هل «يحلّ» الرئيس التونسي «حركة النهضة».. ماذا عن مُنصِف المرزوقي؟

أكثر من سنتين فى الرأى

تزخر وسائل الإعلام التونسية بكثير من الأخبار والقصص المثيرة والتسريبات غير المُستندة إلى مصادر موثوقة, منها على سبيل المثال أنّ الرئيس التونسي يستعدّ لـ"حلّ» حزب حركة النهضة الإسلاموي, وحليفه حزب قلب تونس الذي يرأسه نبيل القروي رجل الأعمال ومالك قناة نسمة التلفزيونية المتّهم بالفساد/غسل أموال وتهرّب ضريبي, والذي هربَ متسللاً إلى الجزائر وتمّ القبض عليه ثمّ أُفرِج عنه لاحقاً (كلا الحزبين يعيشان حالاً من الانقسام والتشرذم، محمولة على استقالات جماعية كما فردية من صفوفهما, وبخاصّة نوابهما في مجلس نواب الشعب).

إحدى الصحف توقّعت «حل» حركة النهضة يوم 17/12, بما هو اليوم الذي يوافق الذكرى 11 لاندلاع شرارة الحراك الشعبي الذي أطاح نظام الديكتاتور بن علي.

قرار كهذا لم يُتّخذ ويبدو أنّه لن يتّخذ في حقّ الحزبين، وإن كان حكماً قضائياً غيابياً صدر بحق الرئيس التونسي «غير المُنتخَب» منصف المرزوقي, الذي زعم أنّه اعتزل العمل الحزبي لكنّه لم يعتزل العمل السياسي، قضى (الحكم القضائي) بالسجن لمدّة أربع سنوات مع الإذن بالتنفيذ العاجل بحقّ رئيس سابق، لم يتورّع بل لم يتردّد في الإعلان بفخر أنّه عمل بدأب ومثابرة على «إفشال» عقد القمة الفرنكوفونية في تونس أواخر العام الجاري، ما يتنافى مع أبسط قواعد الانتماء الوطني, إزاء حدث (أياً كان رأيه السياسي) يضرّ بمصالح تونس العليا ويستدرِج تدخلات أجنبية، ما بالك أنّ الدولة المعنية بهذا الحدث هي الدولة المُستعمِرة السابقة للبلاد؟

صحيح أنّ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة, الذي تعرّض ويتعرّض لحملة انتقادات لاذعة و«دعوات داخل حزبة للاستقالة من رئاسة الحركة/والبرلمان واعتزال العمل السياسي» لكنّه يُكابر ويرفض تلك الدعوات, بل يسعى إلى تجميع أنصاره (على قلّتِهم) لتأجيل موعد المؤتمر العام للحركة, لتفادي عزله أو حدوث انشقاق نهائي ينهي الحركة أو يُعجِّل بانفلاشها.

صحيح أيضاً أنّ الغنوشي ما يزال يرى في موقعه كرئيس للبرلمان, مؤهلاً للبقاء في مربع السياسة حتّى لا يخرج إلى صحراء العزلة والنبذ, رغم ترؤسه الحركة منذ إشهارها رسمياً في حزيران 1981, رافضاً منح أي فرصة لجيل جديد لِتصدّر الحركة ويدخل الحيوية والتجديد إلى صفوفها, خاصة بعد افتضاح مشروعها الرامي إلى «أَسلمة تونس» وإلحاقها بالمشروع الإخواني الذي يقوده الرئيس التركي أردوغان، رغم إعلان الغنوشي نفسه أنّ حركته «قطعتْ صلتها بجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي»، إلّا أنه/الغنوشي ربط حركته وشخصه بمشروع أردوغان ولمّا يزَل.

هنا تحضر شخصية أخرى مثيرة للجدل ونعني الرئيس الأول (غير المُنتخَب) لتونس بعد الثورة/لمنصف المرزوقي. الذي يواصل رغم الهزائم المُدوية بل المُذلّة التي لحقت به وبالحزب الذي أسّسه/"حراك تونس الإرادة", حيث لم يحصل في انتخابات/2019 على أي مقعد، أضِف إلى ذلك السقوط المدوي للمرزوقي أمام منافسيه وفوز الرئيس الحالي قيس سعيّد, الشخصية المغمورة الذي لم يمارس العمل السياسي من قبل ولم يدعمه أيّ حزب أو يتوفّر على تمويل لحملته.

المرزوقي بعد اعتزاله العمل الحزبي إثر «خساراته», اعترف بأنّ مصائب تونس الراهنة هي نتاج ارتكابات وسياسات حركة النهضة الأنانية/وراشد الغنوشي, رغم أنّ الأخير دعمه بالضدّ من نائبه الشيخ عبد الفتاح مورو أحد أبرز مؤسسي حركة النهضة, لكن الغنوشي حاربه وأقصاه وخذله ما دفع مورو للاستقالة واعتزال السياسة.

المرزوقي واصلَ أيضاً كيل الشتائم والانتقادات اللاذعة للرئيس قيس سعيّد, متهماً إياه بالديكتاتورية والرئيس غير الشرعي, واصفاً القاضي الذي أصدر الحكم عليه بالسجن أربع سنوات بأنّه قاضٍ بائس. بل ثمّة من بات يستخدِمه للتصويب على سعيّد وخريطة الطريق التي أعلنها في 17/12, رغم أنّها حدّدت مواعيد مُعلنة لسبع خطوات مُتدرجة, تبدأ باستفتاء شعبي افتراضي/أسمّاها سعيّد استشارة شعبية في 1/1/2022 ثمّ استفتاء شعبي في 25 تموز المقبل, ثم تنتهيَ بانتخابات برلمانية في 17/12/2022, وهي إجراءات وصفتها حركة النهضة بأنّها «تهويمات» على طريقة الأنظمة الأوتوقراطية السلطوية, فيما أصدر الغنوشي بياناً باسم البرلمان، أعلن فيه «رفضه المطلق لتعطيل مجلس النواب سنة أخرى, واصفاً ذلك بأنّه إجراء غير دستوري وغير قانوني».

هنا يبرز أيضاً موقف عقلاني ومسؤول للاتحاد التونسي للشغل الذي وإن انتقد استهانة الرئيس سعيّد بـ«الطريق الثالث» الذي اقترحه الاتحاد الاّ أنه لم يصطف إلى جانب مُعارضي إجراءات الرئيس.

الحال أنّ الاحتقان الذي بات يميّز المشهد التونسي, لا يمكن فصله عمّا يجري في المنطقة العربية وبخاصّة في الدول المغاربية والتدخلات الغربية.. الأوروبية والأميركية وبعض العربية, التي تحاول مُجتمعة ومنفردة «استعادة» تونس بدون قرارات سعيّد, التي أُعلِنت في 25 تموز الماضي، خاصة الدعوات الغربية إلى «الحفاظ على المسار الديمقراطي", بكلّ ما تستبطنه عبارة غامضة كهذه.. من أهداف.kharroub@jpf.com.jo

شارك الخبر على