في ذكرى وفاته.. محطات في حياة مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا

ما يقرب من ٧ سنوات فى التحرير

في الثاني من أغسطس من عام 1849م توفى والي مصر محمد علي باشا، وذلك بعد أن استمر في الحكم نحو 43 عامًا قام خلالها بعدد من الإصلاحات في جميع النواحي، حتى أصبح مؤسس مصر الحديثة، واستطاع توسيع حكمه إلى السودان، وفي بعض الأوقات إلى الشام حتى اتفاقية لندن 1840م التي حدت من توسيع فترة حكمه.

محطات في حياة محمد علي

ميلاده ونشأته

ولد محمد علي في مارس 1769، وذلك في مدينة قولة اليونانية من أسرة ألبانية، وكان والده إبراهيم أغا يشغل رئيس خفر الطرق في المدينة، ولم يتبق من الأبناء سوى محمد علي، وفي سن الـ14 كان يتيم الأبوين، ورباه بعد ذلك عمه طوسون أغا، وعندما توفى أخذه شوربجي "حاكم" قوله ورباه عنده، في تلك الأثناء التقى عنده بأحد الأشخاص كان فرنسي الجنسية وكان يزوده بعدد من النصائح والحكم التي استفاد منها محمد علي في حياته.

يذكر أن هناك شيحًا يتردد على بيت الحاكم وكان يعرف عنه تفسير الأحلام، فحكى له محمد علي حلمًا بأنه يشرب مياه النيل، لكنه لم يرتو، فبشره الشيخ بأنه سوف يمتلك وادي النيل يومًا، لكنه لن يكتفي وسوف يتطلع إلى ما هو أكثر.

وفي سن الشباب عرف عنه شجاعته وقوته، حتى وصلت سيرته إلى السلطان الذي جعله قائدًا على مجموعة من الجند، لمطاردة قطاع الطرق والجبال، وكلفه السلطان بتطهير البحار من القراصنة وبالفعل استطاع ذلك، وأراد السلطان أن يبقيه في بلاطه، لكنه فضل العودة إلى بلده.

وعند عودته وجد أن حاكم قولة لا يستطيع تحصيل ضرائب إحدى القرى، ولكن محمد علي استطاع السيطرة عليها، وتحصيل الضرائب المفروضة، وهنا بزغ نجم محمد علي، وزوّجه الحاكم من إحدى قريباته وكانت ذات ثروة واسعة، وأنجب منها 5 أبناء، ومنذ ذلك الوقت دخل محمد علي بماله في تجارة التبغ، وبدأت حياته تأخذ منحنى آخر، حتى جاء أمر السلطان العثماني بتجهيز حملة عسكرية إلى مصر لمواجهة الفرنسيين.

قدومه إلى مصر

طلب السلطان العثماني من حاكم قولة أن يجهز حملة عسكرية قوامها 300 جندي، وكان على رأس هذه الحملة ابن الحاكم، وتم استدعاء محمد علي بأن يكون في الحملة نائبًا لقائد هذه الكتيبة إلا أنه في بداية الأمر رفض عندما قارن حياته الحالية وبين حياة العسكرية والسفر والحروب، لكن بعد ذلك وافق على الانضمام إلى هذه الحملة.

ووصل محمد علي مع الحملة إلى أبو قير إلا أن قائد الحملة عاد مرة أخرى، وبذلك أصبح هو قائدها، وبعدها التحق برجال والي مصر "خسرو باشا"، بعدما أظهر من براعة وقوة عسكرية قام بترقيته إلى رتبة سار ششمه "تعادل لواء الآن".

ووجد محمد علي أن ميزان القوى تنحصر بين الإنجليز والمماليك والأتراك، واستطاع بعد ذلك بعمل بعض التدابير للوقيعة بين جميع الأطراف، حتى تم عزل خسرو باشا وتبعه خورشيد باشا الذي عين نائبا له بناء على طلب العلماء والمشايخ، وبعدها حدثت نزاعات بين اثنين من أمراء المماليك "محمد بك الألفي، وعثمان بك البرديسي"، استفاد منها محمد علي حتى طالبته الزعامة الشعبية بقيادة عمر مكرم بتولي عرش مصر وذلك في مايو 1805م وفي يوليو أقر الباب العالي سلطانه على مصر.

وأثناء صراعات مع أمراء المماليك أصدر السلطان العثمانى فرمانًا بعزل محمد علي من ولاية مصر، لكنه اجتمع مع العلماء والمشايخ الذين أرسلوا إلى السلطان طلبهم بالإبقاء على محمد علي، وبالفعل وافق السلطان مقابل مبلغ من المال، وبعدها استطاع محمد علي هزيمة المماليك في أسيوط حتى جاءت أخبار حملة فريزر.

السيطرة على مصر

وجد محمد علي نفسه أمام ثلاث قوى تمنعه من السيطرة التامة على مصر، حيث في فترة توليه الحكم دخلت حملة فريزر مصر في مارس 1807، التي استطاعت نزول الإسكندرية، واستمرت في زحفها إلى رشيد لكنها فشلت في دخولها أمام صمود الأهالي، وبعدها تمت محاصرتها واستمر الإنجليز في الزحف، حتى جهز محمد علي جيشه فأرسله إلى رشيد واستطاع الجيش هزيمة الحامية هناك، وكذلك طرد الإنجليز من الإسكندرية عقب مفاوضات نصت على خروجهم وتسليم الأسرى الإنجليز.

وبعدها رأى محمد علي أنه إذا أراد السيطرة على مصر بعد انتصاره على الإنجليز والمماليك هو التخلص من الزعامة الشعبية بقيادة عمر مكرم، فقام بجمع مجموعة من العلماء والزعماء، واستمال بعضهم بالهدايا والأموال، حتى طلب مقابلة عمر مكرم إلا أنه رفض، فعزله من نقابة الأشراف، وقام بنفيه إلى دمياط، وذلك في يونيو 1807.

وفي مارس 1811 دعا محمد علي مماليك القاهرة إلى وليمة يقيمها بمناسبة اختيار ابنه طوسون بأن يكون على رأس الجيش، الذي سيخرج لمواجهة الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية، وبالفعل جاء المماليك وأثناء خروجهم أطلق عليهم النيران فيما يعرف بـ"مذبحة المماليك"، ونزل جنود محمد علي للقضاء على المماليك في الأحياء المحيطة بالقاهرة، وبذلك سيطر محمد علي على حكم نصر منفردًا.

بناء مصر الحديثة

خلال فترة حكم محمد علي، استطاع أن ينهض بمصر عسكريًا وتعليميًا وصناعيًا وزراعيًا وتجاريًا، فأنشأ في عام 1820م المدرسة الحربية في أسوان، ومنها تم تخريج أول مجموعة من الجنود النظاميين في الجيش المصري، واهتم بإنشاء أسطول مصري قوي كانت بدايته من ترسانة بولاق وبناء السفن في أوروبا، وكانت مقتصرة في هذا الوقت على الإمداد والتموين، وبعد ذلك قام بإنشاء ترسانة الإسكندرية التي أنشأ فيها السفن الضخمة حتى توقف عن بناء السفن في أوروبا.

أمّا عن التعليم فاهتم محمد علي بهذا الجانب فقام بإرسال البعثات العلمية إلى الخارج، وكانت أول بعثة عام 1813م إلى إيطاليا، وقام بإنشاء المدارس العليا "الكليات" منها مدرسة الهندسة والطب والصيدلة والألسن والطب البيطري والفنون والصنائع، وفي عام 1837م أمر بإنشاء ديوان التعليم وإنشاء المدارس الابتدائية.

اهتم محمد علي بالنواحي الاقتصادية فأنشأ عددًا من المصانع مثل مصانع النسيج والحرير والصابون والزيوت وسبك الحديد والنحاس، وفي الزراعة قام بإنشاء العديد من القناطر والسدود، وجلب محاصيل وبذور النباتات من الخارج، وكذلك الاهتمام بزراعة القطن والأشجار.

حروبه واتساع حكمه

لم يكتف محمد علي بحكم مصر فقط، فبدأت حروبه عندما طلب السلطان العثماني منه مواجهة الحركة الوهابية بشبه الجزيرة العربية، وتحرك الجيش تحت قيادة ابنه طوسون، ولكنه لاقى هزائم متكررة فخرج محمد علي بنفسه على رأس الجيش في أغسطس 1812م، لكنه عاد بعد فترة وجيزة، وأرسل ابنه إبراهيم باشا لقيادة الجيش هناك، واستطاع إبراهيم هزيمتهم في موقعة الدرعية.

في 1820 تحركت حملة لضم السودان، استطاع فيها ابنه إسماعيل السيطرة على سنار، لكنه قتل في مؤامرة دبرها حاكم شندي، فتحركت حملة أخرى للانتقام لمقتل إسماعيل استطاعت السيطرة على شندي وبعد ذلك بفترة السيطرة على السودان.

في نفس العام كانت الدولة العثمانية تواجه مشاكل أمام الثوار اليونانيين، وطلب من محمد علي التحرك لإنقاذه، وذهبت حملة من الجيش المصري هناك، واستطاعت السيطرة على بعض المدن اليونانية، ولكن أمام تحالف أوروبي هزم الأسطول في معركة نافارين، وهنا رأى محمد علي فصل السياسة المصرية عن العثمانية، وعادت القوات في سبتمبر 1827.

كان محمد علي يطمح في الاستيلاء على الشام منذ بداية توليه الحكم لأسباب اقتصادية واستراتيجية، وكانت البداية عندما طلب من السلطان العثماني أجزاءً من الشام لاستطاعة مواجهة الحركة الوهابية، لكنه لم يستطع الحفاظ عليها، وبعد ذلك أرسلت حملات على بلاد الشام على 3 مراحل، استطاع فيها السيطرة على عدد من المناطق هناك، لكنها انتهت بمعاهدة لندن 1840، التي أقيمت للحد من توسع نفوذ سلطان محمد علي باشا.

وفاته

في عام 1844م بدأ محمد علي يصبح مشوش الذهن بسبب الأمور التي حدثت في نهاية فترة حكمه، وكذلك مرض ابنه إبراهيم باشا، ويقال إنه أصيب في أواخر ايامه بمرض ألزهايمر، وبعد وفاة ابنه إبراهيم، توفي محمد علي بقصر التين بالإسكندرية في 2 أغسطس 1849 م، ونقل جثمانه إلى القاهرة، ودفن في الضريح الموجود داخل جامعه بقلعة صلاح الدين.

شارك الخبر على