رحيل دراغي وانتخابات مبكرة.. كيف عبثت حرب أوكرانيا بإيطاليا؟

ما يقرب من سنتين فى تيار

بعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي ودع مجلس العموم (البرلمان)، الأربعاء، تقدم رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي بالاستقالة من منصبه، حيث وافق الرئيس سيرجو ماتاريلا عليها هذه المرة، طالبا منه قيادة حكومة تصريف أعمال، بعد رفضه طلب الاستقالة الأول قبل أيام قليلة.
وقرر الرئيس الإيطالي إثر ذلك حل البرلمان بعد استقالة الحكومة، وإجراء انتخابات مبكرة في 25 سبتمبر المقبل.
وجاءت استقالة دراغي غداة إعلان 3 أحزاب منضوية في الائتلاف الحكومي، الأربعاء، أنها لن تشارك في تصويت الثقة بحكومته، بعدما فشلت مفاوضات كانت تهدف لإيجاد أرضية مشتركة بين كافة الأطراف.
ويتوقع مراقبون على ضوء استطلاعات الرأي وعلى وقع أزمات داخلية وأوروبية من جراء الحرب الدائرو في أوكرانيا، أن الأحزاب والقوى اليمينية المتشددة قد تحرز نجاحات خلال أي انتخابات مبكرة تشهدها إيطاليا بعد استقالة دراغي، وسط مخاوف من دخول البلاد أزمة سياسية إلى جانب الاقتصادية، تزيد الأوضاع اضطرابا وضبابية.
فقد توقع وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي لورانس بون، أن تفتح استقالة دراغي الباب أمام "فترة إرباك "، معتبرا أنها ستكون بمثابة خسارة "أحد أعمدة أوروبا".
ووفق محللين، فإن الرجل الذي دخل عالم السياسة الإيطالي من بوابة الاقتصاد سرعان ما اصطدمت جهوده لقيادة التعافي الاقتصادي لثالث أكبر اقتصادات منطقة اليورو من تبعات أزمة كورونا، باندلاع ما توصف بأكبر وأخطر أزمة أوروبية ودولية منذ الحرب العالمية الثانية، وهي الحرب الأوكرانية، مشيرين إلى أنه "في حال استمرار الحرب الأوكرانية لمدة طويلة وتصاعد الأزمات الاقتصادية من جراء ذلك في مختلف البلدان الأوروبية، قد نشهد سقوط رؤساء حكومات آخرين".ويقول الدبلوماسي السابق والخبير بالشؤون الدولية مسعود معلوف إن "الاقتصاد إجمالا في الدول الغربية هو العنصر الرئيسي في تحديد أمزجة الناس الانتخابية وخياراتهم السياسية، كونه يطال حياتهم اليومية ومستقبلهم المهني والمعيشي. مع تراجع الاقتصاد في البلدان الأوروبية والغربية الأخرى وارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار بشكل قياسي، لا سيما الطاقة ومشتقاتها من بنزين وديزل وغاز، ينعكس ذلك سلبا بطبيعة الحال على مختلف القطاعات الإنتاجية والصناعية والحياتية".
لهذا يضيف معلوف في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "نشهد على التوالي رحيل رئيسي حكومتي بلدين يعدان من أهم البلدان الأوروبية، هما جونسون والآن دراغي".
فهل يمكن اعتبار أن الأزمة الأوكرانية وتداعياتها كانت عاملا حاسما في تحديد مصير القائدين البارزين؟
يجيب معلوف: "علينا عدم إغفال معطى بالغ الأهمية، وهو أن لا أحد تقريبا من المطالبين والمتحمسين لرحيل جونسون ودراغي يدعو لإعادة النظر بسياسات لندن وروما تجاه موسكو وحربها في أوكرانيا، فأسباب رحيلهما داخلية بالدرجة الأولى وإن كان لا يمكن بالطبع استبعاد دور الأزمة الأوكرانية وتداعياتها الكارثية، لا سيما الاقتصادية منها على مختلف بلدان العالم، وتأثيرها ولو جزئيا فيما حدث".
ولدى سؤاله عما إذا كان بإمكان الحرب الأوكرانية وما خلفته من أزمات عالمية إطاحة المزيد من قادة الدول الغربية، رد الدبلوماسي السابق قائلا: "محتمل جدا في هذا الإطار أن تكر السبحة، وأن يكون مثلا المستشار الألماني أولاف شولتز ثالث القادة الغربيين الذين يرحلون قبل إتمام مدد حكوماتهم، كما توحي المؤشرات هناك".
ويختم معلوف: "يبدو الغرب كما لو كان يراهن على طول أمد الحرب واستنزاف روسيا وإيصالها لنقطة الإنهاك والعجز عن تمويل آلة الحرب، وفي غضون ذلك ستكون الكلفة باهظة بلا شك على الاستقرار السياسي والاقتصادي للعديد من دوله، لكن رغم كل ذلك فإن السياسات الأوروبية والغربية عامة ستبقى ثابتة ورافضة للحرب الروسية، كون الخطر الذي تمثله أطماع موسكو الأوروبية ومواجهتها وعدم الرضوخ لها تبقى أولوية لدى تلك الدول".وفي السياق ذاته، يقول الكاتب والباحث في العلاقات الدولية طارق سارممي إن هذه الاستقالة بعد استقالة جونسون "تبدو مؤشرا على أن الحرب في أوكرانيا باستطالاتها وتداعياتها الرهيبة في أوروبا وحول العالم، بدأت تؤثر بشكل بالغ ليس فقط في التوازنات السياسية الدولية، بل وداخل كل بلد على حدة. ليس من المبالغة القول إن جونسون ودراغي ذهبا ضحية الأزمة الأوكرانية، بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع سياساتهما ووجهة نظرهما منها".
ويردف سارممي لموقع "سكاي نيوز عربية": "إيطاليا بلد محوري بطبيعة الحال في الاتحاد الأوروبي، وما يحدث فيها من تحولات وتغييرات سيؤثر بشكل كبير على طبيعة المقاربات الأوروبية للصراع الروسي الأوكراني، وسيدفع لمراجعتها وتعديلها. واضح تماما أن البلدان الأوروبية هي من يدفع الثمن الأكبر من جراء استمرار الصراع".
وتولى دراغي رئاسة حكومة وحدة وطنية مطلع عام 2021، مهمتها التصدي لجائحة كورونا المستجد والأزمة الاقتصادية الحادة التي نجمت عنها، التي سرعان ما أطلت برأسها مجددا وبشكل أكثر حدة وشمولا على وقع الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو.
وكان دراغي قد شغل منذ عام 2011 منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي، وعلى مدى 8 أعوام.

شارك الخبر على