أنا مخنوق

ما يقرب من ٧ سنوات فى التحرير

قال لي صديقي الذي كان من حزب الكنبة ولكن حرَّكته ثورة يناير ونزل في كل الانتخابات اللاحقة، لو أبويا كان نازل الانتخابات مش نازل أعطي صوتي، وهذا قرار نهائي حتى آخر حياتي، لن أجتمع مع صندوق انتخابات تاني، أصبح يمثل لدي نجاسة لا يجوز الاقتراب منها ومش حينفع معاها سبع مرات غسيل أولاهن بالتراب.

في تجمع عائلي مبهج حصل ثلاثة من أبناء العائلة على درجات تؤهلهم لكليات الهندسة، صدمهم أحد الحضور، لا يجب أن تفرحوا كثيرا فليس هذا نهاية المطاف، فمستقبلكم غامض، وقال لهم لو وجدتم فرصة سفر الآن للخارج فلا تضيعوها، ولم يترك لهم فرصة التفكير وسأل أحد أفراد العائلة من خريجي كلية الهندسة، والذي يعمل في شركة براتب معقول، لو خيروك بين تخليك عن الشهادة الجامعية وفرصة سفر للخارج هل ستوافق، فقال له بلا أدني تفكير أنا ممكن أتخلى عن كل شهاداتي بما فيها الإعدادية وأخرج من هذا البلد إلى بلاد الفرنجة.

وتابع المحاور ابن خالتكم يحصل على ثلاثة آلاف جنيه في الشهر بعد عمل 12 ساعة بما يساوي 160 دولارا هذا أجر أقل الناس تعليما في أمريكا أو أوروبا في يوم واحد وليس في شهر وعلى هامش هذا الحديث قال لهم إن أحد أصدقائه في أمريكا عمله أنه يطلق التسمية في مذبح خاص بالمسلمين على الشريعة الإسلامية وأجره في الساعة 10 دولارات، وقال لهم إن الأجر هو آخر حاجة ممكن نتكلم عنها في ظل نظام صحي وتأميني وأمني في أعلى مستويات الكفاءة، فالحياة بلا كرامة وبلا إحساس بالأمان، ولا إحساس بتكافؤ الفرص هي حياة بائسة، فشهادة الهندسة لن تحميك إذا دخلت إلى قسم شرطة في مشكلة مع أحد الناس المهمين بسبب حادث تصادم أو أي مشكلة أخرى.

في أحد حواراتي مع بعض شباب العائلة من حديثي السن، فاجأتني الإجابات، قال أحدهم سأكون سعيدا لو احتلتنا دولة أجنبية، فلن يظلمونا وينهبوا ثرواتنا كما تنهب الآن، على الأقل سنكون متفقين على أنها دولة احتلال، أما أن يسرقنا أبناء الوطن ويزايدون علينا في الوطنية ويتهموننا بالخيانة ويطلقون علينا ذئابهم المنفردة في الإعلام المسموم فهذا قمة العبث، ولم يتردد في لعن سلسفيل سعد زغلول على مصطفى كامل على محمد فريد، وأردف قائلا إحنا مش عارفين ندير وكنا مديونين لإنجلترا، جبنا مدير أجنبي عملنا سكة حديد وطرق وظبط البلد، وبعدين المدير الأجنبي كان ماشي ماشي، وقالي على سبيل المثال شوف جنوب إفريقيا فين واحنا فين مش كانت محتلة دي ولا ماكانتش محتلة، في لحظة ما اتفقوا وجه نلسون مانديلا وشارك الرئاسة مع الأجانب وتوالت الإدارات، مع العلم أن إدارة المواطنين للبلاد أقل كفاءة من الأجانب، بس كانت انطلقت للأمام وتعلمت الديمقراطية ومارستها على أصولها الغربية.

قال أحدهم، إن هدفه الأسمى الهجرة لألمانيا، ولو ماكانش فأي دولة غربية، فالفضول الممزوج بالغضب أخذني وقلت له ولو مافيش إلا إسرائيل حتذهب، قال بلا تردد، نعم وحكى عن صديقه على النت من عرب 48 ومدى سعادته بدولته وجنسيته، ووضعه المالي والاقتصادي والصحي هناك وقاله لعلمك معظم الخليجيين بييجوا يتعالجوا عندنا في إسرائيل؟!

صديقي الحاصل على الجنسية الأجنبية وهو قادم إلى مصر قال لي أول مرة أكون نازل مصر ومصر مش وحشاني، أرسلت له على الواتس أغنية فيها حاجة حلوة بالمصري والأمريكاني، حيث غناها جنود البحرية الأمريكية في إحدى الزيارات المصرية لهم، قالي هي فين الحاجة الحلوة دي.

قالي مصر سمعتها أصبحت سيئة للغاية بره، وقالي إحنا أصبحنا فاشلين قوي، وقالي قناة الجزيرة الإنجليزية هي القناة الوحيدة التي تدرجها الفنادق في أوروبا داخل قائمتها وهي أيضا الموجودة من القنوات العربية داخل أمريكا، ومعلومات الغرب وانطباعاتهم عن مصر بياخدوها من الجزيرة.

فقال صديق ثالث، لأن قطر بتدفع واحنا فقرا قوي، قاله الغرب مابيتعاملش كده، الفندق بيقدم لنزلائه ما يطلبونه بناء على أبلكيشن واستفتاءات تحدث بانتظام، واحنا إعلامنا أصبح سيئا للغاية، مين حيفكر بره يطلب يتفرج على "صدى البلد" ولا حتى "أون".

بالطبع ليس كل الشباب يفكر بهذه الطريقة، ولكني لاحظت فجوة كبيرة بين نظام يحكم، وشعب يحلم، أو كان يحلم أحلاما كبيرة، وهدمت فجأة.

بعد أن كان يحلم بأن مصر ستصبح أم الدنيا، أصبح فجأة كل أحلامه إنها تفضل دولة، أو أنها خرجت فعلا من عداد الدول إلى أشباه الدول، أصبح يدعو الله أن لا يبتليه بمرض عضال، لأنه لن يستطيع الحصول على علاج محترم وبكفالة تأمينية. 
الميسورون جميعا لا يتعالجون داخل مصر حتى ولو في مستشفياتها الخاصة الخمس نجوم، لا توجد ثقة في أي شيء، السيستم واقع، البرنامج مهنج.

ما جعلني مخنوقا، هو عدم قدرتي على المجادلة أو إعطائهم الأمل بأن الأمور ممكن تتغير وقابلة للتحسن، وأن نتقدم مثل ماليزيا أو سنغافورا، وأننا بلد ولّادة، وفيها خيرة الشباب، وقادرين على تحدي الصعاب، والتقدم بهذا البلد.

يواجهونني بتقارير وأرقام مرعبة، عن وضع مصر في الفساد وفي الشفافية، وفي معايير القضاء العالمية، وعن تحذير الدول الغربية لسياحها إلى مصر، أنه لا يوجد أمان لسير السائحة منفردة، ومصر في أوائل التصنيفات من هذا النوع.

أضرب لهم أمثلة بناس ناجحة وعايشة، يضربولي أمثلة بناس تانية تتراجع تتقهقر وتتردى معيشتها، بعد مرض مفاجئ يعتري أحد أفراد الأسرة فتصرف كل مدخراتها على شفائه، أو تجارة كاسدة تخرج صاحبها من الميسورين إلى المعوزين، وقال أحدهم عن صديقه المالتي مليونير الذي جهز أوراقه للهجرة إلى أمريكا، ووقف أمامه عائق أنه متزوج من زوجتين.

وهذا ضد القانون الأمريكي، وانضم إلى عداد المخنوقين، فالفقر ليس السبب الوحيد للقهر وعدم الرضا.

وقالي إنت لو قربت من هؤلاء الناجحين اللي بتقول عليهم، وناقشتهم حتلاقيهم مش مبسوطين، أو بيحاولوا مايفكروش كتير وعايشين يوم بيوم، وفي النهاية بيحاول يدور لابنه على دراسة في الخارج، وقالي إذا كان الناس الموجودون في دوائر السلطة المختلفة مش واثقين وبيعلموا ولادهم في الخارج، وقالي مش عايز أقول على أسماء الناس المهمة اللي كل ولادهم بره، وهما رجل هنا ورجل هناك، ويمتلكون عقارات وجنسيات هناك ويستعدون للهروب في أي لحظة.

واحد حيقولي إنت واحد مخنوق، تخنقنا معاك ليه؟

ماحنا موجودين في حفرة ولو مافكرناش نخرج منها إزاي حتتردم علينا، ليس أمامنا إلا التفكير في الخروج، ليس الهروب للخارج، ولكن خروج الدولة من تلك الحفرة.

وبعدين لو قعدت مخنوق لوحدي، حموت كمدًا، وعلماء النفس قالولك لازم تفرغ الشحنة الموجودة، والمثل المصري بيقول القفة اللي ليها 90 مليون ودن، لازم يشيلوها كلهم مع بعض، وبعدين ممكن الناس تدخل تعلق وتخرجني وتخرج الآخرين من تلك الخنقه، ربما تقنع الشباب من نوعية الذين ناقشتهم بالخروج من أزمتهم النفسية، أعينوني بحجج وبدائل، أواجه بها هؤلاء الشباب.

اللهم يا مفرج الكروب فرج همومنا، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وتجعل الحزن إذا شئت سهلا، لا ملجأ منك إلا إليك يا رب العالمين.

شارك الخبر على