القضايا الكبيرة

أكثر من سنتين فى الرأى

زمان كانت قضايانا أكبر.. كنا نختلف على عبدالناصر, ونتفق على صدام حسين.. كنا نحاول أن نقرأ (الديالكتيك)، والنظرية الاشتراكية.. حتى نجرؤ أن نحاور الشيوعيين, كنا نذهب للبلد بحثا عن كتب محمد عابد الجابري.. كي نفهم تأثير الموروث في العقل العربي، وحين نجلس مع الإسلاميين.. نحاورهم بالمنطق والحجة...

كانت قضايانا أكبر بكثير... كانت مشاجراتنا في الجامعة تندلع، ليس لأجل بنت عبرت في شارع صغير وغازلها ذاك الشاب المبتدئ في الحب.. كنا نتشاجر لأن الرفاق في اليسار أخذوا مساحة منا وأنكرونا في انتخابات نادي الحوار, وكانت المشاجرات تندلع ثم تخفت فجأة ونتصالح بعدها... كنا أيضا نختلف في قصائد الحب، ومن منا يستطيع أن يكتب قصيدة على البحر الوافر دون أن يخطئ في الوزن...

كانت الحياة أجمل، وشيحان الصحيفة الأسبوعبة كانت تمثل تمردا على إيقاع الصحف اليومية، كانت تعجبنا مواويل الزميل (علي عرسان).. وحتى الفضائح التي تطلقها هذه الصحيفة كان لها الكثير من الوقار.. والجرائم التي تنشرها لم تكن مرعبة بحجم الجرائم التي تحدث اليوم..

زمان كانت قضايانا أكبر، وفضائحنا أقل.. وكنا نتداول منشورات الأحزاب المحظورة التي نجدها على زجاج السيارات في الليل، والبنات كن يعجبن بمن يخرج من المعتقل للتو، كان الشباب الذين يأتون من سوريا والعراق واليونان.. وقد انخرطوا في الأحزاب الثورية، يختطفون قلوب البنات أكثر منا... ربما لأن تجربتهم ثرية أكثر.. لم يكن في زمننا عمرو ذياب وحماقي ووائل كفوري.. زمننا كان فيه حبيب الزيودي الذي يطلق قصيدة في الجامعة وتنتشر مثل الهشيم في النار, ثم ننسخها على الدفاتر... كانت هذه القصيدة هي الغواية.. وحبيب أسس نهجا من الجنون ?التمرد لم يسبقه أحد إليه...

حتى الموت كان محدودا ولم يكن بالجملة مثل اليوم، وبشر الخصاونة الطالب في كلية الحقوق.. كان كثيرا ما يرتدي جاكيت الجلد الأسود، كان كثيف الشعر وليس أصلع مثل اليوم، وذات مرة شاهدت طالبا مستجدا يقوم بشكره لأن بشر فتح ورقته كاملة في امتحان القانون الدستوري.. لبعض الطلبة ونقلوا منها الأجوبة، حتى الغش كان يتم في زمننا بمحبة...

زمان كانت قضايانا أكبر بكثير, كان الخبز يكفينا والوطن كان يمنحنا فائضا من الحياة الفضلى.. والجدائل كانت أهم من الورد فهي لا تحتاج لفصل معين كي تزهر.. وعيون البنات أيضا كانت أشهى, فالنظرة الواحدة تغني عن مليون رسالة (واتس أب)..

الوطن لم يصغر ظل كبيراً والحياة ما زالت هي الحياة لم تتغير, الذي تغير هو نحن لقد صغرنا... إلى الحد الذي صار فيه القتل من دون سبب عادة، والتناحر سنة نمارسها كل يوم.. وفقدنا الصباحات التي كنا نصعد فيها ذرى الأمل.. وصرنا نسير نحن أودية الهلاك..

ترى لو أعرف فقط كيف أسترد ذاك الزمان, لما تأخرت لحظة...

Abdelhadi18@yahoo.com

شارك الخبر على