الآباء والأبناء وحركة الزمن

ما يقرب من سنتين فى الإتحاد

لا نقصد منها المقارنة بقدر ما هي حالات من التفكر والتدبر بين حالنا كأبناء مع الآباء والأمهات، وبين حال أبنائنا معنا كوالدين جدد في زمن جديد ومختلف، كيف تبدل الحال وتغيرت الأحوال من بسيط الأشياء حتى ثقالها، الابن قديماً كان من المستحيل أن يلوك لبانة في فمه أمام والده، ناهيك عن تناول البزر الذي كان يسميه الأهالي «حَبّ الفساد» لأنه يفسد الأولاد، كان مستحيلاً أن يضع يديه في جيوبه أمام معلمه أو يمشي قبل الإنسان الذي هو أكبر منه أو يرفع صوته في حضور جمع كبير أو يظل يتهامس مع آخر في جلسة، حتى القرفصة في مجلس الرجال معيبة، وعليك أن تثني رجلاً وتكبّ الثانية، هي جلسة الرجال ولو استمر المجلس لساعات، الفرشغة ومد الرجل ليس من طبع الرجال، ولا من آداب مجالسهم، كثيرة كانت التحذيرات والتنبيهات والعين الحمراء والزجر أو لسعة العصا، لا تستطيع أن تحتج على نوعية الأكل أو تبدي رأيك في وجبة معمولة في البيت أو تزعل من الأكل لأي سبب، سيكب القدر وتبات بالجوع، الضحك أو فك النطع سيجازى بلطمة، وهناك عبارات يكسبها الطفل من الأمهات والجارات، لكنها إن حضرت في جلسة الرجال، عُدّ ذلك «منقوداً أو عيباً، وعلى الرجال تصحيح ملافظه باللين والزجر».اليوم.. حين تخلى الكثير من الأبناء عن اللغة العربية، وغابت اللهجة المحلية، حضرت اللغة الأجنبية بمصطلحاتها وتعبيراتها اليومية، وهي لا تمتّ لثقافتنا في شيء، ولا تمثل هويتنا، ولو كانت الهوية الجديدة والمختلفة.أصبحت الأمور أشبه بالعائمة أو الهائمة، اليوم لا يمكن أن نأمر الولد بجلب شيء إلا إذا سبقنا جملتنا بـ«من فضلك أو إذا سمحت»، ونثنيها بالشكر على تلطفه ومساعدته، طبعاً بالإنجليزية والفرنسية أهون على النفس، هي أمور جميلة تحدث بين الأجيال المختلفة في الحياة، لكنها علينا وفي مجتمعنا وبلغتنا تبدو ثقيلة، ومستغربة، صحيح اختلفت صورة الوالد الآمر الناهي الزاجر والغاضب، وصورة الولد في الزمن القديم الذي يعمل ويساعد وينجز وهو في عمر السابعة والثامنة عن الطفل اليوم المدلل كثيراً، والاتكالي كثيراً، وغير متحمل المسؤولية منذ صغره، لذا كثرت المرادّات بين الأبناء والوالدين، ومواجهة السؤال بسؤال، فإذا انتقيت واحداً من أولادك وطلبت منه أن يقوم ويجلب شيئاً، سيرد عليك: لماذا أنا من دون إخواني؟ فتحاول أن تترجم له جملة «لأنك نافع، ومب هِيزّ مثل أخوانك» المحلية إلى الإنجليزية، فلا تتسع لها، ولا تقبلها كمصطلح من مفرداتها اليومية المستعملة، ولا يقتنع الابن كثيراً، تماماً كيف تقنع الولد الآن أن «الجونكام» أو العلكة عيب في فم الولد؟ ووضع اليدين في الجيبين، محتاج لتفسير منطقي ليقتنع، فقط هناك ميزة جميلة بين جيل الآباء والأبناء أنهم أصبحوا أقرب، وعلى تواصل ومحاولة لفهم الآخر، بحيث أصبح الولد ليس بحاجة ليكبر ليصاحبه الأب، على مبدأ: «إذا كبر ولدك خاويه»!

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على