«ارفض ارفض يا زكريا عبد الناصر مية المية».. قصة رجل تورط في حكم مصر ٤٨ ساعة

ما يقرب من ٧ سنوات فى التحرير

لم يكن جمال عبد الناصر مجرد رئيس للجمهورية، بل كان هو من رسّخ المفهوم الحقيقي لـ"شعبية الحاكم"، فلم يحظ من قبله ملوك مصر وسلاطينها بهذه الشعبية الجارفة، وعليه لم يكن رحيلهم أو بقاؤهم أمرًا يشغل بال المصريين بالضرورة، لكن "عبد الناصر" حطم الجليد ما بين الحاكم والرعية، وفرض تحديًا صريحًا -بقصد ربما أو بدون- على خليفته في منصب رئيس الجمهورية، إذ كان هو الأب الملهم والزعيم المخلص في نظر شعبه، وباتت أي محاولة للجلوس على كرسيه أشبه بالانتحار السياسي، فمن هذا الذي يجرؤ على أن يحل محله؟

زكريا محيي الدين، أحد نجوم الصف الأول في تنظيم الضباط الأحرار، كان أول من احترق بنار تلك الشعبية الجارفة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، إذ ورطه الأخير في حكم مصر بعد خطاب التنحي الذي ألقاه عقب هزيمة يونيو 67، فخرج على شعبه تكسو ملامحه الحزن الغائر، وفي نهاية خطابه قال: "لقد كلفت زميلي وصديقي وأخي زكريا محيي الدين بأن يتولى منصب رئيس الجمهورية".

مبررات "ناصر" لاختيار "زكريا" رئيسًا للجمهورية ذكرها عضو مجلس قيادة الثورة، حسين الشافعي، فى شهادته بكتاب "من أيام عبد الناصر والسادات"، وتمثلت في قدرة "زكريا" على التعامل مع الأمريكان والتفاهم معهم، بجانب إعطاء عملية التنحّى الجدية اللازمة، فهو أراد ألا يترك البلد دون قيادة، بالإضافة إلى أن زكريا محيى الدين كان له دور أساسى فى الثورة وفى حمايتها.

وكأنه إيذان بفتح النار على زكريا محيي الدين، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، إذ خرجت الجماهير في الشوارع بالملايين ليلة 9 يونيو 1967، تهتف باسم جمال عبد الناصر أمام منزله، وتحذر زكريا محيي الدين في الساعات الأولى من توليه منصبه بقولها: "ارفض ارفض يا زكريا عبد الناصر مية المية".

وزير الإعلام حينها محمد فايق نال نصيبه -خطأ- من غضب الجماهير أمام منزل "عبد الناصر"، إذ حضر لزيارته، وفجأة تعالت الأصوات ظنا أنه زكريا محيي الدين، وهنا يقول "فايق" في فيلم وثائقي من إنتاج "بي بي سي" بعنوان "فراعنة مصر المعاصرون.. ناصر" وتحديدًا في الدقيقة 44: "لسه داخل على البيت لقيتهم بيقولوا زكريا محيي الدين أهو.. اضربوه موتوه"، وبالفعل انهال الضرب عليه وكاد يفقد حياته لولا تدخل الحرس، وهو الأمر الذي يوضح مدى حنق الجماهير حينها على زكريا محيي الدين، رغم شعبيته كنائب لرئيس الجمهورية، ومؤسس لجهاز المخابرات العامة.

المفاجأة كانت في رفض زكريا محيي الدين للمنصب من الأساس منذ البداية، وبالفعل اعتذر عنه وسجل بيانًا بصوته على جهاز التسجيل الخاص بخالد جمال عبد الناصر، لكن إذاعة هذا البيان تأخرت لساعات طويلة، حتى فجر اليوم التالي، ولم يكن البيان المذاع هو الأصلي، فقد أدخل عليه الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل بعض التعديلات.

وعن شهادة "هيكل" حول لحظة التنحي، قال إن "عبد الناصر" أصدر توجيهاته لوزير الإعلام حينها، بعدم صدور أي بيانات لأحد من رجال الدولة دون عرضها على "هيكل" أولا، وقد اتصل به "محيي الدين" معاتبًا إياه على إلقاء تبعة هذا المنصب الخطير عليه أثناء هذا الظرف الدقيق، كما أعد بيانا يقف فيه مع الجماهير في رفض وجود بديل لعبد الناصر، ووزعه بنفسه على الصحف المصرية، وبالفعل لم يكن يتخيل "محيي الدين" نفسه أن يكون بديلًا لجمال عبد الناصر. 

وبعد يومين من حصار الجماهير لمنزل "عبد الناصر"، تراجع عن قراره، وتقدم "زكريا محيي الدين" باستقالته بعد 48 ساعة، كما أعلن اعتزاله الحياة السياسية عام 1968، وظل صامتًا وكاتمًا لأسراره الكثيرة، حتى وفاته عن عمر ناهز 94 عامًا، فى يوم الثلاثاء الموافق 15 مايو 2012.
 

شارك الخبر على