عبدالأمير نعمة سيارة للجيش البريطاني سقطت بعين القصاري
حوالي سنتان فى البلاد
استحداث طريقة لغسل الملابس عن طريق طبخها في قدر
ضرب الملابس الملونة المتسخة بالحصى وسقوط أزرارها و ”البيزات”
في أجواء مثقلة بعبق رائحة البساتين وضحكات الطفولة، وفقاعات الصابون، بدأنا حديثنا مع أصغر القصارين (والقصار تعني مبيض الثياب) في البحرين عبدالأمير نعمة حول ذكرياته عن هذه المهنة وكل ما يتعلق بها.
البداية
قال عبدالأمير إنه بدأ مهنة القصارين في الخمسينات من القرن الماضي، وكان عمره حينها 9 سنوات، مع والده وأخيه عبد الكريم، الذين بدأوا من قبله في ثلاثينات القرن الماضي، مع مجموعة جيران الحي، وكذلك ومجموعة كبيرة من أهالي البلاد القديم الذين امتازوا بهذه المهنة عن غيرهم من المناطق في البحرين، ومنهم الحاج ميرزا الصفار، عبدالله وإبراهيم الرأسماني، منصور بن علي بن جاسم، خميس بن أحمد، علي الزنجاوي، عبدالله علي حسن، علي بن علي البلادي، علي عبدالله نعمة، عبدالكريم وعبدالأمير علي، ومنصور الشمروخ.
وذكر أن موقع جلوسهم في العين كان يتوسطها، ولكل شخص أو مجموعة مكان مخصص له للعمل، حيث يتم وضع الملابس والعمل عليها من السادسة صباحًا إلى المساء.
وأضاف أن الجالية الهندية كانت مسيطرة بشكل كبير على أجزاء كبيرة من العين، حيث كان أغلبهم من (دوبي غات)، وهو أكبر حي من نوعه بالعالم متخصص بغسل وكي الملابس في مومباي في الهند.
وأشار إلى أن عمله في البداية كان يقتصر على جلب الملابس من البيت وإلى العين بمساعدة أخيه، وبعدها تطور مع الأيام.
طريقة الغسيل
وذكر أن عملية الغسيل لم تكن سهلة أبدًا، حيث يستخدم فيها صابون خشن ويأتي على هيئة مستطيلات تسمى “القالب”، حيث يتم وضع الملابس في إناء يسمى “الطشت” يُملأ بالماء والصابون مع فرشاة للغسيل.
وقد تم استحداث طريقة جديدة فيما بعد لغسل الملابس، تسمى “طبخ الملابس”، يتم فيها وضع الملابس البيضاء فقط والماء والصابون في شيء يشبه القدر، بعدها يتم إشعال النار من تحت، لتتصاعد الأبخرة التي تساعد في عملية إزالة الأوساخ والحصول على غسيل نظيف.
وأوضح أن الملابس الملونة يتم التعامل معها بشكل خاص، حيث يتم ضربها بالحصا الموجودة بالقرب من العين، إلى أن تزال الأوساخ العالقة فيها، وقد تسقط في كثير من الأحيان الأزرار الخاصة بالملابس بالإضافة إلى مجموعة من القطع النقدية من فئة البيزة، حيث يتهافت الصغار إلى جمعها من داخل الماء.
بعدها يتم وضع الملابس المغسولة على الحبال الموجودة هناك حتى تجف إلى اليوم التالي، حيث توضع في اتجاه واحد يدل على أن هذه الملابس تابعة إلى الشخص الفلاني.
وبين أن الحال المعيشي كان في تلك الفترة ليس بالجيد، ومع ذلك، فإن الزبائن يقومون بجلب ملابسهم من أجل الغسيل، حيث يستمتعون بالعناية المقدمة لهم مقابل 100 فلس، على اختلاف الأقمشة التي كانت تبين الحال المعيشي الذي يعيشه صاحب القطعة، فالأقمشة تعرف بصاحبها، مثل قماش “اللاس” والذي يمتاز بسعره المرتفع مقارنة ببقية الأقمشة، ولونه الأصفر ، والذي اختفى من الأسواق منذ فترة طويلة.
وأشار إلى أن تمييز ملابس الزبائن تكون عن طريق وضع علامة على كل قطعة ملابس تصلنا، بطريقة مرقمة، باستخدام نوع من أنواع الشجر يسمى “ النيل” ، الذي كان يجلب خصيصًا من الهند، لعدم وجود هذه الشجرة في البحرين.
وأردف أن هذه الشجرة تحتوي على مادة حبرية تبقى حتى بعد الغسيل، وهذا ما كان يساعدنا وينظم تعاملنا مع الزبائن، ويبعدنا عن المشاكل وفوضى الغسيل.
محط أنظار
وذكر أن أهم ما يميز العين والذي جعلها محط أنظار الناس، هو كبر مساحتها وضخامتها بالإضافة إلى مستوى الماء الذي كان أعلى ارتفاع من بقية العيون، حيث يصل إلى منطقة النعيم، مرورًا بالمناطق المحاذية، وكذلك موقعها الاستراتيجي كونها تقع في وسط البحرين، مما جعلها مشهورة ويقصدها الكبير والصغير والمواطن والمقيم في تلك الفترة.
وقال، كان من ضمن الزوار مجموعة كبيرة من الأجانب الذين كانوا يزورون العين خصيصًا لالتقاط الصور والتنزه في أنحاء العين.
ذكريات
وتابع أنه يحمل ذكريات جميلة جدًا عن العين ، لقد كنت أستغل كل وقت للسباحة في جميع أنحاء العين وقضاء وقت ممتع مع بقية الأطفال، حيث نتراشق بقطرات الماء، فكان شعور الراحة لا يفارقنا، وجمالها في حضور البساتين بخضرتها ورونقها وعذوبة نسمات صباحاتها لا يوصف، خصوصًا في وجود الأهالي من النساء الذين يأتون لغسل ملابسهم مصطحبين أبناءهم الصغار.
مخاطر
ويتذكر عبدالأمير موقفا لا ينساه، حيث دخل مرة إلى وسط العين دون علمه بأن هناك نبعًا داخليًا، فأوشك على الغرق، لولا تدخل أحدهم وقام بإنقاذه. وكذلك وجود الشارع العام المطل للعين الذي على الرغم من بطء وقلة السيارات فيه، إلا أنه كان يشكل خطرا على المارة والعابرين من خلاله إلى العين، حيث نزل العديد من السيارات في العين، عن طريق التصادم بعضها ببعض.
وأشار إلى أن من أبرز السيارات التي سقطت في العين والتي شهد حادثة وقوعها، هي سيارة تابعة للجيش البريطاني والتي حملت بداخلها اثنين من الركاب، وخلّف الحادث إصابات بسيطة للراكبين، وأخرجت السيارة فيما بعد في الصباح الباكر.
جفاف العين
ولفت عبدالأمير إلى أن العين جفت في نهاية الستينات من القرن الماضي، مما جعل أغلب العاملين فيها من المواطنين يتجهون إلى أعمال أخرى، بينما قام الهنود بالانتقال إلى منطقة السويفية بجانب النعيم، حيث شيدوا لهم أحواضا خاصة تستخدم للغسيل لمرة واحدة، ليتم استبدالها في الغسلة الثانية.
وذكر أنه انتقل مع والده وأخيه في سبعينات القرن الماضي إلى نهاية التسعينات، للعمل داخل منطقة البلاد القديم، من أجل مزاولة المهنة ذاتها، حيث قام والدهم بشراء قطعة أرض، وتم بناؤها بطريقة أحواض للغسيل، مشابهة إلى شكل العين، وقد استقطبت المغسلة عددًا كبيرًا من الزبائن من الرجال والنساء حتى غسلوا ملابس لأطفال صغار خصوصًا من منطقة البلاد القديم والمنامة وضواحيها وذلك حتى نهاية عام 1994، وقد كان معهم 9 هنود لمساعدتهم في تدبير الأمور.
واختتم عبدالأمير نعمة مبينا أنه انخرط بالعمل في وزارة الصحة بقسم التعقيم منذ سنة 1980، حيث عمل هناك لمدة 30 سنة، وفي الوقت ذاته كان يساعد والده وأخيه في العمل في المغسلة، مؤكدا انه يفتقد أجواء العين وذكرياتها الدافئة حتى اليوم.