«حماية اجتماعية لا تغني من جوع».. «الإصلاح الاقتصادي» نار «تلتهم» الغلابة

ما يقرب من ٧ سنوات فى التحرير

تلقى المصريون، صدمة غلاء جديدة، صباح الخميس الماضي، عقب علمهم بصدور قرار مجلس الوزراء بزيادة أسعار الوقود للمرة الثانية خلال 8 أشهر، بنسب تراوحت بين 42% و100%، إذ ارتفع سعر البنزين 80 والسولار من 2.35 إلى 3.65 جنيه للتر بنسبة 57%، والبنزين 92 من 3.5 إلى 5 جنيهات للتر بزيادة 42%، وأسطوانة البوتاجاز من 15 إلى 30 جنيهًا بنسبة 100%.

الزيادة الأولى في أسعار المواد البترولية جاءت في عام 2014، ووصلت نسبتها لحوالي 78%، قبل أن تعود الحكومة وترفعها من جديد في نوفمبر 2016، بعد قرار تعويم الجنيه، في الوقت الذي سعت فيه مصر لإتمام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، تحصل مصر بموجبه على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات، على أن تلتزم ببرنامج اقتصادي تم الاتفاق عليه مع المؤسسة الدولية، ويتضمن رفع الدعم بشكل كامل عن المواد البترولية بحلول يوليو 2019.

برر شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، الزيادة بأن قيمة الدعم المخصص للوقود، في العام المالي الماضى، تخطت 85 مليار جنيه، وستغلق في العام المالي الجاري عند 110 مليارات، وفي حالة عدم رفع الأسعار كانت فاتورة الدعم ستصل إلى 150 مليار جنيه، وسيكون ذلك على حساب خدمات الصحة والتعليم.

«حماية اجتماعية لا تغني من جوع»

من المتوقع ارتفاع معدل التضخم نتيجة الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود ليصل إلى 35%، مع استمرار زيادة نسبته حتى نوفمبر المقبل، وهو ما ينسف قيمة الحزمة الاجتماعية التي أقرتها الحكومة خلال الفترة الماضية بهدف التخفيف من حدة ارتفاع الأسعار، عندما رفعت قيمة الدعم السلعي للفرد على بطاقة التموين من 21 جنيهًا شهريًا إلى 50 جنيهًا، بحد أقصى 4 أفراد للأسرة، كما أعلنت عن زيادة في الرواتب لغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بـ10%، وعلاوة غلاء تصرف لجميع العاملين في الدولة بـ7%، وزيادة المعاشات بـ15%، ورفع قيمة معاشي تكافل وكرامة إلى 100 جنيه للفرد، هذا ما يؤكد عليه خبراء وبرلمانيون.

فخري الفقي، مساعد المدير السابق لصندوق النقد الدولي، قال في تصريحات خاصة لـ«التحرير» إن الحكومة لم تنجح في توفير غطاء اجتماعي لحماية الفئات الأكثر فقرًا ومحدودي ومعدومي الدخل، بالتزامن مع برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي بدأ بقرار تعويم الجنيه نوفمبر العام الماضي، وإنه يجب إعادة صياغة شبكة الحماية الاجتماعية، لتقليل الأعباء على المواطن الفقير، متوقعًا ارتفاع معدلات التضخم إلى 35% بنهاية عام 2017.

الفقي، أكد أن مع زيادة سعر السولار سترتفع أسعار كافة السلع والخدمات بداية من الغذاء مرورًا بكل الخدمات، حتى لو كانت ليس لها علاقة مباشرة بالقرار، مضيفًا أن «حزمة الحماية الاجتماعية لم تدخل بعد حيز التنفيذ»، مطالبًا بإجراءات لحماية للمواطن البسيط متمثلة في تفعيل الكروت الذكية، والتي كان يمكن من خلالها أن تتحمل الدولة الزيادة في سعر الاستهلاك للفرد.

ريهام الدسوقي، كبيرة محللي الاقتصاد في بنك استثمار «أرقام كابيتال»، أوضحت في تصريحات لـ«التحرير» أن معدل التضخم في الأسعار سيعود للارتفاع مرة أخرى إلى حدود 35% خلال الأشهر المقبلة.

وأوضحت أن القرار وتوقيته لم يكن مفاجأة، وكان متوقعًا، خاصة أن الحكومة لن تكون قادرة على تحمل عبء إضافي في بند الدعم، مؤكدة أن خفض دعم الوقود من شأنه مساعدة الحكومة في توفير مصادر لزيادة الإنفاق على بنود، مثل الصحة والتعليم وبرامج الحماية الاجتماعية.

مروان يونس، مستشار التخطيط السياسي «لائتلاف دعم مصر»، قال في تصريحات تليفزيونة، إن إجراءات الإصلاح الاقتصادي «مؤلمة» وتمس بشكل كبير معدلات الدخل للمواطن المصري، حيث ترتفع والأسعار بشكل غير مناسب لنمو الدخل، وأنه كان لا بد على الحكومة أن تتخذ إجراءات مناسبة، لتخاطب الفئات الأشد فقرًا، والطبقات المستحقة للتمويل وتضاعف إمكانيات كل أسرة، بالإضافة إلى تطبيق بعض الإعفاءات الضريبية.

واعترض الدكتور صلاح هاشم، أستاذ التخطيط والتنمية جامعة الفيوم، والأمين العام للاتحاد المصري لسياسات التنمية والحماية الاجتماعية، بشدة على سياسات الغلاء غير المدروسة، وقال إن سياسات الدولة تعمل على زيادة شريحة الفقراء، وسياسات الحماية الاجتماعية فقط تمنع المجاعة، وإن هذه الزيادات الكبيرة في أسعار المواد البترولية سيترتب عليها زيادة كبيرة جدًا في معدلات الفقر بصورة تعجز سياسات الحماية الاجتماعية على احتوائها، وأنه يتوقع ارتفاع معدلات التضخم إلى 32% بنهاية عام 2017، وربما يصل إلى 35% وارتفاع معدلات أسعار اللحوم والبروتينات وأسعار الطعام إلى 50% بنهاية العام الجاري.

كما أشارت النائبة البرلمانية سوزي ناشد، عضو مجلس النواب وأستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية، إلى أن العلاوات الإضافية ودعم السلع ما هي إلا مسكنات وقتية لحين مرور الأزمة، مطالبة الحكومة بتفعيل المخصصات المالية التي حددها صندوق النقد الدولي، لمعالجة الأزمة الاقتصادية من الجانب الاجتماعي، وتفيعل تخصيص الأموال للحماية الاجتماعية للفئات الأكثر فقرًا، مشيرة إلى أن الطبقة المتوسطة انضمت للفئات التي تعاني من برنامج الإصلاح.

وكان طارق الملا، وزير البترول، أعلن أن الزيادة اﻷخيرة في أسعار المحروقات ستوفر على الموازنة العامة 35 مليار جنيه، ليصبح دعم المواد البترولية 110 مليار جنيه هذا العام المالي، وهو الرقم المدرج فعليًا في موازنة 2016/17.

كيف يدفع الفقراء الثمن؟

الزيادات الأخيرة جعلت المصريين بمختلف مستوياتهم يستعدون لمواجهة جديدة مع زيادة الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه، وعجز الموازنة الخاصة بهم، ولم يعد أمامهم سوى إعادة ترتيب ميزانياتهم بما يسمح لهم بالاستمرار في المعيشة، مع توقعات بارتفاع أسعار المنتجات الغذائية.

الآثار الجانبية السلبية لارتفاع أسعار الوقود ستشمل كافة التفاصيل اليومية في حياة المصريين، بدءًا من ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، خاصة الفاكهة والخضراوات ووسائل النقل والمواصلات اليومية للمواطنين، وكذلك ارتفاع أسعار أعمال التشييد والبناء، وحتى الأجهزة الكهربائية، وهو ما أكده جلال عمران، نائب رئيس شعبة المواد الغذائية، حيث يتوقّع أن تكون الزيادات المترتبة على زيادة أسعار الوقود «كبيرة وغير منضبطة»، بسبب غياب الرقابة والضوابط المنظمة لعملية التسعير.

وكانت غرفة القاهرة التجارية، أعلنت في بيان لها، أن أعضاء الشعب في الغرفة، أكدوا أن أسعار المواد الغذائية والأسماك والدواجن، ستتأثر بزيادة سعر الوقود، وبررت ذلك أن «سعر المواد البترولية يعتبر أحد عناصر التكلفة سواء عن طريق النقل أو الاستخدام المباشر في مراحل الإنتاج، أو حتى دخولها من ضمن تكلفة السلع بطرق غير مباشرة، وبالتالي هي تكلفة زائدة على أسعار السلع ومن ثم سيتحملها المستهلك النهائي»، لأن سعر المواد البترولية يدخل في تكلفة معظم السلع سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

زيادات جديدة قادمة

في غضون أيام قليلة، سوف تشهد أسعار فواتير الكهرباء أيضًا زيادة أخرى جديدة في أسعار الشرائح عقب الانتهاء من تحديد تكلفة سعر الكيلو وات في الساعة، وفقًا للأسعار العالمية، وارتفاع سعر الصرف، والتي يصل تكلفتها لـ97 قرشًا للكيلو وات/ ساعة حتى يونيو 2018.

ومن المقرر أن تجهز وزارة الكهرباء لعقد مؤتمر صحفي خلال أسبوعين للإعلان عن الزيادة المقرر تطبيقها بداية من الشهر المقبل، ويتم تحصيلها على فاتورة استهلاك شهر أغسطس.

ولن تسلم فواتير المياه أيضًا من نار الزيادات الجديدة، بعدما صرح وزير الإسكان، الدكتور مصطفى مدبولي، داخل لجنة الإسكان بمجلس النواب، بزيادة مرتقبة، ستكون 60%، كما أكد المهندس ممدوح رسلان، رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، أن الزيادة الجديدة ستكون بنسبة 50%، وأن تكلفة المتر مكعب من المياه عند 165 قرشًا قابلة للزيادة باستمرار.

أما بالنسبة لأسعار الأدوية، فتتجه الحكومة، لرفع أسعار الدواء للمرة الثالثة، منذ موافقة صندوق النقد الدولي على إقراض مصر 12 مليار دولار.

فقد أشارت تقارير صحفية إلى استعداد وزارة الصحة والسكان لتحريك أسعار نحو ألف و400 صنف دوائي من بين 5 آلاف صنف سوف يجري زيادتها قبل نهاية الشهر المقبل، ضمن الزيادة الثالثة التي وعد بها الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، شركات الأدوية وغرفة صناعة الدواء ضمن اتفاق 6 مايو الماضي، وستتراوح الزيادة الجديدة ما بين 10 إلى 20%، خاصة للأصناف التي حدثت لها تشوهات في الأسعار عقب زيادة أسعار أكثر من 3 آلاف عقار في يناير الماضي.

من جانبه حذر «المركز المصري للحق في الدواء»، المختص بالدفاع عن حقوق المواطن الصحية، وزارة الصحة المصرية من محاولة تحريك أسعار أية أدوية، في ظل الظروف الاقتصادية المربكة التي تمر بها البلاد، ووفقا لمستندات حصلت عليها «التحرير»، فأن قرار زيادة أسعار الدواء الأخير تضمن بندا يشمل زيادة جديدة بالتسعير في أغسطس المقبل، وأن شركات الأدوية تنتظر منذ 12 فبراير الماضي قرار زيادة أسعار نحو خمسة آلاف صنف بدءًا من شهر أغسطس المقبل، وفق تعهد حكومي مكتوب تم تقديمه لرئيس الوزراء الذي وافق عليه.

وكشف البند الخامس من مذكرات قدمت من وزارة الصحة لمجلس الوزراء،  كشف اتفاق الأطراف (الوزارة والشركات) على البدء في إعادة تسعير عدد من الأدوية بدءًا من 1/08/2017 على حسب أسعار الصرف قبلها بثلاثة شهور أي مايو ويونيو ويوليو بحد أقصى 20%من أدوية كل شركه أجنبية سواء من التصنيع المحلي أو المستورد، بالإضافة إلى 15%من أدوية شركات مصرية.

شارك الخبر على