الأساطير القديمة.. قصص فسَّرت الظواهر الطبيعية وأمورًا حياتية

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

عكست النصوص المصرية القديمة، أشكالًا متعددة من التراث الثقافي والعلمي، مما أعطى لنا تصورًا كيف كان يفكر الشعب المصري قديمًا، وكانت دروب الأدب في مصر عديدة وغنية، فعرف المصري القديم أدب الحكم والنصائح أمثال نصائح الحكماء بتاح حتب وآني وأمنموبي، وكذلك الأدب القصصي وأدب الروايات أمثال قصة الأخوين والملاح الغريق، وكذلك الرسائل والخطابات والقصائد.

لكننا هنا في صدد عرض أحد أهم الأشكال الأدبية التي وصلت لنا من مصر القديمة، وهي القصص التي كتبها المصري القديم، ليفسر أشياءً معينة مثل الظواهر الطبيعية والكون وبعض الأمور المتعلقة بالإنسان، ووصلت لنا العديد من الأساطير والقصص مسجلة على ألواح حجرية والبرديات وجدران المعابد والمقابر.

إيزيس وأوزوريس

إيزيس وأوزوريس تعد من أشهر قصص الأساطير في مصر القديمة، قصة تدور حول قتل المعبود ست لأخيه أوزوريس "الاسم اليوناني لأوزير"، لطمعه في الحكم، وسعى إيزيس "الاسم اليوناني لإيسة" للبحث عن جسد زوجها، وولادة حورس وطفولته وصراعه لاسترداد عرش أبيه.

وسجلت هذه القصة في عدد من المصادر المختلفة، وفي عصور أيضًا مختلفة، حيث ذكرت في النصوص المسجلة داخل أهرامات الملوك التي عرفت باسم "متون الأهرام"، وذلك في نهاية الأسرة الخامسة، وكذلك ضمن "نصوص التوابيت" والكتب الدينية مثل "كتاب الموتى" و"كتاب ما هو موجود في العالم الآخر"، التي تتحدث عن أوزير ودوره في العالم الآخر، وقدمت لنا أعياد أوزير في أبيدوس بسوهاج شكلًا من أحداث تلك القصة، ولكن رواية المؤرخ اليوناني "بلوتارخ" تعد من أكثر الروايات اكتمالًا للقصة، لكن يؤخذ عليه أنه تأثر بعض الشىء بالفكر اليوناني، وكذلك من خلال بعض اللوحات التي قدمت لنا أجزاء من تلك الأسطورة.

وتبدأ القصة عندما دعا "ست" إلى وليمة حضرها أعوانه وأخوه "أوزير"، وفي ذلك الوقت تم صنع تابوت من الذهب بحجم "أوزير"، وأعلن "ست" أن من يدخل التابوت ويتناسب معه يصبح ملكه، ودخل أعوان "ست" التابوت واحدًا تلو الآخر، ولم يسعهم جميعًا، وعندما جاء دور "أوزير" وفي لحظة دخوله التابوت، أغلقه "ست" وأعوانه وتم قتله، وعندما عثرت عليه زوجته تمكن "ست" من التمثيل بأخيه وإلقاء أجزاء جسده في أقاليم مصر، ولكن تمكنت زوجته إيزيس من تجميع أشلائه، وأنجبت منه "حورس" الذي سيتولى فيما بعد عملية الثأر لأبيه واسترداد العرش من عمه "ست".

والأسطورة في شكلها تأخذ الطابع الديني وفكرة انتصار الخير على الشر، ولكن من ناحية أخرى ذات بعد سياسي يظهر في فكرة سعي حورس لاسترداد عرش أبيه، وانعكاس على شرعية حكم الملوك وحتمية وراثة العرش في سلالة المالك الحاكم.

الصراع بين حورس وست

تعد هذه الأسطورة امتدادًا لأسطورة إيزيس وأوزوريس، حيث تحكي الأسطورة كيف كان شكل الصراع بين حورس وعمه ست، وقصة المحكمة التي أقامتها المعبودات للفصل بينهما ومن هو صاحب الحق في العرش، وشكل الصراعات والتحديات التي انتصر فيها حورس على ست، وذكر هذا الصراع في عدد من المصادر مثل متون الأهرام والتوابيت، وبردية كاهون الرابعة من عصر الدولة الوسطى، وبردية ساليه، وبردية تشستربيتي التي تعد من أكمل المصادر.

وتحكي الأسطورة أن حورس وإيزيس تقدما إلى المعبود "أتوم" بأحقية حورس في عرش أبيه، وكذلك ست طالب بالعرش نظرًا لقوته، وبالفعل انعقدت المحكمة برئاسة 9 معبودات "التاسوع"، ووقف بعضهم في صف حورس والبعض الآخر في صف ست، مما تسبب ذلك في حدوث حالة من الفوضى في المحاكمة، ودامت هذه المحكمة قرابة الـ80 عامًا، ودخل حورس وست في عديد من الصراعات، كان أولها عندما اقترح ست تحول الاثنين إلى فرسي نهر ويغوصون في المياه لمدة 3 أشهر ومن يطفو أولًا لن تكون له الأحقية في الحكم والذي لم ينته لأي منهما.

والصراع الثاني الذي دار في منزل ست والذي انتهى لصالح حورس بعد قيام إيزيس بعدد من الحيل، وعندما غضب ست اقترح إقامة سفن من الحجر ومن ينتصر يحق له الحكم، فقام حورس بصناعة مركب خشبي الذي طاف على سطح الماء وطلاه من الجص وقام ست بصناعة مركب من ضخم من الحجر، لكنه غرق بمجرد نزوله الماء وتحول ست لفرس النهر لإغراق مركب حورس الذي أمسك حربة وأراد قتله ولكن المعبودات منعته.

واستمر الصراع هكذا وتدخل عدد من المعبودات للفصل بينهما مثل "نيت، أوزير، خنوم"، وانتهت تلك المحاكمة باستسلام ست واعترافه بحورس كوريث على العرش، وبالفعل توّج حورس كملك ووضع على عرش أبيه، أما ست فامتلك الصحاري ويذكر أنه تزوج من المعبودتين "عشتار وعنات" يمتلك الأراضي الآسيوية.

هلاك البشرية

تحكي القصة كيف تعامل "رع" مع البشر في البداية عقب الاستهزاء به، وكيف أطلق عينه للانتقام منهم، وكيف سيطر عليها بعد أن أشفق على البشر، تلك الأسطورة التي ذكرت على جدران بعض مقابر وادي الملوك  مثل "سيتي الأول، ورمسيس السادس، وعلى إحدى مقاصير الملك توت عنخ آمون، وكذلك على بعض المعابد الموجودة بجنوب مصر.

وتبدأ الأسطورة عندما حكم "رع" الأرض كلها، وعندما كبر أخذ البشر في التمرد عليه والاستهزاء من شيخوخته، وعندما علم بذلك غضب وحزن منهم وعقد لقاءً مع المعبودات لمعرفة كيف يواجه هذا الأمر، واقترحوا عليه أن ينتقم منهم وأن يطلق عليهم عينه "ابنته حتحور"، وبالفعل عندما أمرها "رع" بذلك تحولت حتحور إلى أنثى الأسد التي عرفت بـ"سخمت أي القوية"، وأخذت في فتك البشرية، ولكن ربما قامت "سخمت" بأمور قاسية على البشر، مما جعل "رع" يأمرها بالتوقف، لكنها رفضت وأصرت الاستمرار في فتك البشر حتى اقترب هلاكهم.

ولكن "رع" فكر في حيلة، وذلك عندما أمر بإحضار نوع من الصبغة الحمراء من الفنتين "جزيرة بأسوان"، وأن تخلط بالجعة، وتترك بالقرب منها، وفي اللحظة التي رأت فيه ذلك المخلوط قامت بشربه حتى الثمالة، وهدأت وعادت إلى طبيعتها مما جعلها تغفل عن البشر.

قرص الشمس المجنح

يظهر أحد نقوش معبد إدفو من العصر البطلمي ملامح تلك الأسطورة، وهناك عناصر تعود إلى عصور أقدم من ذلك كثيرًا، وتحكي القصة أنه عندما كان يحكم "رع حور آختي" البلاد، وأثناء وجوده في الجنوب علم بأمر مؤامرة تتم ضده، لذلك أبحر شمالًا حتى مدينة إدفو، فرأى ابنه حورس يقاتل هؤلاء المتآمرين متخذًا هيئة قرص الشمس المجنح مما جعلهم يهربون.

وعند عودته إلى سفينة أبيه أخذ لقب حورس بحدتي بمعنى حورس المنتمي إلى مدينة بحدت، وعندما تفقد "رع حور آختي" موقع المعركة تحول المتآمرون الذين هربوا إلى أفراس النهر والتماسيح لمهاجمة السفينة، ولكن "حورس" وأتباعه استطاعوا القضاء عليهم عن طريق الحراب والحبال، وتحول "حورس" مرة أخرى إلى الشمس المجنحة لمطاردة المتآمرين في كل مكان.

وظهر في هذه الأسطورة "حورس ابن إيزيس و أوزير" بجوار "حورس بحدتي"، وكذلك "ست" قائدًا للمتآمرين الذي تحول إلى ثعبان واختفى في باطن الأرض، وتقاتل الطرفان في أحد أقاليم الشمال انتصر فيه "حورس بحدتي"، وبعد ذلك عاد "رع حور آختي" وأتباعه مرة أخرى لإدفو بسفينته، وأمر أن يوضع قرص الشمس المجنح في كل المعابد والهياكل، ومن هنا يمكن القول إنها توضح سبب ظهور الشمس المجنحة على المعابد والمناظر، وهناك من يذهب بأنها توضح الصراع بين مكانة ست وحورس الدينية في عهد الأسرة الثانية.

شارك الخبر على