مطالِب موسكو «الأمنِية».. أهي إنذار أخير «قبل الحرب»؟

أكثر من سنتين فى الرأى

في تحليل لها، وصَفت مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية, المطالِب «الأمنية» التي صاغتها روسيا من خلال مُسوّدتي اتفاق مع كل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي/الناتو أنها «مُقلِقة». مُعتبرة «الأسلوب» الذي صيغَت وِفقه المطالب مثابة «إنذار نهائي»، وهو أمر -تُضيف المجلة- تتوقع موسكو أن يرفضَه الغرب بالكامل (تقصد أميركا وحلف الناتو)، ما يعني -في استنتاج لافت للمجلة الأميركية- أنّ الرفض الغربي «سيُشكّل ذريعة لعمل عسكري أو مزيد من التصعيد في المستقبل».

تواصِل موسكو الإعلان في شكلٍ متكرّر أنّ الخيار العسكري غير وارِد بالنّسبة إليها, وأنّ على الغرب «إقناع كييف» تطبيق اتفاقيّتيّ مينسك والالتزام بمقررات رباعية النورماندي، في الوقت الذي طالبَت الولايات المتّحدة وحلف الناتو تقديم «ضمانات أَمنِيّة» لها عبر المقترحات التي قدمتها لهما، ما سيُسهم حال قبولهما للمقترحات –وفق نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف ــ في تعزيز الاستقرار في المنطقة، الأمر الذي تحتاج فيه موسكو أيضاً إلى علاقات مُستقرّة وقابلة للتنبّؤ مع واشنطن.

يُدرك الكرملين بعمق وعن قناعة راسخة، ضمن «مروحة الخيارات» التي يتوفّر عليها, أنّ العمل العسكري المُستبعد حالياً, سيكون خيارها النهائي حال قرّر الغرب وخصوصاً واشنطن دفعَ النخبة القومية المتطرفة والمعادية في الأساس للكرملين... استفزاز روسيا أو التحرّش بها، الأمر الذي لن يترك (لموسكو) أيّ مجال للسماح لهؤلاء بإحداث تغيير جيوسياسي على الأوضاع التي تبلورت بعد آذار 2014, عندما عادت شبه جزيرة القرم إلى قوام الاتحاد الروسي. كما استطاع رافضو الهيمنة الأوكرانية المتطرفة في «الدونباس»، فرض أمر واقع تمثل في إعلان قيام جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك من جانب واحد. رغم أنّ اتفاقيتي مينسك المقبولتان من كييف, تفرضان على الأخيرة إجراء تعديل على دستورها يمنح جمهوريتيّ الدونباس وضعاً خاصاً أقرب إلى صيغة الحكم الذاتي، وهو ما تنكّر له الرئيس الحالي، المُمثّل الكوميدي السابق وعديم الخبرة السياسية زيلينسكي, وسلفه بورشينكو الملياردير تاجر الشيكولاتة والمواد الغذائية.

ردّ الفعل الأميركي على المقترحات والمطالب الأمنية الروسية كان مُلتبساً بمعنى حمّال أوجُه، إذ قالت واشنطن أنّها «لن تفاوض موسكو عليهما بدون حلفائها الأوروبيين»، فيما ردّ أمين حلف الناتو بشكل استفزازي ومُتسرّع قائلاً في مقر الحلف بحضور الرئيس الأوكراني زيلينسكي: لن نساوم على حقّ أوكرانيا في اختيار مسارها، وعلى حقّ الحلف في حماية جميع أعضائه والدفاع عنهم، وعن واقع وجود شراكة بين الناتو وأوكرانيا.

هو إذن «حزب الحرب» في حلف شمال الأطلسي الذي يتصدّر مَشهد الأزمة المُتدحرجة هذه، في وقتٍ تبدو فيه واشنطن أقلّ اندفاعاً, لإدراكها أنّ تقديم منطق الحرب (في هذه الأزمة تحديداً) على منطق البحث عن مقاربة أخرى، لن تكون في صالح استراتيجيتها الرامية إلى محاصرة الصين و"تحييد» روسيا, حال فشلت في استمالتها كما فعلت واشنطن نيكسون-كيسنجر سبعينيات القرن الماضي, إبان احتدام الصراع «الايديولوجي» بين بكين وموسكو السوفياتية. ما أسهم -وقتذاك- في تركيز واشنطن حربها الباردة–وحروب الوكالة- على الاتحاد السوفياتي. وجاءت الفرصة النادرة التي اهتبلتها إدارة كارتر، ولاحقاً إدارتا ريغان/بوش الأب, عندما قرّر بريجينيف التدخّل في أفغانستان, فتحوّلت بحق إلى فيتنام سوفياتية هذه المرة, أنهكت الاتحاد السوفياتي وأسهمت -ضمن أمور أخرى بالتأكيد- في انهياره.

لن تقع موسكو في الفخ الأميركي ولن تخيفها العقوبات «غير المسبوقة» التي تلوّح بها إدارة بايدن، خصوصاً العواقب الوخيمة التي يلوّح بها البريطاني المأزوم بوريس جونسون, وليس أيضاً «الثمن الباهظ» الذي ستدفعه موسكو, إذا ما قامت بعدوانٍ «آخر» على أوكرانيا كما قال أمين عام الناتو سولتنبرغ.

ثمّة تطورات متسارعة أفادت موسكو كما بكين، إذ أنّ قرع طبول الحرب وهستيريا إقامة التحالفات العسكرية ذات الطابع النووي/ تحالف أوكوس, والتمدّد نحو الحدود الروسية كما العمل الأميركي الدؤوب لمحاصرة الصين, عبر تسخين «جبهة تايوان» والعسكرة المتواصلة للمحيطين الهندي والهادي، سرّع ذلك كلّه في تقارب جدّي بين روسيا والصين، قد يتبلور في القريب الوشيك إلى تحالف أمني/وعسكري استراتيجي، في ظلّ تراجع المخاوف والخلافات بينهما خاصّة في البعد «الايديولوجي", على النحو الذي ساد بين بكين وموسكو السوفياتية. وهو أمر يدرك البيتُ الأبيض خطورةَ أبعاده، الأمر الذي قد يُسهم في كبح «حزب الحرب»... الأميركي كما «الناتويّ».

kharroub@jpf.com.jo

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على