الملك وصداع الواقع

أكثر من سنتين فى الرأى

يدلف جلالة الملك عبدالله الثاني عتبة الستين عاما، هذه بداية مباركة لمرحلة جديدة من العمر والنضوج الأوسع لاستيعاب أكبر قدر من المتغيرات التي طرأت على الساحة الوطنية والإقليمية، ورغم استطاعته في العشرين سنة الماضية للتفوق المشهود بإدارة المشهد الشرق الأوسطي من خلال علاقاته المتينة مع الإدارات الأميركية والأوروبية وحتى الشرق أسيوية، فإن الهنات التي تدخل من باب الحسد السياسي لم تثنه عن التعامل الواضح والصريح مع محيطه العربي، وبعد ثلاث سنوات من حكمه سجل الملك عبدالله مقعدا متقدما بين زعماء العالم العربي الذين رحلوا عن هذه الدنيا، الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك والشيخ زايد آل نهيان والشيخ جابر الصباح فضلاً عن خمسة رؤساء أميركيين.
هنا لا يحتاج الملك الى من يكتب عنه، بل يريد من يكتب معه، ليساعد في الوصول الى فهم حقيقي وواقعي لوضع حلول مستدامة لمستقبل المملكة، فقد أمضى السنوات الطويلة في ورشة عمل مفتوحة، إذ انخرط في غالبية القطاعات، سياسية واقتصادية وتنموية وعسكرية ومتابعات لإجراءات الحكومات التي عمل بعضها على أرض الواقع وبعضها كان خارج نطاق الخدمة، ما اضطر الملك احيانا الى أخذ المبادرة والقيادة من الخلف لإعادة تصحيح ما يمكن تصحيحه نتيجة تقصير ما في عمل الحكومات والمسؤولين، حتى ابتلينا بجائحة كورونا وما تسببت بتراجع النمو الاقتصادي، حيث أدار المشهد باحترافية عسكرية قبل أن يخرج المسؤولين من مكاتبهم.

الملك بات يدرك أن العمل بالآليات القديمة لم تعد تجدي نفعا، وهو يقول لنا دوما: "إن التغيير يجب أن يكون الى الأفضل وأن المسؤولية المشتركة لنا جميعا تعني قيام المسؤولين بواجبهم على أعلى مستوى لا أن يرموا بالمسؤولية على "فوق"، مع اعتزازنا بأن نخدم المواطنين بكل ما نستطيعه"، ولكن من وجهة نظر المواطنين الذين نؤيدهم في كثير من تعليقاتهم فإن غالبية المسؤولين الحكوميين لا يقومون بالواجبات الموكولة إليهم، وهذا يؤدي الى نتيجة سلبية تنعكس على المشهد الأكبر ما يترك الأحمال الثقيلة على عاتق الملك ليعالجها بطريقته، حتى بتنا نرى أي مشكلة مهما كانت بسيطة ينادي بها المواطنون للملك كي يحلها، وهذه ليست من اختصاصه.

الملك في ذكرى ميلاده الستين استبق العام الجديد بنظرة الى المستقبل السياسي للدولة الأردنية، حيث وجه من خلال اللجنة الملكية للتحديث السياسي ما قد رأيناه من تعديلات دستورية لغايات التقدم نحو المستقبل الذي هو في علم الله، ولكن أحدث ذلك هبوب رياح التغيير المرجو منه وقف تنازع الصلاحيات أو العكس كتداخلها ما بين الجهات الرسمية، ولهذا فإن أي تجديد يجب أن يرافقه تغيير لقواعد التعامل القديمة التي استكهلتها ثمان حكومات سابقة، في ظل ميديونية عالية وبطء في روافع الاقتصاد وتعقيد في الإجراءات، وزد على ذلك مجالس نيابية تقوقعت في دائرة الخدمات لا التشريعات.

الأردن اليوم في عهد الملك عبدالله الثاني لا يوجد فيه مسؤول من العيار الثقيل يستطيع الامتداد مع الدول العربية والأجنبية، قليل من رؤساء الحكومات قاموا بزيارات هامة وعقد اتفاقيات مع حكومات عربية، ولعل آخرهم الرئيس بشر الخصاونة، ولذلك يضطر الملك الى القيام بالمهمات الكبرى خصوصا مع الدول الغربية أو الآسيوية، فيما الدول العربية لم يتبق منها سوى أربعة بتقديري لديها مساحة تبادل سياسي واقتصادي يمكن لجلالته التعويل عليها، في ظل إنكفاء غالبية العواصم العربية على مشاكلها، ولهذا فإن المسؤولية تقع على الحكومات لفتح آفاق جديدة مع المحيط العالمي، وليس فقط وزير الخارجية المعني بالعلاقات السياسية الدولية.

إن متابعة الأوضاع في العالم العربي والتعاطي مع مشاكل الحدود والدول التي أبرحتها الصراعات والحروب، ومراوحة الوضع على الساحة الفلسطينية من رام الله الى غزة، يقابلهم معسكر يميني متطرف في تل أبيب وجيش احتلال يقتحم المقدسات في أي وقت ويقتل الفلسطينيين العزل برمشة عين، تشكل صداعا للملك الذي يجلس أمام أطول حدود مع دولة الإحتلال وحوله حدود ملتهبة وصراعات خفية ومكشوفة، فيما العلاقات بين تل أبيب وعواصم عربية بدأت بالتمدد.

في التاريخ حكم الملك عبدالله الأول ثلاثين عاماً، وحكم الملك الحسين سبعة وأربعين عاماً في صراع مرير داخلي وخارجي، واليوم تستمر الدولة بقيادة الملك عبدالله باثنتين وعشرين عاماً في سباق مع زمن التغيير والانفتاح العالمي وسقوط جدران علاقات كانت منيعة واستبدال قواعد الوجود بقواعد فتح الأجواء للطيران دون أعداء، وتراجع الإهتمام الأميركي بالمنطقة، وبرود العلاقات العربية ورغم كل هذا فإن ثقتنا بالله أن يحفظ ويرزق هذا البلد الذي حوى ثلث سكانه من اللاجئين كمواطنين، وستبقى عمّان هي مربط الفرس وسرج الفارس، وسيبقى الأردنييون هم حصان الرهان.

Royal430@hotmail.com

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على