المرتضى منح باسم رئيس الجمهورية الراحل نزيه كبارة وسام الاستحقاق الفضي تقديرا لخدماته الثقافية وزارة الثقافة حزينة لفقدانه لانه العلامة الثقافية البارزة في الفيحاء وكل لبنان سحابة عقود طويلة

أكثر من سنتين فى ن ن أ

وطنية - طرابلس - رعى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، الاحتفال التأبيني الذي أقامه المجلس الثقافي للبنان الشمالي لرئيسه الدكتور نزيه أديب كبارة.
 
كان في استقبال المرتضى عند مدخل الرابطة الثقافية في طرابلس حيث أقيم الاحتفال، ثلة من عناصر قوى الأمن الداخلي الذين قدموا له التحية عند وصوله. وشارك في الاحتفال الوزير السابق رشيد درباس، الوزير السابق اللواء أشرف ريفي ممثلا بكمال زيادة، نقيبة المحامين في طرابلس والشمال ماري تريز القوال، المدير العام لوزارة الثقافة الدكتور علي الصمد، رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق، المدير العام لمستشفى طرابلس الحكومي ناصر عدرة، جميل عبود ممثلا "مشروع وطن الإنسان" ،الزميل الإعلامي إبراهيم عوض ممثلا رئيس المجلس الوطني للاعلام عبد الهادي محفوظ، الأمينة العامة السابقة للجنة الوطنية لل "اونيسكو" سابقا الدكتورة زهيدة درويش جبور، رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين - الفرنسيين أنطوان منسى، الشيخ منصور الخوري وأبناء الراحل أديب وسامر وهانيا وزينة وحشد من الهيئات الثقافية والتربوية والنسائية وجمعيات وأندية وأساتذة جامعيين وإعلاميين وكتاب وأدباء.
 
ساسين
افتتح الاحتفال بالنشيد الوطني وأبيات شعرية للأمين العام لمنتدى طرابلس الشعري الدكتور المحامي شوقي ساسين، تناول فيها مسيرة الراحل ومزاياه ودوره في إغناء الحياة الأدبية والفكرية والقانونية، وجمع بين "مواقفه الوطنية ومحبته لمدينته الفيحاء ولأبنائها ومدى تأثره بأجواء المدينة وبخاصة بحاراتها وأسواقها الشعبية والتجارية في مرحلة شبابه واستمتاعه بعطور أزهارها وثمار أشجارها والتي ساهمت إلى حد كبير في إغناء كتاباته الأدبية ويصف فيها أجواء المدينة وتراثها الحضاري".
 
الفري
وألقى رئيس الرابطة الثقافية رامز الفري كلمة قال فيها: "ما زالت الصورة ماثلة أمام ناظريّ منذ 25 عاما يوم كنت طالبا في الجامعة اللبنانية- كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، وتكونت لدي صورة لا أنساها عن ذلك الأستاذ الذي يخاطب طلابه بنبرة الحريص على علمهم وعلى مستقبلهم، ولا زلت أذكر نظراته الثاقبة التي تتجاوز الحاضر وترشدنا إلى غد أفضل اكتشفناه باكرا من خلال كلماته وعباراته".
وختم: "تستبد بي الحيرة حين أتناول سيرة علم من أعلام طرابلس ويتبادر إلى ذهني من أين أبدأ في هذه العجالة لأشير إلى دور فقيدنا الراحل في إغناء الحياة الفكرية والثقافة والتربوية وهو الذي له الصولات والجولات في تلك الميادين ويعتبر بحق أنه فارس الكلمة وخطيب المنابر وجهد في تخريج الأجيال الشابه الذين أغنوا المدينة بكفاءاتهم وعلومهم في كل المواقع والميادين الحياتية والفكرية والأكاديمية والسياسية".
 
منجد
واعتبر رئيس المجلس صفوح منجد في كلمة أن "غياب الدكتور كبارة عن مسرح الأحداث في طرابلس والشمال وعموم لبنان، ليس بالحدث العادي لما خلفه من آثار وذكريات لا يبددها زمن ولا تطويها أيام". ودعا إلى ترجمة مواقف الراحل من خلال مشاريع تستلهم تاريخه وأرشيفه النضالي. وشدد على إطلاق إسم الراحل على أحد الشوارع الرئيسية في طرابلس وتزويد المكتبات العائدة لجمعيات وأندية ثقافية بكتب ومؤلفات الدكتور كبارة بالتنسيق مع عائلته".
ودعا إلى "تفعيل الاقتراحات التي وردت في برنامج الفقيد بخصوص فعاليات اختيار طرابلس عاصمة للثقافة العربية العام 2024"، مشيرا إلى أن "مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية قررت إصدار وقائع هذا الاحتفال التأبيني في كتيب خاص".
 
زريق
وتناول رئيس "مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية" الدكتور سابا قيصر زريق، مؤلفات الراحل التي أرخت وأزاحت النقاب عن العشرات من الطرابلسيين والشماليين، قصصيين وروائيين وشعراء وأدباء ومسرحيين وصحافيين. وقال: "أطلقت عليك يوما لقب مؤرخ العربية في شمال لبنان، وأنت الذي بنتاجك أضفت إلى لقب فيحائنا التاريخي لقبا جديدا ألا وهو مدينة الأدب والأدباء".
وسأل: "إن كان رثاء صديق واجبا فكيف يستقيم الرثاء يا ترى وأنت ما زلت حيا؟ حي في قلوب ووجدان مدينتك ووطنك، وها هي الصداقة اليوم تشهد أنها هي فعلا امتحان للقلب، فلا يواسينا على فراقك سوى فرح الفردوس الأعلى بضمك. سوف يطوينا الزمان ونحن نفتقد طهرك وسماحتك وودادك".
 
درباس
وكانت كلمة لدرباس قال فيها: "أستميحكم طرفة كلام أحدثكم فيها بعين من رأى طرابلس الخمسينيات زمان إمتلأت مشاعري المراهقة بمشاهد الخانات المستطرقة والأسواق المتلاصقة والشوارع الجديدة النظيفة المنظمة وقد ازدحمت بالأقدام الوثابة لرعيل قاعدته العصامية ورؤيته النهضة، وآماله لا تحجبها حدود، فكأن الأرصفة واجهات بشرية لأجيال تلدها ألا تشيخ، وكأن مدارسها بساتين أزهار يتعهدها أنبل البساتنة، ويسهر عليها ينسق الباقات ليسلمها يانعة إلى الجامعات والمعاهد العليا".
أضاف: "غدرته الفرص فلم تأخذ طرابلس منه حق تمثيله لها، على الرغم من أنه لم يكن يوما ساعيا إلا في درب العمل العام، وقصور الثقافة التي كان يعلم فيها استقامة اللغة والتفكير. وكما كانت ردينة تثقف الرماح، كان ينشىء طلابه وزملاءه على ان القانون ليس علما تمنح فيها شهادة، بل هو نهج ونسق ونمط حياة ومكارم أخلاق".
وختم: "أطلقت عليه ألقابا مستحقة، كان يتقبلها بإبتسامة ورحابة صدر والآن أقول له يامن كانت شيبته راية، وابتسامته آية، وسيرته رعاية وعناية، أيها الشاطىء الذي أوت إليه الزوارق، طلبا لنزهة في جزائر القانون، ومصاطب الشعر وموائد النورس، لقد كنت أسماء على مسميات ولكن النزهة في لسان العرب هي الأرض البعيدة العذبة النائية، فها نأيت بعذوبة نزهتك عنا، أم تراك سترسل إلينا بطاقة دعوة لنزهة آتية لا ريب فيها".
 
القوال
أما نقيبة المحامين في طرابلس فقالت: "الدكتور نزيه كبارة عنوان فصل باذخ الغنى من كتاب المحاماة في لبنان، تدريسا ومزاولة وتأليفا ورعاية أبناء. كأنه ينافس ذاته في مواهب فضلى، أو كأنه سواق كثيرة تجمعت في نهر واحد اتخذ طريقه إلى بحر الحق سربا حتى لا يحار القائل فيه من أي موهبة يبدأ وفي أيها ينتهي.لكن الواجب الأدبي يملي علي في حضرة ذكراه أن أستعيده منذ مطالع أيامه في المحاماة عندما انتسب إلى النقابة عام 1963، ثم ما لبث أن علق قيده لينصرف إلى التدريس الجامعي مؤثرا على العمل المهني المحض بناء الأجيال الحقوقية المتعاقبة".
أضافت: "أيها الغائب المضيء فينا كشمس تغرب هنا لتشرق هناك، أيها النزيه الأديب الكبير، كما أحرف إسمك الثلاثي، نحن لا نزال على عهدك بنا ننظر إليك قدوة معلما وزميلا ومرجعا قانونيا وأدبيا، ومحاضرة في صف جامعي، على أهبة أن تتلفظ بها شفتاك فتعبر من أوراقها إلأى المسامع والعقول، وها نحن أمام زملائنا الذين لم يعرفوك نتلو ذكراك، ليدركوا ان سكينة صوتك مزروعة في خلايا الأعصاب ووجهك مزهر في تلفت العيون، وطيبة قلبك تخفق في كل القلوب، أنت الذي عشت للحقوق والآداب والقوانين والأفكار الحرة البناءة".
وختمت: "ستبقى الفرح الذي يخمد الحزن والقمر الذي يطلع علينا في حالكات الشتاء، وسيبقى تراثك الجميل على الشفاه الجميلة زادا طازجا نتذوقه كلما جعنا إلى حلاوة الماضي الذي كتبت يمينك فيه لكثير من زملائك مستقبلهم".
 
يمق
وتحدث رئيس بلدية طرابلس وقال: "فقدنا بغياب المرحوم الدكتور كبارة قامة تربوية وثقافية وحقوقية كان لها الدور الكبير في صنع الحركة الفكرية في طرابلس والشمال على إمتداد فترة السبعينات من القرن المنصرم، حيث كان للراحل الموقع المتقدم على أقرانه من المثقفين والمناضلين الذين ساهموا في نهضة المدينة وفي بناء جيل شاب يتمتع بالكفاءة الوطنية ليأخذ هؤلاء جميعا دورهم البارز والرائد في التصدي للأزمات التي عصفت بهذا البلد وتأمين حاجيات الناس في ما عرف يومها بحرب السنتين".
أضاف: "هذا الموقف الرائد من الدكتور كبارة وأمثاله، ولا نذيع سرا، أنهم تمكنوا من صون وحدة المدينة وتحييدها من الإنزلاق في مهاوي التفتت والإنقسامات الطائفية والمذهبية خلال الفترة التي عرفت بحرب السنتين. فمن خلال التجمع الوطني للعمل الاجتماعي إستطاع كبارة وأمثاله، البناء لمرحلة جديدة وسريعة من المعافاة وفتح آفاق جديدة أمام أجيالنا الشابة للانخراط في العمل الوطني على أمل بناء وطن واحد لجميع أبنائه".
وتابع: "نحن في مجلس بلدية طرابلس نفخر ونعتز بأمثال الدكتور كبارة ونؤكد التزامنا تكريم هؤلاء الراحلين الكبار من خلال تخليد ذكراهم بإطلاق أسمائهم على شوارع وساحات المدينة ليكونوا دوما نصب أعيننا وملء قلوبنا على مدى الأزمان وليكونوا منارات للأجيال الشابة، وإن تأخرنا في إطلاق هذه الأسماء وفي طليعتها إسم الدكتور كبارة بسبب الظروف التي عصفت بالمدينة أخيرا غير أننا سننجز هذه المكرمة في وقت قريب. كما نعلن أننا في بلدية طرابلس، باشرنا في التحضير للاحتفالية الكبرى باختيار طرابلس عاصمة للثقافة العربية 2024، ونحن ندرك كم كان الفقيد الراحل يستعد ويتهيأ لإطلاق مشروعه المتكامل لهذه الاحتفالية، واليوم صباحا كان لنا لقاء في مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي - قصر نوفل سابقا، بعنوان "طرابلس 2024 ودور القطاع الثقافي المستقل"، بمشاركة أركان السفارة الفرنسية في بيروت والمركز الثقافي الفرنسي في لبنان والمهرجان الدولي للموسيقى الجامعية في فرنسا ومهرجان بيروت أند بيوند لبنان ومعهد ليفانتين لتعليم اللغة العربية في لبنان، وذلك خلال احتفال إطلاق التعاون الثنائي في مجال الفنون والثقافة بين مدينتي طرابلس وبلفورالفرنسية وتوقيع اتفاقية تمهيدية بين المدينتين".
وختم: "لا أخفي عليكم إن قلت ان برنامج التعاون الذي يمتد على مدى ثلاث سنوات من 2022 الى 2024، يتضمن سلسلة من الأنشطة في مجال بناء القدرات التي من شأنها أن تساهم في تعزيز استعدادات بلدية طرابلس لاستقبال وتنظيم فعاليات هذا الحدث الذي ستشهده المدينة "طرابلس 2024 - عاصمة الثقافة العربية". ونأمل أن يساهم هذا المشروع في استكمال التحضيرات التي بدأتها اللجنة الثقافية في المجلس البلدي، بالتعاون مع وزارة الثقافة والهيئات الثقافية في المدينة".
 
الخير
بدوره قال مدير كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية - الفرع الثالث في طرابلس البروفسور خالد الخير: "طرابلس فقدت أحد أعمدتها المتجذرة في أرضها عميقا والمرتفعة شموخا حتى السماء وأفقدتنا الحياة رجلا مميزا بكل ما لديه، رجل فريد بكل المعاني والأبعاد حيث كنت المثال والأيقونة. برحيلك عنا جسدا انطفأ مشعل إنساني وأنت الذي اجتمع فيك النبل وحب الخير وكرامة النفس وإضفاء الحب والأخوة على من حولك".
أضاف: "لا أنسى كيف تغازل الحرف والوزن وكيف أن القافية تغرد كسينفونية تعبر سامعها دون استئذان وتستوطن أعماقه. أيها الغائب الحاضر إن نهر الحياة الذي ينساب في عروقك قد تجمد وضب، وهذا أمر الخالق في خلقه ولكن الصحيح أن الموت لأمثالك من بني البشر حياة أبدية لا موت فيها بل هي ولادة جديدة. أنت عشت في الحياة أميرا فارسا، كنت ملحها وخميرتها وعبيرها وأملها لمن عرفوك وناقشوك وحاوروك. وطرابلس الفيحاء مدينة العلم والعلماء لن تنساك بل ستخلدك أجيالها وتستحضر ذكراك دائما وأبدا".
 
كبارة
ثم تحدثت كريمة الراحل هانيا قائلة: "بعد كل هذا الكلام الجميل والتوصيف الدقيق من كل أصدقاء والدي والمحبين الكثر، والحمدالله، لا أملك الا ان اشكر الجميع فردا فردا على هذا الكم الجميل من المحبة والاخلاص لروح والدي رحمه الله".
وتناولت مسيرة حياة والدها "ودوره في رعاية افراد الأسرة ومتابعة شؤونهم التعليمية وتعامله مع أبنائه وبناته ،وتوقفت عند بعض المحطات الأسرية وعدم التفرقة أو التمييز بين فرد وآخر". وقالت: "لا أتذكر وانا صغيرة أنه لاعبني أو دللني، بل أتذكر حادثة في بيت جدي، ربما كنت أبلغ من العمر حوالى خمس سنوات. يطلب مني والدي الوقوف: "هانية، اعربي هذه الجملة". لا أذكر الجملة تحديدا ولكن أذكر تماما نظرة والدي والفخر في عينيه، طفلة صغيرة تعرب "الحال" وما أدراك ما الحال. كان والدي مديرا لدار المعلمين والمعلمات في طرابلس، في الزمن الجميل، زمن العلم والثقافة والنبل والأخلاق. وتخرج مئات الأساتذة من تلك الدار وآلاف التلامذة من الجامعة اللبنانية من بعدها حيث كان دكتورا محاضرا فيها. كان من الصعب جدا ان تتمشى في شوارع طرابلس من دون ان يستوقفنا أحد للسلام عليه وعلى الأغلب كانوا من تلاميذه. "أستاذ نزيه" لقب رافقه لمدة طويلة حتى بعد ما نال شهادة الدكتوراه".
أضافت: "لا أبالغ إذا قلت المتعة بالنسبة لوالدي كان "الكتاب" والكتاب فقط. فالكتاب هو خير صديق وقت الضيق". كان بيتنا متحفا للكتب، مكتبات كبيرة طويلة بعرض الحائط، مملوءة بالكتب، في الصالون، وغرفة الجلوس وحتى غرفة النوم. كان الكتاب رفيقه الدائم وكان قلمه سلاحه الأبيض الذي شهره عاليا بوجه كل القضايا الإنسانية والاجتماعية والتاريخية في طرابلس ولبنان والعالم العربي. كان يعشق العمل الاجتماعي والتربوي. عشقته المنابر، فكان خطيبا رائعا يصول ويجول ويحاور. كان رجل الحوار بدون منازع وان أحب السياسة ولكن الحياة السياسة لم تستهويه، لأنه بكل بساطة كان الشريف النزيه ذو الأيادي البيضاء على البلد".
وختمت: "لم يترك لنا بابا الجاه والمال ولكنه ترك لنا محبة الناس والسمعة الطيبة وهذا الاحتفال الجميل ما هو الا دليل على ذلك، فشكرا للجميع، لكل من ساهم وشارك ليقدم له الوفاء لمسيرته الطويلة وليخلد ذكراه. شكرا لوزارة الثقافة ولمعالي الوزير محمد وسام المرتضى. شكرا لكل الأصدقاء المخلصين, وشكرا لكل الأقرباء ولعائلتنا الصغيرة ولمدينة طرابلس".
 
المرتضى
ثم ألقى راعي الاحتفال كلمة قال فيها: "طرابلس ذاكرة الملح والعبير، مدينة البشر والحجر والشجر، بقية فينيقيا وبيزنطة وبني عمار والصليبيين والمماليك والأتراك والعرب، ومجتمع هؤلاء كلهم، ها هي اليوم في حضرة الأربعين تحتشد قلعة وأسواقا ومكتبات ومنتديات وقامات ثقافة، في وقفة وفاء لمن كان إبنا لها، وأبا لمثقفيها، وراعيا لحراكها التنويري على إمتداد عقود. وها نحن وزارة الثقافة، نشارك الفيحاء غصتها ونأخذ ما أصابنا من هذا الحزن الطرابلسي الأليم. وفي المناسبة ترتسم أمام عيني مفارقة كبيرة. فمدينة العلم والعلماء دحرجت من فضاء تاريخها إلى حضيض واقع جعلها أفقر المدن المتوسطية وهي في الأصل أغناها. ذلك أن ظروفا كثيرة واجتماعية وأمنية غيرت من طبيعتها الجامعة، فصار يضيق بإبن الجار جيران، وازداد الإهمال الرسمي لها، حتى تراجعت فيها قطاعات الإنتاج كافة، وآل أمرها إلى ما تعلمون، لكن وفي المقابل تألقت فيها حركة ثقافية مميزة، وذلك على أيدي بعض من المثقفين الذين تبوأوا من منتدياتها مكانا عليا وراحوا يبثون فيها رونق اللون وبهجة الحرف وروعة النغم، وينفضون عن إرثها المعماري غبار الإهمال، وينشرون إبداعاتهم على المنابر، وفي المحافل وفي تضاعيف الكتب وسائر الأعمال الفنية".
أضاف: "كان الراحل الدكتور نزيه كبارة في مقدمة هؤلاء إذ جعل الثقافة همه الأوحد سواء في التدريس الجامعي أن في رئاسته للمجلس الثقافي للبنان الشمالي أم في الندوات والمحاضرات التي أقامها وشارك فيها، أم في الكتب التي صنفها في مختلف فنون المعرفة ام في عشقه الصافي للغته الأم. ولا تزال محفورة في ذاكرة بعض الفعاليات الثقافية التي أقامها ودعيت إليها أيام عملي القضائي في طرابلس. هذه المفارقة تجعلنا بين واقعين: مر وجميل، لكنها تثبت أن الثقافة ولو إدلهمت الأزمات، تبقى تحت الرماد جمرا متحفزا لبث الدفء في القلوب ونورا لا بد له من ان يشرق ويضيء الحياة. فضل نزيه كبارة على هذه المدينة انه جهد لكي يستحق يومها صفة امسها، لكي تعود الحياة الثقافية علامتها الفارقة المسجلة في دفاتر المستقبل. ولقد نجح في الأمر نجاحا يشهد به كل مثقف في هذه المدينة، كما تشهد به إنجازات تراكمت بات من الواجب جمعها في أعمال كاملة تباهي بها طرابلس وتكون ذخرا للوطن والناشئة والباحثين".
وتابع: "يوم رحيله نعته وارة الثقافة ببيان مما جاء فيه: طرابلس حاراتها، أسواقها، نهرها، قلعتها، بحرها، عطرها، بساتينها تقف كلها حزينة لفقدان الدكتور نزيه كبارة العلامة الثقافية البارزة في الفيحاء وكل لبنان سحابة عقود طويلة. كان رحمه الله إنموذج العطاء في اي منصب شغله ولأنه مستحق كل تكريم، قرر فخامة رئيس الجمهورية بناء على طلب وزير الثقافة وبمؤازرة مشكورة من دولة رئيس مجلس الوزراء، منحه وسام الاستحقاق الفضي ذا السعف، تقديرا لما اسداه للبنان من خدمات ثقافية مميزة".
وختم: "أعرف أن صدره أحق بأن يعلق عليه الوسام وهو حي. وكنت قد أعددت للأمر لكن القدر كان سباقا وبكل اسف يحضرني في هذه المناسبة قول عمر ابي ريشة: ما اعتاد هذا الشرق ان يهدي إلى/ نبغائه الأحياء اجر مناصر. وإني إذ أسلمه الآن إلى عائلته في يوم ذكراه، أعلن واثقا ان الدكتور نزيه كبارة كان هو بذاته الوسام والفضة بل والذهب والسعف".
 
وفي ختام اللقاء سلم ربيع كبارة عائلة الفقيد درعا تقديرية باسم رابطة آل كبارة.

                   ===== ن.ح.

شارك الخبر على