أحلام لا تنتهي... تجربة فنية فريدة

about 4 years in الرأى

صدر عن الدار المصرية اللبنانية مذكرات فريدة من نوعها ليست لسياسي أو أستاذ جامعة أو أديب أو شخصية من أوساط التمثيل أو الغناء بل لفنانة وهبت حياتها لاحياء الفنون التقليدية للحلي في المنطقة العربية، عصامية نحتت اسمها في عالم المجوهرات حتى صار اسما متداولا دوليا يشار إليه بالبنان، عزة فهمي علامة دالة في عالم تصميمات القطع لالفنية من الذهب والفضة، لكن هذا الاسم كان وليد رحلة كفاح طويلة، تشكل وعيها في سوهاج حيث كان والدها يعمل في شركة بريطانية تعمل في حلج وتصدير القطن، هناك عرفت عادات وتقاليد ارتبطت بحصد القطن والزواج وحفلات الأعراس وخزنت في ذاكرتها جانبا من فنون الصعيد، ونستطيع أن نقول تشربت روح الصعيد، ثم تعلمت الفن في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، لتعمل موظفة عقب تخرجها، لكن روح الفنان ظلت تطاردها حتي فكرت في الالتحاق بقسم المعادن في كلية الفنون التطبيقية، لكنها عادت عن ذلك وفضلت أن تتعلم في ارض الميدان أرض صناعة الحلي والمجوهرات في مصر، فالتحقت بورشة رمضان في الصاغة بخان الخليلي بالقاهرة لتتحول إلي صبي يتعلم أسرار وفنون الحلي، وفي الورشة تعرفت على العمارة الاسلامية في القاهرة القديمة وراعاها جماليات الخط، فمزجت لاحقا الخط العربي بالحلي لتشكل شخصية جديدة مبتكرة للحلي التقليدية، هذا ما جعل توقيعها باسمها على الحلي علامة مميزة، التحقت عزة فهمي بعد ذلك بواحدة من أقدم ورش الحلي في خان الخليلي ورشة الحاج سيد لتتحول إلي فنانة تمتلك أدوات الحرفة بكل أسرارها.

خلطت عزة فهمي الدراسة بالممارسة حتى بالفلسفة مثل قراءتها لإدوارد سعيد فأدركت معنى الشرق وفنونه، بدأت عزة فهمي تجربتها الشخصية في ورشتها الصغيرة في حلوان، وعن طريق أصدقائها مثل عطيات الأبنودي بدأت ابداعاتها تنتشر، وكانت جرأتها في اقامة أول معرض لها في قاعة تابعة لوزارة الثقافة المصرية، بعد أن كانت هذه القاعات عروضها محصورة في التحت ولوحات الفن التشكيلي، ليعرض الحلي لأول مرة، كان هذا المعرض في أواخر السبيعنيات، هنا هي تستمد من الحلي التراثية من متحف الفن الإسلامي روح حليها، امتلكت 4 ألاف مجلد عن الحرف والحلي والفنون التقليدية من جميع العصور،زارت المتاحف في دول مختلفة والعديد من المدن والواحات التراثية في العالم لتشكل لها ذخيرة في الذاكرة تستعين بها على تقديم القديم في صور جديدة مبتكرة، هذه الرغبة في الاختلاف جاءت كنوع من المقاومة أمام طغيان المجوهرات الغربية على الذائقة المصرية والعربية، استطاعت عزة فهمي تكوين شخصية فنية باستيعاب القديم ثم بالابتكار من خلاله، لتحل هي معضلة فلسفية كثيرا ما أرهقت العرب حول العلاقة بين القديم والجديد، حتي صرنا نري قطعا فنية فريدة دفعت عزة فهمي إلي التوسع بورشة أكبر ومساعدين في بولاق أبوالعلا، لتستقيل من الوظيفة الحكومية، ويصبح الفن مشروعها، الذي تحبه وتعطيه، وبمساعدة مدير المركز الثقافي البريطاني سافرت بمنحه إلي معهد جون كيس في لندن للحلي، لتكتسب مزيدا من المهارات، الصبر والدأب في رحلتها عنوان النجاح، أصبح لديها القدرة على تقنيات أصعب بل الابتكار والتجديد بصورة كلية تماما، تطلب هذا تمييز قطعها بتوقيع مميز باسمها تعلوه نخلتان وسنة الصنع، لتشارك في 1994 م في تصميم حلي فيلم المهاجر ليوسف شاهين. كسرت عزة فهمي العلاقة المقطوعة بين الحلي والخط العربي والثقافة العربية، فاستعملت شعر أبو القاسم الشابي على أحد قطعها:

والشقي الشقي من كان مثلي في حساسيتي ورقة نفسي واستعلملت رباعيات صلاج جاهين على قطعها لتعبر عن الانسان الذي سيحمل قطعها الفنية، وأنتجت قلادة للشاعر محمود درويش في مجموعتها بمناسبة عيد الأم كتبت على القلادة: أحن إلي خبز أمي/ وقهوة أمي/ ولمسة أمي.

لتستعير من رموز حلي النساء العربيات التقليدية تصميمات مبهرة لمجموعتها (رموز) تحولت عزة فهمي لمدرسة ودربت شبابا على ممارسة هذه الحرفة، لتمنحها الجامعة الأمريكية الدكتوراة الفخرية وتكرم من مؤسسات عبر العالم،

إن بناء اسم عربي في حقل المجوهرات له احترام دولي يستمد تصميماته من الروح العربية قديما وحديثا لا شك أنه أمر صعب، إننا هنا في هذه المذكرات أمام تجربة نجاح غير تقليدية، تسجيلها في كتاب يجعلها تجرة ملهمة للأجيال الجديدة.

Share it on