القدس الثابت الذي لا يتغير

حوالي سنتان فى الرأى

لو قبل الشريف الحسين بن علي – طيب الله ثراه – ما عرضه عليه الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى، وخصوصاً بريطانيا، في منح فلسطين إدارة خاصة ومنح الصهيونية امتيازات في فلسطين على حساب العرب، لكتب التاريخ بشكلٍ آخر في المشرق العربي.

هذه حقيقة تاريخية ثابتة، ترويها الوثائق، وتؤكدها مذكرات الشريف الحسين بن علي، التي نشرت مؤخراً، ومما جاء فيها حديثه بالقول إن «العرب اعتمدوا على شرف وشهامة أحلافهم العظام بما أعطوهم إياه من العهود والوعود والأقوال إنهم خاضوا اعتماداً عليها مهالك تلك الحروب»، بما يبرر النهضة العربية الكبرى واعتمادها على وثيق الصلة بما قطعه الإنجليز من عهود.

ولكن الشرعية الهاشمية، وإيمان الشريف الحسين بن علي، بفلسطين، وعروبة القدس، بقيت راسخة والمفردة الهاشمية بقيت في خطابها ترى في فلسطين وحقوق العرب فيها وخصوصاً القدس الشريف طمأنينية عربية.

وفي التاريخ والحاضر بات في كل مكانٍ وأثر في القدس الشريف سمةٌ هاشميةٌ، ومسحة قدسية، صانتا وتصونان المدينة من دنس المحتل، على رغم الزمن العربي الجاف، والدور الأردني الذي وضع ثقله السياسي والديبلوماسي في هذه اللحظة التي غاب عنها كثير من الأشقاء إلا تأكيد على أن الثابت هو «القدس» وحقوق العرب والمسلمين فيها، وأن المتغيرات وتبدلات الزمان العربي وربيعه وما بعده لا تغير في نفوسهم شيئا.

ولنا من التاريخ روايات كثيرة، فبالأمس ليس البعيد، وقبل أقل من قرنٍ من الزمن بويع الشريف الحسين بن علي - طيب الله ثراه - بالخلافة في عمان، وكانت هذه البيعة، والتي لم ينصفها المؤرخون بعد حق الانصاف، شاهداً على آخر المحاولات الصادقة لجمع شمل الأمة، وسد الثغرات والفراغات التي تركتها أحداث الحرب العامة الأولى.

وفي ذلك الزمان، الشبيه بزماننا، كانت سوريا مقسمة إلى ثلاث دول وأكثر، حيث دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين، وكانت الجزيرة العربية تعيش في مرحلة تحولٍ وكثير من دولها ما زال في طور التأسيس، وكانت الظروف كما ظروف هذه الأيام، فبقيت عمان وحدها آنذاك تقول القدس.. إذ كانت بيعة أهل فلسطين التاريخية، ومن شتى مدنها للخليفة العربي الهاشمي، وبقيت بيعة أهل القدس تحديداً شاهدا على رسوخ الثوابت.. وبقيت المواقف الهاشمية حاضرة، رغم كبر النوازل العربية.

فمن زمان الثورة والنهضة والثبات على عروبة الأرض كان الهاشميون ينادون بعروبة فلسطين، وفي زمان الملك المؤسس الشهيد، فإن هذا الأمير العربي الجليل، بقي يرى في فلسطين طمأنينة، وفي عدة من خطاباته كان يذكر المسجد الأقصى وضرورة طمأنينيته، إلى أن قضى شهيداً بالقرب من المسجد الأقصى وبجوار ضريح الشريف الحسين.

وفي زمان الحسين كان فصل مقدسي آخر، من فصول البذل، على رغم النازلة التي سببتها خطابات المزاودة والإقصاء والأيديولوجيا التي تنكرت لكل شيء حتى أضاعت القدس، ولكن الحسين بقي ثابتاً على موقفه في الإعمار.. وكانت للقدس في حياته مساحة بيضاء، تواصلت حتى زمان عبدالله الثاني بذات الهمة، وبالثابت الذي لا يتغير، فالقدس مفردة المبتدى والمنتهى في الخطاب الهاشمي وإذ تبدلت الحواضر وانشغلت البلدان بغيرها من القضايا يبقى الغيث من عمان، وكأن عبقرية العربي تعرب عن نفسها بأن تسند دوماً الأحكام السلطانية والولايات الدينية لأهلها ?لشرعيين.. ليبقى الدور هاشمياً عند كل منعطفٍ أو تحولٍ نازلة !!

وعلى هذا بقيت وستبقى القدس، الثابت الذي لا يتغير..

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على