في موسكو يَتحدثون عن.. «حِلف بكين» بدلاً من «حِلف وارسو»

حوالي سنتان فى الرأى

ما تزال نتائج زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى الصين، وهي في الأساس لحضور حفل افتتاح الدورة الشتوية للألعاب الأولمبية في العاصمة الصينية, تثير المزيد من ردود الفعل والتحليلات المحمول بعضها على صخب يستبطن تحريضاً ودعوة صريحة للحرب. على النحو الذي فعلته وكالة بلومبيرغ الأميركية عندما نشرت خبراً «عاجلاً", يتحدث عن أن روسيا بدأت «غزواً» لأوكرانيا، ثمّ ما لبثت أن تراجعت عنه وساقت تفسيراً غريباً لتوقيت نشر الخبر، تمّ الاعتذار عنه بعد ساعتين من حذفه, بالقول: نُعِد عناوين للعديد من السيناريوهات.. ونُشِر العنوان الرئي?ي «روسيا تغزو أوكرانيا» عن غير قصدٍ على موقعنا، مُضيفة: «نأسف بشدّة على هذا الخطأ»، لقد تمّ حذف الخبر، وإننا - استطردتْ - نُحقِّق في المسألة»..علماً أنّ نشر خبر الغزو الروسي لأوكرانيا تزامن مع وجود الرئيس بوتين في الصين.

نتائج التحقيق بالطبع لم تُنشر ونحسب أنّها لن تُنشر، لكن ملابسات نشر الخبر ثمّ سحبه والاعتذار عن نشره, كشفَت ضمن أمور أخرى «الكيفية» التي تُطبّخ فيها «الأخبار» والقصص المُفبركة والتحليلات المغرضة مدفوعة الأجر، كي تأخذ طريقها إلى جدول الأعمال الدولي, عبر أيّ قضية تريد الدوائر الغربية تسليط الأضواء عليها، وتحويلها إلى صراع دولي تحت العنوان الأميركي الأكثر تضليلاً, الذي يتحدّث عن تهديد «المصالح الوطنية الأميركية».

ما علينا..

المصطلحات التي استخدمها الرئيس الصيني شي جين بينغ, كما تلك التي لفت إليها الرئيس الروسي بوتين عن الشراكة «الاستراتيجية الراسخة» بين البلدين، إضافة إلى سلسلة العقود والاتّفاقات التجارية/والاستثمارية التي وصل عددها إلى «17» اتفاقية, وأبرزها بالطبع اتّفاقية توريد عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً إلى الصين، إضافة إلى رفع حجم التبادل التجاري بينهما من «140» مليار دولار سنوياً إلى 200 مليار دولار.

يشي ذلك كلّه بأنّ الأمور سائرة بين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبين ثاني أقوى دولة عسكرياً في المعمورة نحو تكامل مُتدرّج وفق أجندة زمنية محسوبة، خاصّة أنّهما «يَحظَيان» بمرتبة «العدو» على الأجندة الأميركية. الأولى/الصين.. المطلوب أميركياً الحؤول دون وصولها إلى مرتبة الدولة الأقوى في العالم اقتصادياً (وتالياً عسكرياً بالتأكيد)، والثانية/روسيا.. والعمل بلا كلل من أجل مُحاصرتها وإرجاعها إلى ما كانت عليه في عهد يلتسين.. مجرد دولة من دول العالم الثالث, لا تفيد العالم إلّا في تصدير الأسلحة والنفط، على ما قال بار?ك أوباما في معرض التقليل من طموح رئيسها بوتين, خاصّة بعد خطابه الشهير في منتدى ميونخ للأمن عام 2007، عندما تحدّث عن «عالم متعدد الأقطاب» وخصوصاً عن «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين, مَثّلَها انهيار الاتّحاد السوفياتي».

وبتواصل الحشد العسكري الأميركي في دول أوروبا الشرقية, بعد قرار بايدن إرسال المزيد من هؤلاء الجنود, وتدفق الأسلحة الفتّاكة على أوكرانيا بضوء أخضر أميركياً وبخاصة المدرّبين الأميركيين والبريطانيين إليها، إضافة إلى وضع أكثر من «8500» جندي أميركي في حالة الطوارئ القصوى, استعداداً لأيّ «غزو» روسي وشيك على ما تقول واشنطن، تبرز في الأثناء تحليلات الروسية تتحدث عن «نضوج الظروف الموضوعية لظهور حلف سياسي عسكري» يواجه حلف الناتو، على ما ذهبت إليه صحيفة «كوريير» للصناعات العسكرية الروسية, تحت عنوان «حلف بكين بدلاً من ?لف وارسو». قائلة: إنّ روسيا قدّمت للغرب مُقترحاتها بشان خفض التوتر العسكري في المنطقة الأوروبية، وهي مقترحات -أضافت كوريير- رأت فيها النُخب الغربية ووسائل الإعلام إنذاراً روسِيَّاً، وهناك أسباب لهذا الاستنتاج. وأعقبتْ ذلك مفاوضات لم تُسفِر عن نتائج مُهمة، ومع ذلك - استطردتْ - فإنّ النتيجة الإيجابية لهذه المفاوضات واضحة: أعلنت الولايات المتّحدة أنّه لن تُحارب روسيا من أجل إنقاذ أوكرانيا الحالية, وأنّها ستكتفي بالعقوبات الاقتصادية.

بطبيعة الحال -واصلت كوريير القول - يُطرَح سؤال مضاد كيف لروسيا أن تردّ على الغرب؟.

الردّ العسكري/السياسي الأكثر إثارة للاهتمام - تُجيب الصحيفة- على توسع الناتو في الشرق، هو إنشاء تحالف عسكري/سياسي قارِيّ يقوم على أساس محور موسكو - بكين.. هناك -تضيف- تناقضات بين روسيا والصين، لكن في هذه المرحلة التاريخية نحن حليفان، ومع زيادة الضغط العسكري وغيره من الضغوط على بلادنا، قد يُصبح التحالف العسكري والسياسي بين روسيا والصين حقيقة واقعة.

ثم تخلص الصحيفة إلى استنتاج لافت وأكثر إثارة بالقول: انضمام «إيران» إلى مثل هذا الحلف يبدو استمراراً منطقياً في الاتجاه الجنوبي/الغربي، وتبدو «كوريا الديمقراطية» التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالصين ولها علاقات تاريخية مع روسيا،، كذلك «بيلاروس» وهي جزء من دولة اتّحادية مع روسيا, عضواً طبيعياً في مثل هذا الاتّحاد العسكري/السياسي»..

فهل ثمّة من يدرك في بلاد العرب.. حقيقة أنّ معادلة التحالفات والاصطفافات وموازين القوى في عالمنا آخذة في التبدّل والتغيّر الدراماتيكي, على نحوٍ لم يكن متخيلاً قبل وصول بوش الابن إلى البيت الأبيض.. بداية القرن الجديد؟

kharroub@jpf.com.jo

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على