«أنا حرة».. سردية القاهرتَين

ما يقرب من سنتين فى الإتحاد

أحمد عاطف (القاهرة)
دائماً ما يجسد الأدب التاريخ على طريقته الخاصة، ومن خلال تحليل رواية «أنا حرة» لإحسان عبدالقدوس يمكن نقل العلاقة القائمة بين قاهرة المعز القديمة والقاهرة الحديثة التي بناها الخديوي إسماعيل على الطراز الفرنسي، ووصف الانتقال والحركة المجتمعية بين القاهرتين في ذلك الوقت.وينقل لنا عبدالقدوس قصة القاهرتين في الوقت نفسه وأوجه الاختلاف بطريقة لا تنقلها الخرائط ولا الصور، بل عن طريق مسارات الأشخاص ومشاعرهم والحديث والتعمق في نفوس البشر، ليمنح بعداً جديداً لتلك الحقبة التاريخية وهي فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.وتحكي الرواية قصة فتاة تواجه صعوبة في تقبل التقاليد المجتمعية في القاهرة القديمة، وقررت الانتقال إلى القاهرة الجديدة -أو وسط البلد كما تسمى حالياً- بطرازها الفرنسي لتعيش مع والدها، وكانت تتنقل في زياراتها بين القاهرتين باستخدام «الترام».وخلال أحداث الرواية تحكي أمينة عن مشاعرها تجاه المدينة القديمة وتنظر للمدينة الجديدة كأساس للتطور والمدنيّة، ولكنها في النهاية ترمي أحلامها وراء ظهرها وترضى بالعيش مع شخصية «عباس».ويقول الدكتور مجيب الرحمن عامر، الأستاذ بمدرسة غرونربل الفرنسية للهندسة المعمارية، إن الشق المعماري والاجتماعي للرواية يكشف لنا عن تفاصيل تحولات تلك الحقبة، فقد وصفت الرواية المتغيرات الاجتماعية والتحول من نظام الفيلا الواسعة التي تحيطها مساحة كبيرة من الأرض إلى نظام العمارات الرأسية بالقاهرة القديمة ومن بعدها العقارات الأكثر ارتفاعاً بالقاهرة الحديثة، وكانت دلالة ذلك وصف عبدالقدوس لفضاء السرد في الشقة التي تعيش فيها أمينة.كما ظهر أيضاً شكل ملابس المصريين في تلك الفترة وتباينها ما بين العباءة التقليدية والملابس البسيطة في القاهرة القديمة، والفساتين القصيرة نسبياً للنساء والبدلة والكرافتة للرجال في القاهرة الجديدة، مع دخول واضح للثقافة الغربية تزامناً مع دخول شركات الملابس الأوروبية.وتوضح رواية «أنا حرة» الفارق الزمني والحضاري الكبير بين القاهرتين، فيمكن أن نستدل من جملة: «كانت سعيدة بوجود المصعد الكهربائي» مثلاً على أن أمينة بطلة الرواية لم تجرب المصعد إلا في عام 1936 وقت أحداث الرواية، على رغم أن أول مصعد كهربائي ظهر في مصر مع نهاية القرن التاسع عشر.ويضيف أستاذ المعمار لـ«الاتحاد» أن الرواية وصفت أيضاً أهمية مدينة باريس وجاذبيتها عالمياً في تلك الحقبة، حيث كتب عبد القدوس: «كانت سعيدة بوجود الأجانب حولها في القاهرة الجديدة وكأنها انتقلت من مصر إلى باريس»، وهنا تأتي دلالة وضع مصر بالكامل في مقارنة مع مدينة باريس، حيث يوضح عامر أن هذا يتماشى أيضاً مع جملة صادرة عن المفكر وجدي وهبة هي: «أن تتكلم الفرنسية معناها أن تعرف القاهرة وطنك، ولكن عليك أن تؤمن بأن باريس هي عاصمة الدنيا كلها»!

شارك الخبر على