هل فات أوانُ التسوية المتوازنة؟

ما يقرب من سنتين فى الإتحاد

يبدو أي حديث عن تسامح في قلب حربٍ تأكل الأخضر واليابس ضرباً من التحليق في عالم ما بعد الخيال. لكن هل صار البحث عن تسوية متوازنة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية خيالياً أيضاً؟ وهل فات أوانه أم أن ثمة فرصة ما زالت باقية؟ سؤالٌ مُختلَفٌ على جوابه.
كفةُ مَن يعتقدون في صعوبة التوصل إلى تسوية متوازنة تبدو أرجح. لكن مَن لم يفقدوا الأمل في حلٍ ينقذ العالَم من الأزمات الناتجة عن هذه الحرب يُعوِّلون على الخط الذي مازال مفتوحاً بين كل من فرنسا وألمانيا وروسيا.
لكن الأمل الباقي لديهم يبدو محصوراً في إيجاد صيغة تحفظ ماءَ وجه روسيا من ناحية، والغرب ومعه أوكرانيا من الناحية الثانية، فلا يكونُ هناك منتصر بشكل كامل ولا مهزوم بشكل كلي. ويتطلب إيجاد مثل هذه الصيغة عملاً ديبلوماسياً غير تقليدي ينطوي على نوع من الإبداع لتركيب صيغة حلٍ يصعب أن يكون عادلا بالنسبة إلى الجميع، لكنه قد يكون غير ظالم لهم. العدل وعدم الظلم ليسا متطابقين في عالمنا الذي تؤدي تعقيداته المتزايدة إلى إضفاء معانٍ جديدة على مفاهيم قديمة.
ومفهوما العدل والظلم قديمان قِدم تاريخ البشرية. لكن بعد أن كان تحقيق العدل يعني عدم الظلم، صارت هناك مسافة بينهما تقعُ في منطقة تماسٍ بين الواقع والإدراك.
وصار جائزًا، بالتالي، أن يسعى وسطاءٌ في أزمةٍ شديدة التعقيد إلى طرح صيغة لا تُحقِّق عدلا كاملا بسبب استحالته في ظروفها، لكنها لا تخلق شعورا لدى أحدهما بأنه مظلوم ظلماً فادحاً. والهدف هو تجنب أن يخلُق الشعورُ القويُّ بالظلم نزعةً انتقاميةً تؤدي إلى استدامة الصراع، فتكون التسويةُ في هذه الحالة أقربَ إلى هدنةٍ مؤقتة منها إلى حلٍ يتيح الانطلاق صوب مرحلة جديدة. ولا ينطبق هذا على أوكرانيا فقط، رغم أنها تخسر كل يوم المزيد من الأراضي في الجنوب والشرق.
فهناك في الغرب مَن يدعو إلى مواصلة الحرب لاستنزاف روسيا، سعياً إلى إضعافها. ويتبني اتجاهٌ في الأوساط الأكاديمية والإعلامية الغربية هذا الاتجاه، والذي عبر عنه على سبيل المثال كل من آن بلباوم وكيسي ميتشيل في مقالتين بمجلة «ذي أتلانتيك»، وبنيامين ويلس في معهد بروكينجز، وغيرهم. ولعل هذا ما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التحذير من السعي إلى إذلال روسيا.
ويعرف ماكرون، وغيره من السياسيين الأكثر تعقلاً في التعامل مع الحرب الأوكرانية، أن إعادة الاستقرار إلى أوروبا تتطلبُ وضع حدٍ للجموح الذي يدفع العالَمُ كلُّه ثمناً فادحاً له الآن، وتهيئة المسرح للتحرك من أجل تسوية لن تكون عادلةً، لكنها ربما تتيح لكل طرف أن يجد فيها ما يحفظُ ماءَ وجهه، فلا يشعر بالظلم إلى الحد الذي يؤدي إلى تشكل نزعات انتقامية. وبهذا المعنى ربما لا يكونُ وقت التسوية التي تنطوي على شيء من التوازن قد فات، إذا بُدئ في التحرك من أجلها اليوم وليس غداً.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على