التعديلات الدستورية المقترحة بين الواقع والمطلوب
أكثر من ٣ سنوات فى الرأى
متابعة محتوى المناقشة والحديث في الصالونات السياسية الأردنية ودارات النخبة أو مناقشات قروبات الواتساب بحلتها الجديدة، تمثل إلينا هدفا مرصودا، لأن الدخان الأبيض المنتظر في النهاية لأي من معضلاتنا ولمسيرة الأحداث التي تهمنا أو تعصف فينا سوف يعكس رأي النخبة، والوطن مليء بالقامات الوطنية صاحبة الحضور والقادرة على الحسم بترجمة الرؤية لمسيرة الطريق الصحيح، تترجم بأبجدية الحروف المستلزمات الحاضرة لمستقبل يليق بالطموحات، وعندما تشكلت اللجنة الوطنية لتحديث المنظومة السياسية والعمل الحزبي، بدأت هناك طروحات بتحفظات ع?ى العدد وعضوية البعض، ولكنها في النهاية لجنة متكاملة متوحدة حتى بلجانها الفرعية ضمن مساق الاهتمامات، ثم توالت الاجتهادات والافتراضات للنتائج نتيجة تعدد اسس التقييم ومدارسها وأهدافها، خصوصا أنها أُخترقت ببعض أشخاصها واجتهاداتهم، ولكنها في النهاية أُنجزت وقُدِمت لجلالة الملك؛ رأس الدولة والسلطات، الذي تعهد برعاية خط مسيرها الدستوري لإقرارها حسب الأصول، فرفعت من السلطة التنفيذية بعد مناقشتها لتكون بعهدة السلطة التشريعية؛ صاحبة الإقرار والقرار بخطوتها الأولى، والذي أعهدها حسب الدستور للجنته القانونية للقراءة و?لتمحيص والتعديل، بهدف مراجعتها النهائية على مستوى مجلس النواب «مجلس الشعب المنتخب»، فدخلنا بفترة قلق نتيجة التجاذبات والتخمينات المرافقة، التي يمكن تسميتها والفتوى بمحتواها، فجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حامي الدستور، ورأس الدولة، قد رسم باجتهاد غير مسبوق ملامح الطريق للدخول إلى مئوية ثانية من تاريخ الأردن القوي والثابت والمستقر في مواصلة مسيرة الإصلاح والبناء والتنمية والتقدم والنماء، بناء على منظومة سياسية حديثة، ذات تأثير مباشر على حياة الشعب وتستنبط ملفاتها من الهموم التي ترافق الأمنيات ضمن ا?تحديات الداخلية والمحيطة؛ المستجدة منها والمزمنة.
تعمدت منذ فترة، الامتناع لتناول التعديلات الدستورية قبل مناقشتها من لجنة الاختصاص بمجلس النواب، والاستماع لخبرات قانونية بالملف الدستوري، وللتذكير؛ فجلالة الملك هو رأس الدولة بسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقانونية، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي والأجهزة الأمنية بكافة مسمياتها، ولن أبالغ القول إنه الذي يعمل الليل بنهاره في جميع محافل البناء الداخلي والخارجي والوطني والإقليمي والدولي، وهو الموجه الأول لبوصلة العمل بجميع مرافق الدولة الأردنية، الأمر الذي يجعل من تشكيل مجلس الأمن ال?ومي الواردة، بصورته المقترحة من اللجنة القانونية ومبرراتها، ضرورة تنظيمية للتنسيق برعاية ملكية تضمن سلامة القرار وتنفيذه؛ سواء بمستوى التشكيل أو التغيير، فالمصلحة الوطنية لا تحتمل الاجتهاد أو التبرير، والقرارات المصيرية لمستقبل الوطن لا تحتمل فرصة الخطأ للتعديل تحت عنوان الأسف، فهي بحاجة لقرار جريء مسؤول يقرن القول بالفعل، ويقيني أن جلالة الملك هو القادر على قراءة المشهد لتوجيه ارشاداته بما يلزم، بل أن مجمل التعديلات الجديدة لم تمنح أو تضيف اختصاصات جديدة لجلالة الملك لأنها اختصاصات تمارس منذ عهد التأسيس؛ ?ختصاصات أصيلة منحها التعديل المقترح توضيحا لكيفية ممارستها خصوصا في الأمور الحساسة ذات الطابع الأمني الداخلي والخارجي، والمؤثرات التي ربما لها نصيب بالزعزعة، فهدف الإبقاء على حيادية بعض المناصب الحساسة بعيداً عن أي اعتبارات سياسية أو حزبية، هو المبدأ المستخلص من التعديلات لضمان حياد المؤسسات الدينية والأمنية، فصلاحية تعيين قادة الأجهزة الأمنية، قاضي القضاة، المفتي العام، رئيس الديوان الملكي الهاشمي، رئيس الوزراء، رئيس مجلس الأعيان، ومستشاري الملك، واحدة من ثوابت الدولة الأردنية التي يمارسها جلالة الملك، وت?قى القبول الرحب لدى الشعب.
العزوف عن العمل الحزبي والانتماء بالعضوية للأحزاب، واقع حقيقي ومؤسف لأسباب من رحم الواقع، نتيجة ممارسات السلطات المزمنة والتي بدأت بمنتصف القرن الماضي، لم تعالج بعد تشخيصا لواقع الحال، وربما لي إضافة مؤسفة، أن هذا الواقع قد ساهم بصورة مؤثرة ومباشرة بضعف الثقة بأداء السلطة التنفيذية والتشريعية بالتكافل والتضامن ليكون التنافر وزيادة مسافة البعد دون مبادرة من أطرافها للمناقشة والتقارب للالتقاء ببقعة وسطية، الأمر الذي جعل النداءات الملكية المتكررة بجميع المناسبات بضرورة ايجاد البيئة الحاضنة لنمو الفكر الحزبي ا?ذي يروى بأغادير حب الأردن والمحافظة عليه بعرق ودم يُبذل بالتضحيات، حيث لقاءاته مع مختلف مكونات الشعب وخصوصا فئة الشباب التي هي مستقبل الأمة وعمادها، إضافة لترسيخ مبدأ المساواة على أرض الواقع بين مختلف مكونات الشعب وأطيافه، وقد ترجمتها اجتهادات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والعمل الحزبي، إضافة للمسات اللجنة القانونية التي أعلنها رئيسها أمس بالقول الفصيح «إن حزمة التشريعات الخاصة بتحديث المنظومة السياسية، والتي جاءت تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك إلى اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي أنج?ت من جانبها التوصيات المعلنة بخصوص قانون الأحزاب، وقانون الانتخاب، وتهيئة البيئة التشريعية لتمكين المرأة، وتمكين الشباب»، جملة تحمل كل التفسيرات، لترصف طريق الأمل بالتدافع نحو العمل الحزبي المنظم، ميدان سباق وأداء دون التوقف بمحطات الفواصل وإضافات حروف اللغة.
المساحة التي احتلتها التعديلات على صلاحيات وممارسات السادة أعضاء مجلس النواب والأعيان وتنظيم أمور العمل بهدف منع المناكفة ومضاعفة الإنجاز، جاءت لترجمة حلم أردني طال انتظاره، فما نشاهده أحيانا بأسلوب المناكفات والطعن يدعو للحزن والأسى، مرورا بتشكيل المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب، وننتظر ولادة التعليمات بعد إقرارها لتكون نافذة نحو طريق المستقبل، فالتعديلات الدستورية المقترحة هي المقاصة الحقيقية بين الواقع والمطلوب اليوم، وللمستقبل لنا وقفة تقييم وللحديث بقية.