القطان استخدام الاقتصاد السلوكي لتفسير القرارات الاقتصادية

أكثر من سنتين فى البلاد

دشنت سيدة الأعمال خلود القطان مؤخرًا في حفل كتابها “الاقتصاد السلوكي بين المعرفة والتطبيق” برعاية وزير المالية والاقتصاد الوطني الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة، وبحضور عدد من المسؤولين والمهتمين. وتنشر “البلاد الاقتصادي” أبرز ما جاء في كتاب سيدة الأعمال خلود القطان على حلقتين.
وقالت القطان “لا يزال الكثيرون في عالم الاقتصاد والتمويل يعتقدون أن أفضل طريقة لوصف السلوك البشري هي تجنب علم النفس، وإخضاع السلوك البشري بدلاً من ذلك لنماذج لحسابية وإحصائية بين أفراد منفصلين وأنانيين إلى أقصى الحدود، مع مراعاة القيود التي تفرضها النظرية الاقتصادية”.
وأضافت “بطبيعة الحال، ليس كل أهل الاقتصاد، أو حتى أغلبهم، يعتنقون هذا الرأي، ويتضح هذا من حقيقة مفادها أن كلا من “ثالر” و”روبرت جيمس شيلر” Robert James Shiller الذي يصنف كأحد أهم علماء الاقتصاد السلوكي انتخبا في سنوات متتالية لرئاسة الجمعية الاقتصادية الأمريكية، وهي الهيئة المهنية الرئيسة للاقتصاديين في الولايات المتحدة، مما يؤكد بلا أدنى شك تأييد العديد من رجال الاقتصاد لعلم الاقتصاد السلوكي”.

الفكر الاقتصادي ولد في أفكار “أفلاطون” و”أرسطو” و”ابن خلدون”.
وواصلت “ولا غرو أن يمتزج علم الاقتصاد بالقواعد والنظريات والتجارب النفسية وعلم الاجتماع، فقد ولد الفكر الاقتصادي في مهد أفكار ومؤلفات أشهر الفلاسفة وعلماء الاجتماع القدماء كأفلاطون وأرسطو وعلماء المسلمين كابن خلدون والمقريزي، حيث لم تكن هناك خطوط فاصلة بين علم النفس وعلم الاقتصاد والفلسفة وعلم الاجتماع، فنشأت الأفكار الاقتصادية آنذاك أثناء بحث ودراسة سلوك الأفراد حكاما ومحكومين، وكذلك أثناء البحث في حقيقة وطبيعة الأشياء”.
وذكرت “لذلك نجد الكثير من التقاطعات وحلقات الاتصال بين هذين العلمين، فكما يبحث علم الاقتصاد في كيفية توظيف الإنسان موارده المحدودة بكفاءة لإشباع أكبر قدر من حاجاته، ومراقبة سلوكه بوصفه منتجًا ومستهلكًا ومدخرًا ومستثمرًا من خلال النظريات الاقتصادية التقليدية المختلفة كنظريات الإنتاج (تناقص الغلة) ونظريات الاستهلاك (تناقص معدل المنفعة الحدية)، ونظريات الادخار والاستثمار، وكذلك يبحث علم النفس في سلوك هذا الإنسان - المستهلك والمنتج والمستثمر - والعوامل التي تؤثر في أسلوب ونمط تفكيره عند اتخاذه القرارات المتعلقة بكافة جوانب الحياة، فالعلاقة بينهما جد وثيقة، ولا مجال للقول بأن هناك حدود فاصلة بينهما”.
 

إرهاصات
وواصلت القطان “إن دراسة السلوك الإنساني لتفسير وتحليل النظريات الاقتصادية لاحت علی استحياء منذ القرن الثامن عشر في أدبيات بعض أنصار الفكر الكلاسیکي أمثال آدم سميث، ثم بزغت إرهاصات علم الاقتصاد السلوكي في منتصف القرن العشرين بمجهودات علماء الاقتصاد الحديث إلى أن وضع لبنته الأخيرة ريتشارد ثالر، حيث قام بتحديد إطاره ورسم القواعد العامة التي تحكمه وأهم تطبيقاته”.
وبينت “لقد بدأت أدبيات الاقتصاد السلوكي تأخذ مكانة متميزة وسط أدبيات علم الاقتصاد؛ بسبب استخدامها أدوات التحليل الواقعية المستقاة من علم النفس في تفسير السلوكيات والقرارات الاقتصادية على المستوى الفردي والمؤسسي، بل واستخدام هذه الأدوات ذاتها لتوجيه السلوك نحو القرارات الملائمة والتي تحقق المصلحة الفردية والجماعية على حد سواء، فضلا عن الدور المهم لهذا الأسلوب من التحليل في زيادة القدرة على التنبؤ، والحصول على توقعات وتقديرات ذات درجة عالية من الثقة، مما تنير الطريق لصانعي القرارات ومصممي السياسات لمعرفة مسار المؤشرات الاقتصادية في الأجل القريب والمتوسط دون الاعتماد - فقط - على أساليب الاقتصاد القياسي الجافة، کنماذج السلاسل الزمنية ونماذج السبية والانحدار الذاتي... إلخ، التي لا تأخذ في الاعتبار أي عوامل نفسية قد تؤثر على درجة الثقة في مثل هذه التنبؤات ومدى مصداقيتها، مما يعرض الاقتصاد للأزمات غير المتوقعة، التي تمثل خطرا على الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي”.
وأضافت القطان “وبعد النتائج المبهرة التي تحققت باستخدام تطبيقات الاقتصاد السلوكي والعلوم السلوكية لمواجهة العديد من المشكلات على المستوى الفردي والمؤسسي الناجمة عن القرارات السيئة للأفراد والمؤسسات في كثير من المجالات، منها مجال الصحة والتعليم والائتمان والضرائب وتلوث البيئة والطاقة”.
وذكرت “فقد تم استخدام تلك التطبيقات على نطاق أوسع في علاج كثير من المشكلات في بعض الدول التي لها - إلى حد ما نفس الظروف المتشابهة حتى أصبحت تطبيقات قواعد الاقتصاد السلوكي توجها عالميا، حيث أنشئت العديد من وحدات الرؤى السلوكية Behavioral Insights Unit أو كما يطلق عليها مؤخرًا وحدة الوكز أو وحدة التوجيه Nudge Unit في المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص، وأصبحت جزءا من مراكز صنع القرار والمؤسسات المنوط بها صياغة وتصميم السياسات العامة في العديد من الدول والمنظمات الدولية”.
وأضافت “ولا نستطيع إغفال دور الأدوات والسياسات التقليدية كسن التشريعات والقوانين وإصدار اللوائح والقرارات والحوافز المالية بما لها من قوة إلزام مثل قوانين الضرائب والاستثمار والبيئة...إلخ، والتي تصيغ القواعد القانونية التي تقوم فلسفتها على تحقيق مصلحة الفرد والدولة من خلال منح المزايا وتقديم الحوافز، وربما فرض العقوبات المالية كالغرامات أو السالبة للحرية كعقوبات الحبس أو السجن، ولكنها للأسف قد تأخذ وقتا طويلا كسن التشريعات والقوانين، أو ذات تكلفة عالية كإعداد برامج التوعية والندوات والنشرات، أو ربما لا تجدي مع بعض الأفراد والجماعات الذي لا تصلح معهم وسائل الجبر والإلزام في بعض الحالات”.
وواصلت “ولكن يمكننا إلى جانب ذلك القيام بالتوجيه - دون إجبار أو الزام - عن طريق تصميم الخيارات (هندسة الاختيار) التي توجه وتحفز الأفراد إلى اختيار معين مع إتاحة كل الخيارات - يؤدي إلى تحسين ظروف معيشتهم في كل جوانب الحياة، منها على سبيل المثال مكافحة ظاهرة السمنة المفرطة لدى البعض، أو الحد من ظاهرة التدخين بين الشباب، أو المحافظة على البيئة من التلوث، وعدم الإسراف في استخدام المياه والطاقة... إلخ”.

رسم وصياغة
وقالت “وعلى المستوى المؤسسي يمكن تصميم سياسات لتحفيز الأفراد على سداد الضرائب في المواعيد المحددة واحترام القوانين، وحث الحكومات على ترشيد الإنفاق العام وتحسين قرارات الاستثمار وزيادة إنتاجية العمل ورفع مستوى جودة الخدمات العامة. تستطيع مؤسسات الدولة رسم وصياغة السياسات العامة التي تتوافق مع خيارات الأفراد الحقيقية المتوقعة - وليست النظرية - التي أصبحت بمثابة مبادئ وقواعد أساسية في علم الاقتصاد السلوكي، وعدم الاعتماد بصورة كلية على التوقعات القائمة على فرضية العقلانية التي باتت عاجزة عن تفسير الكثير من خيارات وقرارات الأفراد السيئة، التي تؤثر بالسلب على مستوى معيشتهم ورفاهيتهم بصفة خاصة، وعلى الاقتصاد الوطني بصورة عامة، بل ربما تؤدي إلى قيام الكثير من الأزمات الاقتصادية على الصعيد الإقليمي والعالمي، حيث إن هنالك العديد من السياسات المبتكرة وغير المكلفة في ضوء قواعد ومبادئ الاقتصاد السلوكي، التي تستطيع الدولة من خلالها تحقيق الأهداف المنشودة في شتى المجالات”. وذكرت “وقد شهد العالم مزيدًا من التعاون والتبادل بين الدول في تطبيقات الرؤى والتجارب السلوكية، وعادة ما تعقد اجتماعات كثيرة ومنتظمة لتبادل المعرفة والتواصل بين الخبراء التنفيذيين والأكاديميين من مختلف دول العالم التي تستعين بالاقتصاد السلوكي في سياستها العامة”.

 

لقراءة الجزء الأول من الموضوع:

“البلاد” تنشر أبرز ما جاء في كتاب الاقتصاد السلوكي بين المعرفة والتطبيق (1 - 2)

شارك الخبر على