملايين العراقيين حالياً بلا ماء ولا كهرباء. هل سينقسم الشارعُ العراقيُ والطائفةُ الشيعيةُ نفسُها بسبب هذه التسريبات وما بدأت تحدثه من أزمة؟ أم ستمر أزمة التسريبات كما مرت أزمات كثيرة أخرى قبلها، في ظل حالة الفوضى والأزمات المتكررة منذ عام 2003؟
*كاتب سعودي